موضوع تعبير عن الوطن وواجبنا نحوه

كتابة:
موضوع تعبير عن الوطن وواجبنا نحوه

كيف تعبر عن حبك لوطنك؟

كثيرًا ما كنت أسمع في صغري بضعًا من اللفظات التي تُحاكي معنى الحب تجاه الوطن، ولكن لم يكن ذلك المفهوم قد اكتمل في عقلي أو حتى في ذاكرتي بعد، ما معنى أن يُحبّ الإنسان وطنه وكيف يُعبّر الإنسان عن مشاعره تجاه وطنه، وهل الوطن شيءٌ محسوس حتّى يُقدم له الإنسان الحبّ والمشاعر؟ ثم ما الفرق بين حبّ الوطن وعدمه وهل سيشعر الأخير بما نكنّه له من المشاعر والأحاسيس؟


ولو تعمقت أكثر في كلامي وفي دوراني حول الوطن لسألت نفسي أصلًا ما معنى الوطن؟ هل هو الأرض التي تربّيت عليها وعشت بها، أم تراه منزلي الذي يقبع على رأس التلة الخضراء مع بضع من المواشي التي نقتات على لبنها، أم الوطن هو تلك الأرض العظيمة التي تحكمها دولةٌ واحدةٌ تحت علمٍ واحد وقوانين واحدة؟ ولكن أعتقد أنَّ ذلك كلّه لا يهم ما دام قلبي ينبض عند سماع تلك الحروف الثلاثة التي تحضنني وضعفي فيتلملم الأوّل منّا على الثاني ويُكفكف كلّ واحدٍ منّا دموع الآخر.


لو أردت التعبير عن حبي لوطني فكيف سيكون ذلك؟ هل أكتب على ورقةٍ ناصعة البياض أحبّك أيها الوطن؟ ولو فعلت ذلك هل سيشعر بأحاسيسي التي أكنّها له؟ أجزم أنّ تلك الطريقة التي خطرت في بالي الآن ليست مجدية على الإطلاق، إذ حبّ الوطن يعني الإحساس فيه وأن أندمج وإياه في كينونةٍ واحدة فنكون كالشيء الواحد أو كما سمعت ذات مرة كالجسد الواحد، ذلك الجسد الذي يتحامل على ضعفه حتى يكون كلّ منا قويًّا بالآخر.

كيف تخدم وطنك؟

بما أنّي توصلت أخيرًا على الأقل إلى معنى الوطن في نفسي وروحي فأجزم أنّي أرغب في خدمة ذلك الذي أحب، وأذكر ذات مرة أنّ أمي قالت لي: يا بنيّ عليك أن تحبّ وطنك وتخدمه، وبما أنّي حققت الأولى فلا ريب أنّي أبحث عن الثّاني -أي عن الخدمة- وتراها ما هي الطريقة المجدية في خدمة أرض عشقتها وأكسبتني اسمها وربما صرت شبيهًا بها، إذ بشرتي السمراء وعيناي السّوداوان تنمّان عن المكان الذي ولدت فيه، وبما أنّ الإنسان هو شبيه أرضه فلو خدمتها لخدمت نفسي أولًا وثانيًا.


أعتقد أنّ خدمتي لوطني تكون من خلال تنمية نفسي أولًا فكما رأيت أنّني أنا ووطني واحد فلا بدّ أن تكون مصالحنا مشتركة، وتكون تنمية نفسي وتطويرها من خلال عملي الجاد والدؤوب في الوصول إلى أعلى المراتب العلمية، وكذلك تثقيف ذاتي فلا يرتفع الوطن إلا من خلال ارتفاع أبنائه، فلا بدَّ لي أن أكون ذلك المواطن الصّالح الذي يسعى إلى تقويم نفسه حتى يرفع من سوية بلده.


لا بدَّ أن تكون خدمة وطني بنشر مفهوم حب الوطن الذي توصلت إليه آنفًا، فأنشر ذلك المفهوم بين أقاربي وعائلتي ونتباحث فيما بيننا أسهل الطرائق التي يتم الوصول من خلالها إلى خدمة الوطن، وذاك النهر الذي يمر بجانب القرية وتشرب منه الحيوانات رأيت أنّ بعض الأطفال قد اعتادوا على رمي الأوساخ فيه، ولا بدّ من تشكيل لجنةٍ صغيرةٍ مؤلفة مني ومن بعد صبيان هذا الحي نتعاون فيما بيننا على تنظيف ذلك النهر والانتباه إليه، بحيث نكتب بضع لوحات تُبيّن أهمية المحافظة على مياه الوطن وأرض الوطن.


إنَّ خدمة الوطن في رأيي تتلخّص في الإحساس فيه والشعور بمآسيه والعمل بين بعضنا حتى نخفف من أحزانه التي نتسبب بها نحن، ونشر ثقافة التعاون بين أهل القرية؛ لأنّ القرية هي جزءٌ واحدٌ من مجتمعٍ عظيم تُشرف عليه دولة بأكملها، والإنسان كما هو مسؤول عن ذاته لا بدّ أن يكون مسؤولًا عن الأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيراتها ويشرب من مائها.

كيف تحمي الوطن؟

كيف يستطيع الإنسان أن يعيش على أرضٍ دون أن يحميها ويكون عونًا في المحافظة عليها، وهل حماية الوطن هي واجبٌ وطنيٌ فقط؟ إنّ الدفاع عن الوطن لا يكون واجبًا وطنيًا بل هو واجب شرعيٌّ ديني فالأرض هي شرف الإنسان وعرضه، إنّ حماية الوطن لا تكون فقط من خلال حمل السيف والوقوف على أعتاب الأرض فقط بل حماية الوطن تكون من خلال الشعور بالمسؤولية تجاه الذات ثم العائلة ثم الوطن بأكمله، فلو أصلح الإنسان سريرته لاستطاع أن يحمي وطنه بحيث لا يتآمر عليه ولا يكون خائنًا ولا غشاشًا ولا كاذبًا.


لو أصلح الإنسان عائلته وبدأ كلّ إنسان بالمحيط الذي حوله لأسهم في حماية الوطن، إذ مواطن الضعف البشري هي التي تجعل الوطن ضعيفًا في عين الأعداء، فالذي تسول له نفسه أن يبيع أرضه من أجل حفنةٍ من الدراهم للأعداء سيكون قد باع شرفه ومبادئه وإخلاصه، إنّ الإنسان والوطن هما وجهان لعملةٍ واحدة فلو صلح الأوّل لصلح الثاني ولكن لو فسد لما كان الوطن إلا فاسدًا يأنف النّاس من العيش فيه.


لكن ماذا لو تطلّب الوطن أن يُضحّي الإنسان له بروحه فهل سيفعل ذلك؟ نعم إنّه لا بدّ له أن يفعل ذلك؛ لأنّه لو خنع في أوّل الأمر وسلم أرضه للآخر فإنّه سيعيش إلى آخر عمره وهو يجني الحنظل من أفعاله تلك، ولكن لو وقف من المرة الأولى صنديدًا مدافعًا عن كرامته وكرامة أهله ووطنه ولو مات لكان عظيمًا في عين نفسه ولسطّر التاريخ اسمه يتغنّى الأبناء به ويكون مثالًا للشرف يُحتذى به.



الوطن هو أكبر من أرض يحميها بضع من النّاس ويضيعها آخرون، فالإنسان بدون وطنه يكون ضائعًا يطوف بين البلاد علّ إحداها تأويه وضياعه ومشاعره وتخبّطاته المأساوية، ولكنه مساء لا يجد سوى نفسه مستلقيًا على سرير لا يألفه وأرض لا يشعر بالأمان فيها.



لقراءة المزيد، انظر هنا: كلمة عن الوطن.

5616 مشاهدة
للأعلى للسفل
×