رحلة في البستان
أتى فصل الصيف برائحته العطرة الجميلة، وأشعة الشمس بدأت تشتد، وأخذ منا حرُّ الصيف أيّ مأخذ، وفي مساء أحد الأيام وعندما جلسنا مع عائلتي نتسامر تحت ضوء النجوم على سطح بيتنا قالت أمي: ما رأيك يا أبا سعيد أن نذهب في الغد إلى بستان العم توفيق فهو جميل ومزهر والنهر قريب منه، ونأخذ معنا ما تستلزمه الرحلة من المتاع والأشياء التي لا يحلو التنزه إلا بها.
نظر والدي إلى أمه وقال لها: ما رأيك يا أمي بعرض أم سعيد؟ عدلت جدتي من جلستها واتكأت على يدها اليمين وقالت: إنه اقتراح رائع فكما سمعت في نشرة أخبار الطقس أنَّ الغد سيكون يوم حارٌّ، ولهذا فإني أستحسن اقتراحها، فرح والدي بما سمعه ووافق على اقتراح أمي، خاصة أن الغد سيكون يوم عطلة.
التحضير للرحلة
قالت أمي إذًا سأقوم أنا بالتحضير إلى الرحلة وهيا يا فارس تعال لتساعدني، ركضت مع أمي وفرحت جدًّا، ففي الرحلة؛ إذ سأحصل فيها على كثير من المميزات التي لا أحلم بها في المنزل مثل لعب كرة القدم والركض والسباحة بالنهر القريب من البستان، نزلتُ مع أمي إلى مطبخ البيت وقالت: هيَّا ما رأيك يا فارس أن نقوم بتحضير اللحم لشواء الغد؟
فرحت كثيرًا فهذه هي المرة الأولى التي سأساعد بها أمي في تحضير اللحم للشواء، فعادة ما يقوم في هذه المهمة أخي سعيد، ولكنَّ الوضع اختلف بعد أن سافر إلى دولة الإمارات؛ كي يكمل دراسته، قالت أمي: الآن علينا أن نتبل اللحم يا فارس، وبدأت بوضع أنواع البهارات والفلفل على اللحم وتحريكه حتى تتجانس المكونات، وقالت: هيا يا سعيد وأدخل اللحم في السياخ الخاصة بالشوي، بدأت بإدخال اللحم رويدًا رويدًا وبعد طول انتظار أنجزت المهمة بنجاح.
غسلت يديَّ بعد أن انتهيت من عملي وذهب أمي لتكمل تحضيرها لرحلة الغد، وعليَّ أنا أن أحضِّر ألعابي أيضًا ويجب ألَّا أنسى أيًّا منها، وضعت الكرة في الكيس المخصص لها ووضعت الثياب الخاصة بالسباحة وحضرت كل شيء كما يجب أن يكون، ثم وضعت كل ذلك في كيس كانت أمي قد أعطتني إياه، وذهبت إلى فراشي وخلدت إلى النوم وأنا أحلم بيوم الغد.
الوصول إلى البستان
استيقظنا في اليوم التَّالي وكانت أشعة الشمس قد بدأت تتسلل إلى غرفنا وجدتي تقوم بمهمتها اليومية في إيقاظنا، ووالدتي بدأت بتحضير الأكياس حتى لا ننسى شيئًا منها، الساعة الآن هي السابعة صباحًا، ولم تقوى أشعة الشمس بعد، بل يوجد في الجو نسمة من الهواء العليل الذي تنعش النفس والروح، استأجر ولدي سيارة للأجرة ويا لها من سيارة بيضاء رائعة اللون ونقية، ركبت في الخلف أنا وجدتي وركب أمي وأبي من الأمام، بدأت النظر إلى الأشجار لتي نمر بها، ويالها من سماء صافية في ذلك اليوم العليل.
وصلنا إلى البستان أخيرًا، كان بستانًا أخضر ترقص به الفرشات والعصافير سويًا، ويمتلئ بالأزهار ذات الألوان المختلفة، فمنها البيضاء والصفراء والحمراء والبنفسجية، قالت أمي: لا تقترب يا فارس من الزهور لتقطفها يمكنك النظر إليها وشمها لكن لا تقطعها؛ حتى نتمتع وغيرنا بمناظرها الخلابة، أخذ أبي قطعة من القماش ومدها على الأرض، ووضع اسفنجات الجلوس عليها، وبدأ يتجاذب أطراف الحديث مع أمي وجدتي، ويعربون عن شدة إعجابهم بهذا الطقس الجميل والبستان الرائع.
تناولتُ كرتي وبدأت اللعب بها، وكان في الستان عائلة العم توفيق ولديهم طفل في مثل سني، فرحت كثيرًا لأنني لا أطيق اللعب لوحدي وبدأنا نركل الكرة سويًا ثم نعيد التقاطها، ونتدحرج على أرض البستان ونتبادل الضحكات العالية معًا، ثم حلَّ وقت الظهيرة ومالت الساعة إلى الثانية عشر ضهرًا فأخذ والدي مع أمي وجدتي زاوية تحت شجرة الصنوبر لسيتظلوا بظلها، واستأذنت أمي لأن أذهب للسباحة مع صديقي الجديد في النهر، لم تمانع أمي خاصة أنَّ النهر ليس بالعميق المخيف ولكن حذرتني من أن نلحق الأوساخ بالمياه.
لبست لباس السباحة المخصص وارتديت نظارات السباحة ونزلت إلى النهر مع صديقي سامي، ويا لها من فرحة عارمة حين رأيت الأسماك تسبح معي واستطعت لمسها بيدي، وبدأنا نلعب مع الأسماك لعبة القط والفأر فتارة نطاردها وأخرى تطاردنا، ولم أنتبه إلا وأمي تناديني لأجمع الحطب المترامي في الأطراف من أجل إتمام الشواء.
فرحت بهذه المهمة فهي من هواياتي في الأيام العادية واتفقت أنا وسامي أن نلعب سويَّا في أثناء جمع الحطب، ويكون ذلك عن طريق مسابقة نجريها فيما بيننا يتبيَّن من خلالها من استطاع أن يجمع أكبر كمية من الحطب في زمن مدته خمس دقائق، بدأت اللعبة وانتشرنا للبحث عن الحطب الصالح للشواء، وعمدت إلى الأغصان الصغيرة؛ لأنها أسهل في الاشتعال، وبعد مضي خمس دقائق تلاقينا مرة أخرى عند النهر، ولكن وجدت أمرًا غريبًا فالحطب الذي جمعه سامي كان من النوع السميك الذي يصعب إحراقه، وأنا قد جمعت عيدانًا سريعة الاشتعال.
ناديت لوالدي حتى يرى أي الحطبين هو الصالح للشواء فضحك أبي وقال: سامي وفارس أحسنتما صنعًا فأنا أحتاج إلى النوعين معًا، فالعيدان الصغيرة تساعد على الاشتعال وسريعة الاحتراق ولو كانت لوحدها لانتهت في بضع دقائق قبل أن يتم الشواء، ولو كان الحطب السميك لوحده ما استطعنا إشعاله لسماكته، أمَّا إن جُمع هذان النوعان معًا فسيتم إشعال الحطب ودوامه لمدة طويلة.
فرحتُ كثيرًا بالمعلومات التي اكتسبتها والخبرة التي أضفتها إلى معرفتي، وبدأ والدي بوضع أسياخ اللحم على الحطب بعد أن أشعَله وجعله جمرًا، وبدأ يحرك الهواء بقطعة من الكرتون المقوى؛ حتى لا ينطفئ الجمر، وكانت أمي في هذه الأثناء تعد السلطة مع جدتي، وكان سامي يساعد والدتي في تنظيف البقدرونس أمَّا أنا فاخترت البقاء جانبًا مع والدي أساعده في عمله.
انتهينا من الشواء أخيرًا وبدأنا بأكله، ويا له من طعام لذيذ تذوب القلوب إليه، وانتهينا من الطعام، ولكن! حدث أمر لم يكن بالحسبان! فقد عطشنا ونحتاج إلى الماء ونسي والدي إحضاره، والمكان الذي ننزل فيه يصعب إيجاد ماء الشرب به إذ لا بقاليات ولا متاجر ولا بائعين متجولين، واشتدَّ العطش علينا حتى خطر في بال أمي أن تطلب من جيراننا قربةً من الماء تكفينا إلى حين عودتنا فكان ذلك.
الآن هو وقت ميول الشمس إلى المغيب فاستلقى والدي على العشب الرطب وحمد الله على النعم التي أسبغها علينا، وذهبت والدتي إلى تنظيف مكان الطعام وكان على جدتي أن تتفقد الأمتعة التي جئنا بها حتى لا ننسى منها أي شيء، بدأت باللعب مع القطة التي مرت بجانبنا، وأطعمتها قطعة من اللحم الذي شويناه ثم سقيتها من الماء، وقد فرحت أمي بصنيعتي كثيرًا وقالت: أحسنت يا فارس هذهالأخلاق الحسنة التي أحب أن تتحلى بها على الدوام.
العودة إلى البيت
بدأت الشمس تستعد للمغيب، وشارفت رحلتنا على المغيب معها، وبدأت والدتي بحزم الأمتعة وأعطاني والدي كيسًا لأتفقد جميع الأوساخ التي خلفناها وراءنا، ومن ثم أقوم بجمعها ووضعها في الكيس الذي معي، فللطبيعة حق علينا في أن نبقيها نظيفة؛ حتى نتمتع بها على الدوام، وساعدني سامي في هذا العمل حتى إذا انتيهنا أغلقنا الأكياس بإحكام وأعطيتها لوالدي فربطها وووضعها في السيارة حتى نرميها في المكان المخصص لها عند عودتنا.
ركبنا السيارة وبدأ والدي بقيادتها، وما أحلى غروب الشمس وراء الجبال! وما أروع اللون القرمزي الذي تحلَّت به السماء في آخر ذلك اليوم الجميل، وصلنا إلى البيت وساعدت والدي في إنزال الأمتعة من السيارة، وأمسكت يد جدتي حتى تصل إلى المنزل وعدنا إلى البيت بعد رحلةٍ مسليةٍ أُنهكت فيها قوانا فرًحًا وسعادة، وكان عليَّ أن أدرس دروسي قبل الذهاب في اليوم التالي إلى المدرسة، ولحسن الحظ فقد كان لدي واجب في مادة التعبير عن وصف رحلة مع العائلة.
حملت قلمي وشرعت في وصف ما جرى معي في هذا اليوم الجميل وكتبت كل الأحداث وبدأت أسترجعها في ذاكرتي، اليوم هو من الأيام الرائعة التي أحسد نفسي عليها، وعندما انتهيت من تحضير جميع واجباتي وأتممتها على أكمل وجه، ذهبت لمساعدة أمي في أعمال المنزل، وأخيرًا انتهينا الآن من كل الأعمال فذهبت لمشاهدة الرسوم التحركة وبعدها أويت إلى فراشي، وحمدت الله على النعم التي أسبلها علينا، واستغرقت في نومي أحلم بما مضى وأسأل نفسي متى يمكن لذلك اليوم أنيتكرر؟