موضوع تعبير عن حرية التعبير عن الرأي

كتابة:
موضوع تعبير عن حرية التعبير عن الرأي

التعبير عن الرأي ضرورة وجودية

التعبير عن الرأي ضرورة أساسية في حياة المرء، فلا يُعقل أن يعيش المرءُ صامتًا لا يُبالي بما حوله من أحداث ولا يهتم بتقديم رأي أو تغيير موقف، ولو كان بكلمة واحدة يثور بها على صمته الذي طال أمداً.

ليس من اللائق في كينونة الإنسان أن يصمت عندما يُجازُ له الكلام، فلا سيفَ يُحمَلُ ولا بندقيةً تُصَوِّبُ نحوه عند نطقه، فلولا التعبير عن الرأي لما كان الإنسانُ إنسانًا، والله خلق لنا لساناً لنتحدث به ونعبّر عمّا في أعماقنا.

حرية التعبير عن الرأي تفتح آفاق التفكير

عندما يُفسح لنا المجال للتعبير عن آرائنا فإنّ آفاق التفكير تُفتح لنا، فيخرجُ الكلامُ منسابًا رقراقًا كما نبع الماء الصافي الذي لا يُكدّره شيءٌ في الوجود، ويحمل مصطلح حريّة التعبير معاني العدالة التي تجري بعيدًا عن القمع والتحذير من التفوه ولو بكلمةٍ واحدة.

لا بل يُتاح لنا أن نتحدثَ ونبرزَ أنفسنا أمام العالمين، فلا نبدو كالشّياطين الخُرس، وإن كان كلامنا موزونًا ثقيلًا يحمل من المعاني ما يُذهبُ به الألباب لأصبح لنا مكانةً ليس لها مثيل بين النّاس، ولأصبحنا ممن يُحب الآخرون الكلام معهم.

ما أجمل أن نُفكّر ونُناقش الآخرين، ونُعيد التفكير مرارًا وتكرارًا ونُغير مواقفنا وآراءنا، فلا نقف على رأي واحد ولا نتزمتُّ لمقولة واحدة، وإنّما نتركُ الأفكار تنساب لتعمّ العقول ونطلق لها العنان لإعادة صياغة المواقف، ومن الجميل الابتعاد عن التعصُّب لرأي أو لشخصٍ أو لمذهب، فالله عز وجل عندما وهبنا عقلًا مدبِّرًا كان يعلم أنّنا سنستخدمه فيما يُرضيه وعلى أكمل وجه.

نحن نعلم أنّنا محاسبون على كل كلمة نتفوّه بها وعلى كل كلمة لم نتفوّه بها وكان لها ضرورةٌ قُصوى، فكم من صامتٍ وقت الحقّ قتل النّاس بصمته، وعندما نجلسُ إلى مجموعةٍ من النّاس ونُفسح المجال للأحاديث بيننا فنتحدّث بموضوعات متنوعة، فإنّنا بذلك نفتحُ آفاق التفكير حول كل شيء، فتبادل الآراء هو أفضل إلهامٍ يحملنا نحو تنويع الفكر وتنويع المعلومات في قلوبنا وعقولنا.

خاصةً عند الجلوس إلى بعض المثقفين والقرّاء النّهمين، فتخيل معي كم من المعلومات ستفيضُ في عقلكََ المُنفتح على سماء الفكر الرحب، كم ستأخذُ من المعلومات وكم ستُعطي من الآراء التي لطالما بقيت في جوفكَ تنتظر الفِكاك، ولكنّها خرجت أخيرًا لتُنير الكون وتنثر عطرها على كل العقول.

حرية التعبير عن الرأي ليست مطلقة

نعلم جميعًا أنّ من حقنا التعبير عن آرائنا وأن نفسح المجال لكلماتنا بالخروج في أوقاتٍ كثيرة، ولكن مَن مِنّا فكّر يوما أنّ حرية التعبير ليست مطلقةً وإنّما لها العديد من المحددات، فيجب ألّا ننسى عند التعبير أنّنا نتحدثُ إلى كياناتٍ بشرية وليس إلى حجارةٍ صلبة لا تُبالي لو تمّ جرحُها ببعض الكلمات.

لا ننسى عُمْر ومقام من نتحدث إليهم فليس من اللائقِ أن تُعبر عن رأيك بلا احترام ولا توقير لمن هم أكبر منك سنًا ومكانة إلا في حدودٍ ضيقة وضمن شروطٍ معينة، حتى وإن كنت متعلماً فلا يغرك شهادتك ولا تعليمك ولا مكانتك بينهم.

كما أنّه لا يتوجب علينا الصمت عن الظلم والقهر الذي قد ينجمُ عن بعض الأقوياء تجاه الضّعفاء، وإنّما علينا إبداء الرأي بكل صراحة واتخاذ موقف، وذلك يعني ألّا نصمت أمام ظلم صاحب المنصب والجاه بل يجب علينا الدفاع عن حقوقنا وحقوق المقهورين دون خوفٍ أو وجل، وكذلك لا ينبغي المجادلة في أمور الدين وثوابته زعمًا منّا أن ذلك من حرية التعبير عن الرأي.

الإنسان محاسبٌ عن كل ما يقول، فقد ينشرٌ أحدنا فتنةً في الدين بسبب كبريائه وظنّه أنّه يفعلُ الصواب فينتشر فكرُهُ المغلوط فيُؤثر في عقول الجُهلاء من عامّة النّاس، وإنّ التعبير عن الرأي أمرٌ جميل وهو من حق كل إنسان، ولكن ينبغي على المرء أن يعرف أين يضعُ أفكاره ومتى يُخرجها ولمن يقولها ولماذا سيقولها وفي أيِّ المواضيع سيُبدي رأيه.

عليه أيضًا أن يحرص على أن يكون مهذبًا أثناء حديثه، وألّا يعلو صوته أمام والديه ومن هم أكبر منه سنًا، كما يتوجب عليه إتاحة الفرصة أمام الآخرين ليناقشوه وليبدوا رأيهم تجاهه وتجاه مواقفه، وألّا ينسحبَ قبل الانتهاء من النقاش، وألّا يغضب ولا يثور ولا يتعدى على سواه بكلامٍ غير لائق أو بألفاظٍ بذيئة لا فائدة منها سوى الكراهية.

كم عبر الناس عن آرائهم بطريقةٍ خاطئة ومتسرعة فدخلوا بعدها في دائرة الظلم تجاه أناسٍ لم يكن لهم ذنبًا سوى أنّهم جلسوا معهم وتجاذبوا أطراف الحديث ثم عادوا إلى مواضعهم حاملين معهم الحزن تارةً والضغينة تارةً أخرى تجاه من تفوهوا بالكلام الجارح وتسببوا بظلمهم.

قد يكون هذا بغير قصدٍ منهم، لذلك يتوجب على كل إنسان عاقل أن يفكر بكل كلمة عند خروجها لا بل قبل خروجها، فالكلمة لا تعود إلا ومعها سهامٌ مميتة أو قلوبٌ مطمئنة وذلك حسب ما تفوهت به من آراء وكلمات، لذا فكّر ثم عبّر عن رأيك.

التعبير عن الرأي يجب تنميتها

في الختام، ينبغي على كل امرئٍ يمتلك عقلًا راجحًا ورأيًا سديدًا أن يسعى نحو تنمية هذا الحق والتمرن عليه جيدًا، كي يكون الفرد في مقدمة كل نقاش وكل قضية، كما يتوجب على الإنسان أن يُعلّم الآخرين كيف يُعبرون عن آرائهم ومتى يفكون أسرجتها ويطلقونها في المواقف.

إن كنت أبًا علّم أبناءكَ كيف يُعبرون عن آرائهم بطريقة صائبة، فلا يُوجد أجمل من القدوة التي تدفعُ بالأبناء إلى تتبع الخُطى، ولا أجمل من أن يُتيح الإنسان -مهما كان موقعه- المجال أمام الآخرين ليُعبروا عن آرائهم بطريقةٍ عملية.

3976 مشاهدة
للأعلى للسفل
×