محتويات
الحضارة المصرية
تعدُّ الحضارة المصرية واحدة من أعرق الحضارات في تاريخ العالم، فهي حضارة ممتدة في عمق التاريخ، وتركت ميراثًا حضاريًا عظيمًا، وشواهد وأبنية ومعابد مازالت ماثلةً حتى اليوم، تحكي قصة عظماءٍ سكنوا أرض مصر، وتركوا فيه كنزًا من كنوز الحضارة الدالّة على ذكاء الإنسان، ومقدرته على العطاء، في زمن خلا من كل مظاهر التكنولوجيا والتطور العلمي.
أهمية أرض مصر الطبيعية
شهدت مصر على مرّ عصورها عددًا غير قليل من الحضارات والأمم التي سكنتها، فهي أرضٌ خصبة، وتجاور نهر النيل الذي يعدُّ شريان الحياة لها، فأينما وجد الماء وجدت الحياة، ولذلك استقر البشر الأوائل في مصر، واشتغلوا في الزراعة، فتوافر الماء وتوافر الطعام، وشيدت على جانبي النهر المدن والقرى والبلدات، فبدأت الحضارة في أرض مصر، وتحول الناس من حياة الترحال إلى حياة التمدن والثبات.
وقد كانت مصر غنيةً بكثير من الثروات، فشُيدت الدول وبُنيت الصروح والقصور، وصارت مقصدًا تجاريًا للعالم القديم، حتى غدت مصر أيقونة في الحضارة والازدهار، ومقصدًا عالميًا يقصدها البشر للتجارة والتبادل الثقافي، فكانت مصر دولة عظمى رسّخت جذورها في الأرض، واستمدت من النيل حياتها، فصعب على الآخرين امتلاكها؛ لقوتها وكثافة سكانها، وتقدمها الاقتصادي، ولجيشها القوي الذي أخذ يوسع أراضي مصر على حساب جارتها.
وقد شكل حكم الفراعنة ذروة المجد في تاريخ الحضارة المصرية، فقد اتسعت تلك الدولة، وضمت بلادًا جديدة، وأخذت تتطور في كثير من الميادين، لا سيما العمارة، فكان أهل الحضارة المصرية يعتنقون آلهة وثنية، فبنوا لها المعابد والمذابح والصروح، وأيضًا بنوا للملوك قصورًا عظيمة، وخزائن أموال، وأسوار حصينة، لكنّ أهم إنجازاتهم وأروعها، هي الأهرامات، فقد استطاع المصريون أن يخلدوا حضارتهم، ويربطوها بهذه المباني الضخمة، التي شكلت معجزةً معمارية.
سر الأهرامات الخفي
أمّا الأهرامات فهي أبنية ضخمة مثلثة الشكل، وهي عبارة عن مقابر ملكية لفراعنة عظام، بُنيت ليتم دفنهم فيها، ولتخزين الكنوز والأموال مع من يدفن فيها، فقد كان باعتقادهم أنه يوجد حياةٌ بعد الموت، إذ يبعث الملك في قبره، ويستمر في حياته، فلا بد من أموال وأدوات تعينه على هذه الحياة، فكانوا يدفنون بجانبه كثيرًا من الأموال والتماثيل والذهب والأواني الفاخرة، التي أصبحت في وقتنا الحالي آثارًا تاريخية قيمة، تُعرض في المتاحف؛ لتشهد على حضارة مصر.
ولعلّ موطن الدهشة في بناء الأهرامات يكمن في قدرة المصريين في ذلك الوقت على تشييد، مثل هذه الأبنية الضخمة، فقد استعملوا حجارة كبيرة الحجم، وركبوها على هذا الشكل، ثم قاموا بطلاء الهرم بمادة الشمع لينير في الليل، فالسؤال ما زال مطروحًا إلى اليوم، ولم يستطع أحد الإجابة عنه، فوضعت كثير من الفرضيات، لكن الأمر ما زال لغزًا، إذ لم يتوفر عند المصريين القدامى أيّ آلات حديثة، تستطيع حمل الحجارة التي تزن أوزانًا ثقيلة ورفعها، وصفّها بهذا الشكل، ثم لا ننسى أنّهم بنوا هذه الأهرامات، وبداخلها غرف ومدفن ملكي.
الحضارة المصرية وتمازجها مع موجات الفاتحين المسلمين
ومصر اليوم دولة عربيّة، دخلها الإسلام مع موجات الفتوحات الإسلاميّة، وبُنيت فيه حضارةٌ تجمع بين ذوق أهلها، وبين ثقافة الفاتحين العرب، وبين سمات الإسلام، فشيدت الأمصار والمدن التي احتوت الجيوش الفاتحة، ثم بنيت القاهرة على يد القائد جوهر الصقلي، التي أصبحت بذلك عاصمة الفاطميين، الذين أسسوا خلافةً امتدت حدودها من المغرب العربي حتّى العراق، وأثناء هذه الفترة اكتسبت مصر أهميةً كبرى بوصفها مقر الخلافة الجديدة، ثم أصبحت مقرّ دولتي الأيوبيين والمماليك، إلى أن أصبحت ولاية عثمانية، ثم رضخت للاحتلال الفرنسي ثم البريطاني، وأخيرًا نالت استقلالها في العصر الحديث، لتبدأ مسيرة بناء الحضارة المصرية الحديثة التي وصلت اليوم لأعلى المراتب بين دول العالم.