موضوع تعبير عن الهجرة

كتابة:
موضوع تعبير عن الهجرة

لماذا يهاجر المواطنون

الهجرة ظاهرة قديمة جديدة، يُعرّفها فقهاء القانون "بأنها مغادرة الفرد لإقليم دولته نهائيًّا إلى إقليم دولة أخرى"، بينما يعرّف المُهاجِر بأنّه "أي شخص يُغيّر بلد إقامته المعتادة". وهذان تعريفان حديثان للهجرة، ارتبطا بظاهرةٍ عالميّة ظهرت بعد نشوء الدَّول؛ لكنّ المعنى العام للهجرة لا يُقيَّد بالانتقال من بلدٍ إلى بلدٍ آخر؛ بل يشمل كلَّ انتقال من مكان إلى مكان، حيث ورد في معجم مقاييس اللغة: "وَهَاجَرَ الْقَوْمُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ: تَرَكُوا الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ".

وقد ارتبطت الهجرة بحياة الإنسان ارتباطًا مصيريًّا، حيث كانت الوسيلةَ التي يَلجأ إليها بحثًا عن حياةٍ تضمن له الاستمراريَّة ، وهو يحاول من خلالها التخلّص من مخاوفَ قد تسببها ظروف المكان الذي يعيش فيه، ومن خلالها أيضًا يحاوِل تحقيق آمالِه وطموحاتِه وأهدافه في الأرضِ الجديدة التي يهاجر إليها.


قديمًا كانت القبيلة ترتحل من أرضٍ إلى أخرى، فرارًا من القَحط والجدب وظروف البيئة القاسية، وطلبًا للماء والكلأ والمرعى، أو بسبب الحروب الناشبة بين القبائل، وهذا كان حال أهل البادية عمومًا، وقد نتج عن هذه الهجرة أشعار تعبّر عن حال الشّاعر العربي حين ترتحل قبيلة محبوته، فيقف على أطلال بيتها، ويخاطبها، ويبكي، مثلما يبكي امرؤ القيس، الذي يقول[١]:

قفا نبك من من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

بسِقط اللِّوى بين الدَّخول فحَومَلِ

أو يناديها، ويسألها، فلا تجيبه، مثلما فعل النَّابعة الذُّبياني، حين هاجرت قبيلة حبيبته "مية"، فقال[٢]:

وقــفــتُ فــيــهــا أُصَــيــلانا أُســائِلُـها  

عَــيَّــتْ جَــوابًــا ومــا بالــرَّبعِ مِــن أحَـدِ

وفي العصر الحديث والحالي ظهرت هجرةُ أهل الرّيف إلى المُدن، بحثًا عن فرص عملٍ جيّدة، وظروف عيش أفضل ممَّا توفره حياة الرّيف، الذي يعاني من سوء الخَدمات، وقلَّة الإمكانيَّات، وانعدام فرص العمل.

كذلك ظهرت الهجرة من دولةٍ إلى أخرى، ومن أهمِّ أسبابها:


الظروف الاقتصاديَّة المتدهورة التي تصيب البلدَ الأصلي للمهاجِر، وهي ظروف قد يكون سببها فساد الحكومات، أو ضعف إمكانيات ذلك البلد، وقلة ثرواته، و الحروب والصراعات وهي من أخطر أسباب الهجرة؛ لأنَّها تؤدي إلى هجرات جماعيَّة مفاجئة، دونَ تخطيطٍ واستعدادٍ من قبل المهاجرين، وهو ما يسبب مشكلات اجتماعيَّة ونفسيَّة واقتصاديَّة كبيرة،.


كما أنّ عدم تقدير البلد الأصلي لكفاءات أبنائِه بسبب فساد السلطات الحاكمة، وانتشار "المحسوبيات"، والرشاوي، بينما نجد أنَّ أغلب الدّول المهاجَر إليها تهتمّ بكفاءات أبنائها، وتقدّرهم، وتقدّم الدعم الكافي لهم، و طلب العلم فقد يهاجر الطَّلاب إلى بلادٍ أخرى، رغبةً في الالتحاق بجامعية عالمية، لها مكانة علمية عاليَّة، لا تتمتع بها الجامعات المحليَّة، وأسباب سياسيَّة حيث يضطرَّ المعارِضون السيّاسيَّون إلى الهجرة، خوفًا على حياتهم من سلطات بلدهم، إمَّا بسبب آرائهم المعارِضة، أو إثر تغيّر السلطات الحاكمة، مثلما حدث في زمن الدولة الأمويّة، حين سيطر العباسيّون على حكم دمشق، فاضطرَّ عبد الرحمن الداخل إلى الفِرار إلى الأندلس، وهناك أثّرت غربة الهجرة في نفسه وشعره، إذ يقول[٣]:


تبدّت لنا وسْطَ الرصافة نخلة

تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلتُ شبيهي بالتغرّب والنوى

وطول التنائي عن بنيَّ وعن أهلي

نشأت بأرضٍ أنتِ فيها غريبة

فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي


ويلخّص الإمام الشافعي أسباب الهجرة وأهدافها بقوله[٤]: "> <تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا

وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ

وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ .


الهجرة خسارة الوطن للشباب

تتوزَّع نتائج هجرة الشباب على موطنهم الأم وعلى موطن الهجرة، ومن تلك النتائج ما هو سلبي ومنها ما هو إيجابي.

الآثار المترتبة لهجرة الشباب خارج الوطن:

فمن جهة الاقتصاد يستفيد البلد الأصلي للمهاجر من العائدات المالية الواردة من دول المهجر، والتي يرسلها المهاجرون؛ لكنَّ هذه الاستفادة محدودة، ولا تساعد على بناء الاقتصاد القومي، بينما يستثمر بلد المهجر توفّر اليد العاملة المهاجرة في بناء ونهضة اقتصادها، فإذا كانت الحروب والصراعات هي السبب في الهجرة، فحين ذلك تحدث هجرة جماعية، تؤدّي إلى نتائج اقتصاديَّة سلبيَّة، تصيب بلدَ اللجوء.

أما اجتماعيَّا فيندمج المهاجرون بالمجتمع الجديد، ويحاولون أن يكونوا جزءًا منه؛ لكنَّ هذا الاندماج قد يتحول إلى ذوبان تامّ، يؤدّي إلى ضياع الهويَّة الأصليَّة للمهاجِر.


ومن جهة الثقافة يتعرَّف المهاجر إلى ثقافات مختلفة، ويتعلَّم لغات أخرى، فيتوسَّع أفق تفكيره، ويكتسب خبرة في معاملة الآخر، وفي الوقت ذاته يتعرف أبناء بلد المهجر إلى ثقافات المهاجرين، وهذا يؤدّي إلى بناء جسور تعارف ثقافيّ، يُعين على فهم الآخر، والتعارف هو الغاية التي تنوّعت من أجلها الشعوب والقبائل، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} الحجرات الآية 13 [٥]

لكنّ هذا التبادل الثقافي ليس مقبولًا من فئات مجتمع الهجرة كلّهم، حيث نجد ممارسات عنصريَّة تجاه المهاجرين، وهو ما يسبب آثارًا نفسيَّة واجتماعيَّة سيئة تؤدي إلى عدم اندماج المهاجرين بالمجتمع الجديد.

ومن الناحية العلميّة يخسر البلد الأصلي كفاءاته العلميَّة المهاجِرة، فلا يحقق تطورًا علميًّا مثلما يحققه بلد المهجَر الذي استثمر تلك الكفاءات في مجالات الحياة كافة.


كذلك يشعر المهاجر في بلاد المهجر بالغربة والشوق إلى وطنه وأهله، وهذا الشعور قد يسبب له اضطرابات نفسية وقلق وشعور بعدم الأمان، وعدم الاستقرار.

وقد نتج عن الهجرة في العصر الحديث أدبٌ سمي بـ "أدب المَهْجر"، وسُمي شعراؤه بـ "شعراء المَهجَر"، وقد عبَّروا بهذا الشعر عن معانتهم بسبب بعدهم عن أوطانهم، فهذاإيليا أبو ماضي يرجو انتهاء الحرب في بلده لنبان، ليعودَ إليه، ويقول[٦]:

يا لَيتَ شِعري وَهَذي الحَربُ قائِمَةٌ

هَل تَنجَلي وَلَنا في الشامِ إِخوانُ

وَهَل تَعودُ إِلى لُبنانَ بَهجَتَهُ

وَهَل أَعودُ وَفي لُبنانَ نَيسانُ


كثيرًا ما يلقى المهاجرون مصير الموت في البحار عندما يهاجرون تجاه أوروبا، أو يتعرّضون لعمليات النهب والسَّلب من قبل تجار البشر، وقد لا يجد المهاجرون في بلاد المهجَر تلك الحياة الورديّة التي كانوا يحلمون بها، فيصيبهم اليأس والإحباط، ويضطرّون للعودة إلى بلادهم، بادئين حياتهم من الصفر.


طرق وحلول للحدّ من الهجرة:

عند النظر إلى النتائج السلبيَّة التي تؤدَّي إليها هجرة الشباب، والتي تصيب بلدَه الأم، لا بدَّ أن يُبحث عن حلول تحدُّ من تلك الهجرة، ومن أجل ذلك يجب أولًا الوقوف على أسباب الهجرة التي أشير إليها سابقًا، ذلك أنَّ انتفاء أسباب أيّ ظاهرة سيؤدّي حتمًا إلى انتفاء تلك الظاهرة. وسنعرض هنا أهمَّ الحلول والمقترحات التي تحدّ من هجرة الشباب:


الحلول اقتصاديَّة؛ إذ يجبُ على حكومات البلاد التي يُهاجَر منها أنْ توفّر لأبنائها فرصَ عملٍ ذي ظروف جيّدة، وأنْ تحارِب الفساد، وتمنَع "المحسوبيَّات"، وتضعَ الشَّخص المناسب في المكان المناسِب، وفق الخبرة والكفاءة، وعليها أيضًا أنْ تقدِّم الدعم المالي للشباب الباحثين عن العمل، وتُنشِئَ المشاريع التنمويَّة.

الحلول العلميَّة؛ كتطوير أساليب التعليم، وإنشاء المشاريع العلميَّة، وتقديم الدعم النفسي والمادي والعلمي لأصحاب العقول والكفاءات العلمية في مختلف المجالات، وتوظيفهم في مؤسسات الدولة، واستقطاب العلماء الذين تركوا بلادهم، وتوفير الحياة الكريمة التي تساعدهم على البحث العلمي.

الحلول السيّاسيَّة؛ وتتمثّل في توسيع دائرة الحريَّات العامَّة، وعدم تقييد حريَّة الرَّأي، والابتعاد عن الممارسات التي تسبب فرار الشباب من وطنهم، وهجرتهم إلى بلادٍ يجدون فيها حريَّتهم الفكريَّة.

الحلول الاجتماعيّة؛لا بدَّ من تأسيس جمعيات شبابيّة، تهتم بشؤون الشباب، وتحاورهم، لمعرفة مشاكلهم وحلَّها، فقد تكون الضغوط النفسيَّة إحدى أسباب الهجرة.

الحلول الدوليَّة؛على دول العالم _خاصة الدول الكبرى_ أن تسعى إلى إيقاف الحروب التي تعد أكبر سبب للهجرة.

بالإضافة إلى تقديم الدّعم الأممي للدول الفقيرة والنَّامية، والاستثمار فيها، ومساعدتها في بناء اقتصادِها، وتطوير التعليم فيها، حتَّى لا يضطرَّ أبناؤها إلى الهجرة.


الهجرة حلٌّ أخير

قد يحاول الشاب انتظار وقوع تلك الحلول السابقة الذكر، وقد ينادي بتطبيقها، أملًا في عدم خوض غمار الهجرة، وتذوقِ مرارة الغربة؛ لكنَّه لا يجدُ صدًى لصوته، ولا بارقة لأملِه المنتَظَر، لا يجدُ إلَا بحرَ الهجرة أمامَه، يركَبُ أمواجَه، مخاطرًا بحياتِه، قاذفًا بنفسه إلى مصيرٍ مجهول، وعالَمٍ غريبٍ عن عالمِه الذي نشأ فيه، وهو في أحوالِه كلِّها، كحال الشاعر الطغرائي الذي قال[٧]:

أعلِّل نفسي بالآمال أرقبُها

ما أضيقَ العيش لولا فسحةُ الأمل


فحال الشاعر كحال الثّلة الكبيرة من شباب مجتمعنا فالغربة لصّ بغايةّ المكر يسرق الأولاد من رحم الأمهات، ويقتل أحلام الآباء بملاهي الألعاب، يشرّد الروح عن الجسد ويخنق ترقوة الإنسان الّذي لا حول له ولا قوّة فيغدو شبحًا لا يعرف الاستقرار، وتتوالى عليه أنباء رحيل أسرته تترى ليموت ما تبقى من روحه في مغتربه.

المراجع

  1. امْرُؤُ القَيْس بن حجر بن الحارث (2004)، ديوان امرِئ القيس (الطبعة 2)، صفحة 14، جزء 1.
  2. عبد القادر بن عمر البغدادي (1997)، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (الطبعة 4)، القاهرة:مكتبة الخانجي، صفحة 125، جزء 4.
  3. شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني (1997)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (الطبعة 1)، بيروت : دار صادر، صفحة 54، جزء 3.
  4. أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، بيروت: مؤسسة المعارف، صفحة 490، جزء 2.
  5. الله عز وجل، القرآن الكريم، صفحة 515-517.
  6. إيليا أبو ماضي، "قالت لجارتها يوما تسائلها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-21.
  7. شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (1993)، معجم الأدباء (الطبعة 1)، بيروت:دار الغرب الإسلامي، صفحة 1112، جزء 3.
5220 مشاهدة
للأعلى للسفل
×