موضوع تعبير عن المحبة والتسامح

كتابة:
موضوع تعبير عن المحبة والتسامح

العلاقة بين المحبة والتسامح

العلاقات الإنسانية في المجتمعات كلها أمر مهم، ولعلّها أساس من أساس بناء المجتمع، ولهذه العلاقات دعامات راسخة تضرب جذورها في الأعماق حتى تحافظ على متانة العلاقات الاجتماعية، ولعل أبرز الأركان وأهمها في تمتين أواصر الإخاء والصداقة بين الأفراد في المجتمعات هي: المحبة والتسامح وما فيهما من ود وصفاء في القلوب، ونقاء في الأفكار والتعامل.


المحبة التي تنبع من القلب لا بد أن تترجمها العيون، وتفصح عنها الكلمات، وتعبّر عنها التصرفات والتعامل مع الطرف الآخر، لا بد من التوضيح أن المحبة ليست فقط للعشاق، إنما هي لكل الناس، فالطفل يحتاج المحبة في تربيته، والكبير يحتاج المحبة من أولاده، وكل فرد في هذه الحياة لا بد له من الحب كي يرى الحياة أنقى وأصفى وأرقى، وبكل تأكيد سيؤدي هذا الحب إلى قيم أخلاقية أخرى في العلاقات الاجتماعية.

المحب يتغاضى عن أخطاء المحبوب، ويتجاهل الكثير من العثرات، ويُحاول وضع المبررات والأعذار، ويلتمس له عذرًا لما قد يقرتفه من أخطاء، وهذا ما يُسمى التسامح، فالحب والتسامح يرتبطان ببعضهما ارتباط الجنين بأمه، وارتباط السحاب بالسماء، وارتباط السمك بالماء، فلا وجود للحب مع الحقد والبغضاء وتتبع الأخطاء، إذا لا يمكن لمُحبّ أن يكون منتظرًا خطأ المحبوب حتى يعاقبه على خطئه، فهذا يتنافى كل التنافي مع مفهوم المحبة الراقي والسامي.


العكس بالعكس أيضًا، فلا يمكن أن تُزرع بذور التسامح، وتنبت ثمارها في قلب إنسان حاقد كاره للطرف الآخر، بل لا بد من أن يكون التسامح مرتبطًا بالحب والاحترام والود والمشاعر النبيلة البعيدة عن المصالح، والبعيدة عن إثارة الفتن والأذى والضرر للطرف الآخر، وهنا يأتي دور التغافل في التعامل، أي عدم التدقيق على كل خطأ، طالما أنه يمكن أن يُنسى ولا يؤثر على جوهر العلاقة بين البشر.


التسامح يرقى مراتب عالية كلما ازداد الحب، والحب يتألق ويزداد رقيًا كلما زُيّن بالتسامح، فكأن لسان حالهما يقول: هلمّ بنا ننثر بذارنا في تربة القلوب المتعبة، ونسقيها بماء الحب، ونور العطف والعفو والإخلاص، فتنتبت فيها أحلى الثمار اليانعة من الود والصفاء والنقاء والإخلاص، وتسمو بأصحابها مراتب من الرضا والسعادة والطمأنينة.

دور المحبة والتسامح في حياة الفرد والمجتمع

إنّ المحبة والتسامح لهما أهمية كبيرة، وأثر بالغ على الأفراد وعلى المجتمعات، وقد يكون هذا الأثر أقوى من أهم علاج لأمراض الاكتئاب، وأهم من أعظم محاولة من المرشدين النفسيين لإصلاح النفوس التي أبلاها الزمن بتعاسته وكآبته وأحقاده وصعوباته، فبالحب يُمحى السواد ويصير الليل نهارًا، والشمس تزداد إشراقًا، وبالتسامح تحلو الحياة، وتزول الهموم.


عندما يملأ الفرد قلبه بالحب هذا يعني أنه سيرى كل شيء حوله بعين محبة ودودة، بعيدة عن الحقد، وهذا سيجعله راضيًا عن ذاته وراضيًا عن الآخرين، يحب عمله، ويحب عائلته، ويحب أصدقاءه، وبذلك يرى الحياة أجمل، مما يساعد في الشعور بالطمأنينة والحب حتى لنفسه، وهذا سينعكس بكل تأكيد على الكثير من تفاصيله التي كان يراها قاتمة، فإنه بهذا الحب سيحاول أن يرى الجانب المشرق في كل شيء من حياته.


أما المجتمع، فإن أثر الحب والتسامح فيه أقوى وأشد من أثرهما على الفرد، وذلك لأن المجتمع أكبر، وتظهر فيه الآثار أوضح، وذلك إذا ما كان غالبية أفراد المجتمع يحملون في قلوبهم وعقولهم المحبة والتسامح لبعضهم، فعندها ستزول الأحقاد في المجتمعات، وتُلغى الكثير من حالات الخصام والمشاكل في المحاكم، ويصير التعاون والمساعدة والأخلاق الكريمة هي البنيان المتين للمجتمع.


كلما اتسعت دائرة المحبة والتسامح في المجتمع كلما نشأ جيل قويم قوي متين لا يعرف الحقد، بل يعرف كيف يمكن أن يحل أكبر المشاكل، وأعقدها وأصعبها بالحب والتسامح، فالمُسامحة تريح القلب، وتُخفّف التوتر، وتبعد الإنسان عن التفكير بالمشكلة، وبالتالي سينصرف إلى القيام بواجباته في المجتمع بدلًا من أن يكون أسيرًا للمشاكل والأحقاد والكراهية والبغضاء، وينتشر الحب والخير والسلام.


كم من موقف صغير فيه حب وتسامح أنهى خصومات مرت عليها سنوات، وقطيعة بين الأهل والأصدقاء والأرحام دامت عقودًا أنهتها كلمة بسيطة وهي "سامحتك" حروف صغيرة لها آثار جليلة، فالحب والتسامح ركن متين، وأساس عظيم راسخ لبناء مجتمع متكامل متعاون قوي لا يخاف العدو، ولا يخشى الغرباء، ينام قرير العين مرتاحًا لأنه يشعر بالأمان والسلام.

المحبة والتسامح في الدين الإسلامي

لما كان للحب والتسامح دور عظيم في بناء المجتمعات، والرقي بالأفراد من كل النواحي وعلى جميع الأصعدة، كان لا بد من العودة إلى تعاليم الدين الإسلامي، واستعراض ما في هذا الدين العظيم من دعوة وحثٍّ على الحب والتسامح والعفو، فقد دعا الدين الإسلامي في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ومواقف كثيرة للرسول الكريم والصحابة -رضي الله عنهم- تدعو إلى المحبة والتسامح والعفو عن الآخرين.


فقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة عن العفو والتسامح، منها قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[١] فقد دعا الله جل جلاله عباده إلى العفو وكظم الغيظ، وجعل مكافأة ذلك لهم محبة الله جل جلاله، وهذا فيه أجر عظيم للعباد.


كما ورد عن عبد الله بن مسعود عن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ"[٢]، فإنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الموقف علّم البشرية كلها أسمى أنواع التسامح والحب، فهو يحب قومه وأهله وعشيرته، ولذلك تسامح معهم، والتمس لهم العذر عند الله تعالى.


لا يوجد للمسلمين قدوة أعظم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- لاتباع نهجه وطريقة تعامله مع الآخرين، ومن خلال ذلك تتبين أهمية التسامح والحب في الدين الإسلامي، وكلنا يعلم أن الدين الإسلامي لا يدعو إلى شيء، ولا يحثّ على أمر إلا إذا كان فيه الخير والراحة والسعادة والحكمة للبشرية جمعاء، وللمسلمين خصوصًا، ولأن الحب والتسامح يعززان القوة بين المسلمين، ويمتّنان الأواصر بينهم دعا إليهما الدين الإسلامي وأمر بهما.

أهمية المحبة والتسامح

كلّ ما ذُكر عن المحبة والتسامح قد يكون كلامًا مُقنعًا للبعض، إلا أنّه من الضروري أيضًا أن يعرف كل إنسان أهمية المحبة والتسامح، وعلى أكثر من صعيد، حتى يعرف أنه من الضروري أن يتحلى بهذه الأخلاق الكريمة والخصال الفاضلة في حياته كلها، وتعاملاته مع كل الناس، وأن يتدرب عليها، ويمرّن نفسه عليها حتى تتحول إلى عادات ثابتة وأخلاق يتسم بها.


الحب من شأنه أن يجعل صحة الإنسان أفضل، وتفكيره أدق، وأداءه لمهامه أفضل وفيه تميز أكثر، إضافة إلى أن التسامح بين الناس يجعلهم أكثر تفاؤلًا بالحياة، وأقوى تفكيرًا للمستقبل، ويظهرون للآخرين وكأنهم جسد واحد متماسك عصيّ على الأعداء، ومن المستحيل تمزيق أواصره أو إبعادها أو تشتيتها، فالحب قوة والتسامح فضيلة، وإذا ما اجتمعت القوة مع الفضيلة كانت العظمة والجلال والسعادة.


الحب مهم لأنه يجعل كل شيء يقوم به الإنسان يمر بسرعة، فإذا أحبّ الطالب مدرسته سيشعر أن الوقت فيها قصير، وسيبدع في دراسته، وإذا ما أحبّ العامل عمله سيتقنه لأنه يشعر أن الوقت فيه يمر بلمح البصر، والتسامح يجعل تفكير الإنسان منصبًا على أمور مهمة بعيدة عن مراقبة الآخرين وتتبُّع عثراتهم وكلامهم، والتفكير بمقاصدهم الخفية وراء كلماتهم.


أعظم ما يمكن قوله عن أهمية الحب والتسامح هو أنّهما يتربعان على عرش القيم والأخلاق الفاضلة، فمن يحب ويتسامح لا يمكن أن يكذب، ولا يمكن أن يغر، أو يخون أو يؤذي أو يضرّ الطرف الآخر، وذلك لأنّ الحب يمنعه عن هذه الأعمال المنافية له ولأخلاقه، ولأن التسامح سيجعل الطرف الآخر يخجل من عمله أو تصرفه الخاطئ، ويتراجع عنه ولا يكرره مجددًا.


إضافة إلى أن الحب والتسامح يجعلان من الإنسان قدوة للآخرين ومثلًا أعلى يُحتذى به، فمن المهم أن تبدأ هذه القيم من الأشخاص المسؤولين في كل مكان، كالمدير في العمل، والمعلم في الصف، والوالدين في البيت، وعندها ستنتقل هذه الأخلاق إلى الآخرين بالقدوة لا بالكلام النظري الذي لا طائل منه ولا جدوى، فالإنسان يتعلم بعينيه لا بأذنيه.


ختامًا، إن المحبة والعفو والتسامح واسطة العقد في أخلاق المجتمعات، كلما كانا برّاقَين لامعَين كلما نصعت باقي لآلئ العقد، وازدادت تألقًا وجمالًا، وعندها يرقى الناس كلهم أرقى مراتب الخير والجمال والحب.



لقراءة المزيد من الموضوعات، اخترنا لك هذا المقال: موضوع تعبير عن التسامح وأثره على الفرد والمجتمع.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:133-134
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3477، صحيح.
5010 مشاهدة
للأعلى للسفل
×