مفهوم الوقت
إن الوقت أمر جوهري في حياة كل إنسان، ولا بد أن يكون لهذا الوقت دور مهم في نجاح الإنسان أو فشله، أما عن تعريفه فيمكن القول إنّ الوقت هو: المدة الزمنية المحددة لأمر ما، أو قد يكون ميقاتًا معينًا في لحظة معينة، وأهم ما في الأمر أنّه محدّد وواضح، وممّا يجدر ذكره في هذا الصدد هو الفرق بين الوقت والزمن، فعلى أنهما مصطلحان يوحيان بالترادف، إلا أن الفرق بينهما دقيق، وهو أن الزمن يُطلق على العموم، فلا حدود له، لا بداية ولا نهاية، أما الوقت فله حدود واضحة يفهمها من يسمعها، مثل وقت الصيف، أو وقت الغروب، وغيرها من الأمثلة.
أما عن قياس الوقت فله الكثير من الأساليب المتبعة وأغلبها يعتمد على علم الجغرافيا، إذ يعتمد المختصون على دوران الأرض في تحديد الأوقات، وأيضًا يتم الاعتماد على نظام المجموعة الشمسية في تحديد نظام الساعة، مع وجود بعض التغييرات بسبب الظواهر الطبيعية مثل المدر والجزر، ومما يُعتمد أيضًا في تحديد الأوقات من الظواهر الطبيعية هو دوران القمر، وهذا الكلام عن كيفية تحديد الوقت يبين كيف كان الناس يعرفون الوقت قديمًا، إذ لم يكن في العصور القديمة ساعات يدوية أو إلكترونية تُحدّد الوقت مباشرة، إنما كانوا يعتمدون شروق الشمس وغروبها.
ما زال تحديد الكثير من المناسبات الدينية والأعياد مرتبطًا بالظواهر الفلكية، مثل تحديد صيام شهر رمضان، وتحديد عيد الفطر، ومهما تقدمت العلوم لا بد من اعتماد العلماء على الظواهر الطبيعية التي خلقها الله تعالى وسخرها لخدمة الإنسان.
إن الوقت لأمر مهم لا بدّ من إعطائه الاهتمام والعناية حتى يكون صديقًا مخلصًا لصاحبه، فمن المهم أن يكون الإنسان منظمًا في مواعيده، ومرتبًا لأوقات يومه، وذلك هو سر النجاح والتميز، وكم هو جميل أن يكون الوقت هو الذي يحكم عمل الإنسان، ويحدد تصرفاته وتوجهاته، وبذلك سيشعر بالرضا عن ذاته وعن إنجازاته، وكلما احترم الإنسان الوقت وأعطاه مكانته التي يستحق، كلما كان الإنسان ذا مكانة وله احترامه بين الناس.
احترام الوقت وإعطاؤه حقه يعني أن يكون الإنسان منظمًا ملتزمًا بمواعيده، وأن يعرف كيف يستغل كل دقيقة في يومه، لأن عمر الإنسان يمضي وهو محاسب على كل دقيقة في حياته فيما أمضاها وكيف مرّت حياته، ولذلك لا بد من الحذر، فالأمر يتعلق بالسعادة والنجاح في الدنيا، والنجاة والفلاح في الآخرة، ومعروف في الدين الإسلامي أن الإنسان في الآخرة سيُحاسب على عمره فيمَ أفناه.
لأن الوقت له أهميته ومكانته، ولأنه هو الذي يبين جديّة الإنسان والتزامه من عدمها، تغنّى الكثير من الشعراء بالوقت في قصائدهم، وتكلم عنه الحكماء والفلاسفة في كتبهم، ومن ذلك ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:[١]
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ
- إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها
- فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
كيفية استغلال الوقت
الوقت يمضي بسرعة، وكثيرًا ما تُسمع عبارات عن مُضيّ الوقت بلمح البصر، مثل: مضى الوقت بسرعة دون أن نشعر، أو كنت أظن أن أنهي كل المهام اليوم لكن لم أُنهِ إلا واحدة، والبعض يقول لو أنّ يومنا 48 ساعة حتى نتمكن من إنجاز الأعمال، وبالمقابل يُسمع عبارات من أشخاص آخرين أنهم أنجزوا أعمالًا كثيرة، وقاموا بتنفيذ كل ما خططوا له، واستطاعوا أخذ قسط من الراحة، والجلوس مع العائلة في يوم واحد.
هذا التناقض بين الفريقين لا بد أن يكون له أسبابه فكل فريق يومه مدّته 24 ساعة فهما متساويان في المدة الزمنية، إلا أن الفرق الجوهري يرتبط بطرق استغلال الوقت، والآلية المتبعة في إنجاز المهام وترتيب الأولويات في الحياة عمومًا وفي كل يوم من حياة الإنسان خصوصًا، فكلما استطاع الإنسان أن يكون منظمًا، ويعرف كيف يدير وقته ويستغله وينظمه كلما تمكن من إنجاز مهامه وهو مرتاح مطمئن.
من الأمور التي تساعد في استغلال الوقت كتابة المهام اليومية على ورقة، وإلصاقها في مكان يراه الإنسان باستمرار، ومن المهم أن يقوم بتقسيم المهام حسب طبيعتها أو حسب أولوليتها أو حسب المدة التي تحتاجها لإنجازها، وهذه القائمة لا بد أن تكون أول عمل يقوم به الإنسان منذ الصباح، وعندها يبدأ نهاره وقد رسم في عقله الباطن خطة منهجية لتحركاته خلال النهار، وسيكون سعيدًا بكل ما يقوم به.
من الأمور التي يمكنها مساعدة الإنسان في هذه الطريقة أن يقوم الإنسان بحذف كل مهمة أنجزها في القائمة، أو يقوم بتلوينها مثلًا، وهذا يعطيه بكل تأكيد دافعًا أكبر للإنجاز، ومتابعة العمل، ومعرفة الوقت الذي يحتاجه لكل مهمة، أو يمكنه من معرفة قدرته على إنجاز أعماله وتعديل خططه في الأيام القادمة، فالإنجاز يساعد في إفراز الدوبامين، ممّا يعطي الإنسان طاقة إيجابية لمزيد من الإنتاج.
وضع نظام محدد لحياة الإنسان يساعد في استغلال الوقت، والمقصود بذلك تقسيم النهار بالطريقة التي يرتاح بها، ما بين أوقات الطعام والعمل والاستراحة والعائلة والأصدقاء، حتى أوقات النوم والاستيقاط لا بد من تنظيمها، إضافة إلى تخصيص يوم لنفسه يرفّه فيه عن نفسه، ويخرج من روتين العمل والحياة اليومية، فكل هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تساعد على استغلال الأوقات بشكل صحيح.
من الأمور المهمة في استغلال الوقت أن يرى الإنسان الأوقات التي يكون فيها بلا عمل ويمكنه أن ينجز فيها العمل ويستغلها مثل: وجوده في محطات القطار، أو انتظار في المصرف أو غيرها من الأماكن العامة، ويمكن أن يختار أعمالًا متراكمة وينجزها، مثل التواصل مع بعض الزبائن، أو مراجعة أعمال بسيطة لا تحتاج لهدوء وتركيز عالٍ، فهذا أيضًا نوع من أنواع استغلال الوقت يمكن أن يفيد الإنسان.
ثمرات الحفاظ على الوقت
إن كل عمل يقوم به الإنسان لا بد أن يكون له نتائج مترتبة عليه، وهذ النتائج إما أن تكون إيجابية أو أن تكون سلبية، ولما كان الحديث عن تنظيم الوقت واستغلاله، فمن البدهي أن يكون الإنسان الذي يحسن استغلال وقته وتنظيم حياته وترتيب مواعيده مختلفًا ومميزًا عن الإنسان الذي يعيش حياة اعتباطية عشوائية فيها من العبثية ما يجعله تائهًا غارقًا في الأعمال المتراكمة والمهام المؤجلة، ولا يجد حلًا لإنقاذه.
إنّ أول ثمرات لاستغلال الوقت وتنظيمه يمكن أن يجنيها الإنسان هي السعادة، فإنّ الشعور بالسعادة عند إنجاز الأعمال في وقتها، وعدم ترك مهام ناقصة لا يمكن أن يصفه إلا من ذاق حلاوته وشعر بلذته، فكم هو مريح أن يضع الإنسان رأسه على وسادته وهو هادئ البال مرتاح الضمير لأنه أتقن أعماله وأتمّها دون نقص أو خلل، وهذه السعادة الداخلية هي التي تعطيه دافعًا وحافزًا ليكمل حياته على هذا النحو الصحيح.
سيكون الإنسان المنظّم في حياته والذي يُحسن استغلال وقته عادلًا مع كل من يعرفهم، فهو قادر على تخصيص وقت للعمل ووقت للعائلة ووقت للأصدقاء، وحتى سيكون قد خصص وقتًا لنفسه، وهذا سيؤدي إلى نوع من الاستقرار النفسي، والشعور بالرضا الداخلي عن الذات، وهذا أمر في غاية الأهمية، ولا بد أن يكون موجودًا في داخل كل إنسان، لأنه مقوّم أساسي للنجاح والتميز.
في تنظيم الوقت يكون الإنسان نِعْمَ القدوة ونِعْمَ المثل الأعلى الذي يُحتذى، وسينقل هذا التنظيم لا شعوريًا إلى أبنائه وإلى المقربين منه، وذلك لأنهم سيرون النجاحات العظيمة التي يحرزها، والمراتب العالية التي يرقاها، وسيضعون يدهم على السبب الحقيقي الكامن وراءها، ويحذون حذوه حتى يكونوا مثله مميزين وناجحين في حياتهم، وبذلك تكون ثمرات استغلال الوقت شملت صاحبه والمحيطين به.
يكتسب الإنسان بتنظيم الوقت قوة العزيمة والإرادة الثابتة، فلا يخضع للتعب والملل، ولا يعطي نفسه هواها، إنما يبقى صامدًا ثابتًا في وجه كل المغرَيات، كي يحافظ على نظام حياته، وأولوياته التي قررها مسبقًا، وبذلك يكوّن من هذا التنظيم قوة داخلية وقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة والتمسك بها والدفاع عنها، فأصعب جهاد هو جهاد النفس، وإذا استطاع أن يطوّع نفسه ويرغمها الالتزام فهو قادر على إلزام الآخرين أيضًا.
إنّ الإنسان الذي يتمكن من قيادة نفسه وإدارة وقته، هو شخصية قيادية بلا شكّ، وهذا يؤهله في حياته أن يستلم مناصب إدارية مهمة، وذلك لما يمتلكه من قدرة على التنظيم وتقسيم المهام بشكل صحيح، إضافة إلى قدرته على القيادة والالتزام، وهذا ما تحتاجه الشركات الكبرى التي تهدف إلى التطور والتميز، فالوقت هو جوهر الإنسان، وبه يرقى أعلى مراتب النجاح والتميز، فلا تستهينوا بالوقت ولا تهدروه فهو الجوهر الثمين واللؤلؤ المكنون.
المراجع
- ↑ "المشرقان عليك ينتحبان"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/02/2021م.