تعريف تلوث الهواء
إن ظاهرة التلوث هي إحدى الظواهر المنتشرة في العالم كله، وهي على أنواع وأشكال عدة، وما يجدر ذكره أن الحياة كلما تطورت وتعقدت بنواحيها الصناعية والاقتصادية والتقنية كلما زادت نسبة التلوث، وإن تلوث الهواء هو واحد من أنواع التلوث الذي يعد مؤثرًا على جزء كبير من الحياة البيئية والبشرية والطبيعية، ويمكن القول إن تلوث الهواء هو انبعاث مواد كيميائية أو جسيمات مادية أو مركبات بيولوجية في الجو، وملامستها للغلاف الجوي وانسجامها مع الهواء الذي هو أساس الحياة وبالتالي إلحاق الضرر والأذى بالإنسان والحيوان والنبات والكائنات كلها، أي: الإضرار بالبيئة كاملة، وحتى إن لم تظهر آثار هذا الضرر في الوقت الراهن، إلا أنّ نتائجها فيما بعد ستكون كارثية على كل العالم.
إن الحديث عن تلوث الهواء وارتباطه بالتقدم التطور الصناعي لا يعني على الإطلاق أن العصور السابقة والتي كانت خالية من الصناعات والمعامل كانت بعيدة عن تلوث الهواء، فإن الإنسان منذ بداية وجوده له إسهامات في تلويث الهواء من حيث لا يدري، فعندما كانت تُشعل النيران في الأراضي للتدفئة أو للطهي، كانت تُسبّب التلوث للهواء، إضافة إلى تزايد أعداد سكان الأرض وما له من دور في تلويث الهواء بسبب الممارسات الخاطئة بحق البيئة والطبيعة.
إنّ الملوثات التي تؤدي إلى تلوث الهواء منها ما هو أولي ومنها ما هو ثانوي، فالملوثات الأولية هي تلك التي تصدر مباشرة من إحدى التفاعلات أو النشاطات الطبيعية أو غير الطبيعية، مثل الغازات المنبعثة من البراكين، ومثل غاز أوكسيد الكربون الذي يصدر عن السيارات وعوادمها وعن مخلفات المصانع، فهذه الملوثات الأولية تكاد لا تخلو منطقة على الكرة الأرضية منها، وللبشرية أن تتخيل كمية الملوثات الممزوجة بالهواء الذي تستنشقه.
أما الملوثات الثانوية فهي الملوثات التي لا يكون انبعاثها في الهواء مباشرة، وإنما يبدأ بمرحلة تفاعل بين مجموعة من الملوثات الأولية، ومن ثم انبعاثها في الجو، ومن الأمثلة على الملوثات الثانوية هذه: الضباب الدخاني المنتشر فوق المدن والذي ينتج عن حرق الفحم وامتزاج الدخان مع ثاني أوكسيد الكبريت، أو نتيجة التفاعل بين المواد الضارة الناتجة عن محركات السيارات والعمليات الصناعية فتشكل ما يُسمى الضباب الكيميائي.
إنّ كل هذه الملوثات أولية كانت أو ثانوية بيد البشر أو فعل الطبيعة، هي خطر يهدد البشرية والكرة الأرضية والغلاف الجوي كل يوم، والخطر الأكبر هو عدم وعي البشر، وعدم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنظيف الهواء وتنقيته، فكثيرة هي حالات الوفاة التي يسببها تلوث الهواء دون أن يعرف الناس أن السبب الرئيس وراء الوفيات هو هذا التلوث، أو دون أن يعترفوا إن صح التعبير.
لقراءة المزيد حول أسباب تلوث الهواء، إليك هذا المقال: أسباب تلوث الهواء.
أنواع تلوث الهواء
إن الحديث عن أنواع تلوث الهواء لا بد أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأسباب تلوث الهواء، فإن هذه الأسباب هي التي تساعد في تفصيل أنواع التلوث، وبالتالي محاولة إيجاد الحلول المناسبة للتخلص قدر الإمكان من كل نوع من الأنواع، ومع أن المسببات الرئيسة لتلوث الهواء هي عبارة عن ملوثات أولية وأخرى ثانوية كما ذُكر آنفًا، إلا أن التفاصيل لمسببات تلوث الهواء كثيرة متعددة.
إنّ واحدًا من أسباب تلوث الهواء أو الرقم الأول لتوث الهواء هو الغازات المنبعثة من السيارات، فهي انبعاثات متعددة من غاز أكسيد الكربون والرصاص والنتروجين والمواد العضوية، وإن هذه الانبعاثات من السيارة الواحدة قد تكون قليلة لا تحدث فرقًا أو أثرًا ملحوظًأ في الهواء والغلاف الجوي، إلا أن التزايد والتضخم الهائلَين في أعداد السيارات هو الذي يحدث الفرق ويلوث الهواء، ويهدد حياة الكائنات في هذا العالم.
التلوث بسبب الوقود واحتراقه يحتل مرتبة عالية في قائمة ملوثات الهواء، إذ إنّ احتراق الوقود والفحم هو ما يسبب انطلاق عدة ملوثات في الغلاف الجوي، وبالتالي تؤدي إلى ظواهر مثل الأمطار الحمضية، والضباب الدخاني، ومشكلة الاحتباس الحراري، ولعل أبرز الغازات التي تصدر عن احتراق الوقود وتسبب ضررًا بالغًا في الهواء والغلاف الجوي هو غازات ثاني أكسيد الكبريت.
التلوث بالغبار والأتربة هو أحد أنواع تلوث الهواء، والتي قد تثير استغراب الكثيرين، إلا أن هذا النوع من التلوث يكاد لا يقل خطورة عن غيره من الأنواع، إذ إنّ هذا الغبار وتلك الأتربة تنتج عن المواد التي تُستعمل في البناء، وبسبب قيادة السيارات على الطرق غير المعبدة، وتنطلق هذه الأتربة في الجو حاملة معها ما لا يُعد ولا يُحصى من الجسيمات الدقيقة، وتنتشر في الهواء والبيئة المحيطة مؤدية إلى التلوث وإلحاق الضرر والأذى بالكائنات.
التلوث بسبب الحرائق نوع لا يُمكن إغفاله في الحديث عن أنواع تلوث الهواء، فإن ما يحدث من حرائق طبيعية وبفعل الطبيعة لها دور مهم في التوازن البيئي، إلا أن الحرائق الأخرى التي تكون من فعل الإنسان تُعد ممارسات خطرة ومضرة للبيئة والهواء والإنسان وكل الكائنات، هذه الحرائق من شأنها أن تدمر جزءًا كبيرًا من الحياة البرية، وأيضًا تقضي على قسم كبير من الغابات والغطاء النباتي الذي يعد ضروريًا في حياة البشر والكائنات، وبالتالي يزداد تلوث الهواء.
النوع الذي قد يرفضه الكثير من الناس هو تلوث الهواء بسبب الزراعة، إلا أن هذا النوع موجود، وهو واقع لا بد من الاعتراف به، ولكن لا يُقصد به الزراعة على وجه العموم، إنما الزراعة غير العضوية، أي لجوء الفلاحين إلى الأسمدة والمواد الكيميائية في زراعة المحاصيل، إضافة إلى ما ينتج من فضلات المواشي، والغبار الذي ينبعث من التربة وينشر في الهواء الكثير من الجسيمات المضرة.
من أنواع التلوث التي لا بد من ذكرها هي التلوث بسبب الصناعة، فلا يمكن إنكار كمية الغازات المنبعثة من المعامل والمصانع المختلفة، مثل غاز الرصاص وثاني أكسيد الكبريت، وهي غازات لا تقتصر على صناعة دون غيرها، إنما تشمل نسبة كبيرة من الصناعات مثل التعدين وصناعة الإسمنت، والمعامل التي تنتج النفط والغاز، وحتى محطات البنزين والمحروقات، ومصافي النفظ.
حلول مشكلة تلوث الهواء
إن أضرار تلوث الهواء الجسيمة والكارثية، والتي بدأت تظهر بوضوح أكثر في العصر الحالي تحتم على كل الجهات أن تبدأ بالبحث عن حلول لمشكلة تلوث الهواء، ومع أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق وزارات البيئة ومنظمات الصحة والبيئة العالمية، إلا أن هذا لا يُخلي باقي البشر من المسؤولية والمساءلة تجاه هذا التلوث، وتلك الأضرار الناجمة عنه.
من الحلول التي يمكن اقتراحها لتلوث الهواء هو أن يُحاول البشر قدر المستطاع التخلي عن السيارات الخاصة، واللجوء إلى وسائل النقل العامة، ممّا يسهم في تقليل انبعاثات السيارات، وإذا كان لا بد للإنسان من قيادة سيارة خاصة فمن الضروري إجراء فحوصات دورية للسيارة من ناحية ما ينبعث منها من غازات ضارة، وأفضل اقتراح هو التوجه إلى تصنيع السيارات الهيدروجينية أو الكهربائية والتي من شأنها تقليل نسبة لا بأس بها من تلوث الهواء والإضرار بالكائنات.
إنّ ما وصل إليه العالم من حضارة وتطور على الصعيد الصناعي والتقني والتكنولوجي يجعله قادرًا على البحث عن حلول فيما يخص احتراق الوقود والفحم، واستبدالها بطرق صحية تخفف من تلوث الهواء وانتشار الجسيمات الضارة في الغلاف الجوي، فكما هو معروف أنّ الوقود ضروري في حياة البشر والصناعات واقتصاد الدول، إلا أنّه صار يشكل خطرًا على البشرية، إذ توصّل البعض إلى وجود آلات من شأنها إحراق الوقود دون انبعاث الغازات السامة منه في الهواء، لكنها غير مستعملة على نطاق واسع.
ممّا لا بد منه هو تشديد الرقابة على المصانع والمعامل، وترشيد استعمال المواد الكيميائية التي تسبب انبعاث الرصاص وما يؤدي إليه من تلوث، إضافة إلى ضرورة منع بناء المعامل والمصانع في الأماكن السكنية، لأن خطرها يكون مضاعفًا في هذه الحال، لا بد من تخصيص مناطق صناعية خالية من السكان والبيوت السكنية، وعندها تقل نسبة الخطورة التي تلحق البشرية من تلوث الهواء.
من المهم أيضًا أن يلتزم المزارعون في الزراعة باعتماد الزراعة العضوية البعيدة عن استخدام المواد الكيميائية والأسمدة، التي تضر بالنبات والحيوان والإنسان والبيئة والغلاف الجوي، فكل شيء من صنع الطبيعة هو أفضل للطبيعة وللبشرية، وكل شيء يضيفه الإنسان كالأسمدة والمواد الكيميائية وإن كان له فائدة من ناحية، لكن له مضارّ كثيرة من ناحية أخرى.
التلوث خطر كبير يُهدّد العالم والكرة الأرضية بكل ما فيها، والحلول التي تُقترح يوميًا وباستمرار، إن لم تُؤخذ على محمل الجد والتنفيذ الفعلي لا يمكن أن تؤتي أُكلها، فلا بد أن يقترن القول بالفعل، ولا بد من اتخاذ الإجراءات الحازمة والقوانين الإلزامية بهذا الخصوص من الدول والمؤسسات المسؤولة عن الدول، فالمسؤولية الكبرى تقع عليهم لأنهم هم أصحاب القرار، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.