موضوع تعبير عن عيد ميلادي

كتابة:
موضوع تعبير عن عيد ميلادي

أنا أحب عيد ميلادي

النَّفس مبتدأ الوجود، فلولاها لَما كانت للأشياء قيمتها، ولولا الرُّوح الَّتي تكتب هذه الكلمات لانتفتْ هذه المعاني من أصلها، لها الحقّ أن نُكرمها ونقدِّرها حقَّ قدرها، فلن يعرف واحدنا قيمة الحياة حتَّى يعرف قيمة نفسه ولن يحبَّها حتَّى يحبَّ نفسه، إلَّا أنَّ حبَّ الذَّات هذا لا ينبغي أن يصير غشاوةً تُعمى بها الأبصار عمَّا سوى صاحبها، فإنَّ قدر المرء من قدر النَّاس وحبَّه لنفسه لا يستوي بغير حبِّه لهم، فالعاقل من عَرف قيمة نفسه فيمن هم حوله وأدرك معنى النَّاس في معناه، فالإنسان عالمٌ بشخصه والعالم إنسانٌ بكليّته، وفي هذا قال الإمام علي بن أبي طالب:


وتحسبُ أنَّكَ جرمٌ صَغير

وفيكَ انطوى العالمُ الأكبر


المرء مفطورٌ على حبِّ نفسه، ومهما عنته حيوات النَّاس فإنَّه يُعنى أوَّل الأمر وآخره بحياته هو، يُراقب انكفاء عمره الَّذي ينقص كلَّما ازداد، ويُعنى باليوم الذي أكرم به بالحياة، فيكون ميلاده إلى هذه الدُّنيا هو اليوم الفريد الَّذي أهداه للحياة، ويُشاركه هذا التَّقدير جميع من أحبَّه أو أظهر له المودَّة، فحين أحتفل بيوم مولدي يصبح هذا اليوم مناسبةً لا تخصُّني وحدي بقدر ما تخصُّ من يحبُّونني، فأحتفي بهذا اليوم وأتلقى التهاني وأستمتع بقراءة كل كرت معايدة، ثم أرسل كلمة شكر لمن عايدني بعيد ميلادي. وقد درج هذا الأمر حتَّى صار مرتبطًا بمستوى المرء الاجتماعيّ والماديّ وقيمته في أهله ومجتمعه الَّتي باتت تتحدَّد بمراسم الاحتفال بسيطًا كان أم كبيرًا.


أمرٌ جميلٌ أن يحبَّ واحدنا حياته ويسعد بكونه موجودًا، والحياة بكلِّ ما فيها من أسى وحزنٍ تبقى هبة مقدَّسة وشرفًا يفتح باب التَّجربة والشُّعور والكينونة أمام من لم يكن شيئًا في الأصل، وإذا فتحت الدُّنيا ذراعيها لنا يومًا ما فجدير بأن يبقى حيًّا في الذَّاكرة ما حيينا، وإنَّ ساعةً أطلقتنا إلى جوِّ الحياة وتفاصيلها عصيَّة على النِّسيان وإن كانت قد أتت على غير وعي صاحبها، وهل من يومٍ أعزُّ من ذاك الَّذي غادرنا به رحم الأمِّ لنسكن حضنها وفُصلنا عن بدنها لنتَّصل بها مجدَّدًا بالرُّوح والحياة والمصير؟، وإنَّنا قبل كلِّ شيءٍ ثمرة أهلينا الذين اجتمعوا على الحبِّ فكنَّا خلاصته ومُنتهاه ومُستقرَّه إلى حبٍّ أبديًّ لنا لا فكاك لهم منه.


كيف أحتفل بعيد ميلادي

إنّ الاحتفال بهذه الذِّكرى الخاصّة يختلف بين بلدٍ وآخر بل بين بيتٍ وآخر، فهو ذو طابعٍ على مستوى عالٍ من الخصوصيَّة حاله حال المناسبات جميعًا لا يتماثل في إحيائها شخصان مهما تشابهت أحوالهما وطباعهما، ليُصبح عيد الميلاد سمة خاصَّة بصاحبه وجوًّا يختصُّ به عمَّن سواه، وإنَّنا حتَّى لو لمسنا تشابهًا ظاهريًا في أعياد الميلاد إلا أنَّها تبدو متباينةً عن كثب، فإن تشابهت في قوالب الحلوى والهدايا والأزهار لكنَّها تحمل خصوصيَّة أصحابها ومحيط كلٍّ منهم وذكرياتهم وأفكارهم وطرائقهم في الحياة، فهم ليسوا على صورةٍ واحدةٍ ولا فكرٍ واحدٍ.


من النَّاس من يهتمُّ بهذا اليوم اهتمامًا شديدًا ويتأمَّل المودَّة والحبَّ ممن حوله، مُنتظرًا الهدايا والورود من الجميع، ليصل به الأمر أن يقيس قيمته الشَّخصيَّة بمقدار ما يُلاقيه من اهتمامٍ واحتفاءٍ به، فكلَّما ازدادت التَّهاني والمباركات والهدايا شعر بسعادةٍ أعمَّ وأكبر تعتريه، وقد يؤثر آخرون جعل هذا اليوم مناسبةً خاصَّةً لا يُشاركهم إيَّاها إلَّا المُقرَّبون من الأهل والأصدقاء، وهو ما نراه عند من يتوخَّون الخصوصيَّة في حيواتهم فلا يحبُّون مشاركة الجميع تفاصيلهم، وربَّما ارتبط هذا اليوم عند الكثيرين بالحياة العاطفيَّة، ليصير مناسبةً ثنائيَّةً يحتفي بها الشَّريكان بميلاد أحدهما وكأنَّه ميلاد الآخر، وفي ذلك قال الشَّاعر نزار قبَّاني:


مازلتَ تسألُني عن عيدِ ميلادي
سجِّل لديكَ إذن ما أنتَ تجهلُه
تاريخُ حبَّك لي تاريخُ ميلادي


الحبُّ يجعل الاثنين واحدًا؛ بالرُّوح والمشاعر والمصائر إذا صدقَت القلوب، وفي ذلك قال مصطفى صادق الرَّافعي: "لا يصحُّ الحبُّ بين اثنين إلَّا إذا أمكن لأحدهما أنْ يقولَ للآخر: يا أنا"[١]، ومن تلك الفكرة أصبح ميلاد الحبيب ميلادًا لاثنين لا انفصال بينهما طالما أنَّهما يعيشان على هذا الحبِّ الذي وُلد بميلاد كلٍّ منهما ولم يكن ليكتمل بواحدٍ دون الآخر، فأسباب الهناء والسُّرور والشَّغف تعود لاثنين لا غنى لأحدهما عن الآخر، وقد اتخذ هذا البعد منحىً دفع بعض العشَّاق إلى قياس الحبِّ على يوم الميلاد وتذكُّره والاحتفاء به قبل كلِّ النَّاس لأنَّ العاشق في عين معشوقه فوق كلِّ النَّاس. ليصير عيد الميلاد مناسبة رومانسية ثنائيَّة.


لا بدَّ أنَّ يوم الميلاد يبقى فكرةً ملحَّةً للجميع، يستذكرون به بداياتهم وذكرياتهم. فمنهم من ينظر إلى الماضي بنقمةٍ وأسى، ومنهم من ينظر بامتنانٍ ويلتمس الجميل ممّا مرَّ فيه على صعوبته، ومنهم من يعيد حساباته ويراجع نظرته للحياة ويرسم خططًا جديدةً وتطلُّعات مختلفة لقادم الأيَّام؛ فيُصبح يوم الميلاد نقطة بداية لميلاد جديد، ونظرة جديدة للحياة قد تكون أفضل أو أسوأ تبعًا لصاحبها والطَّريقة الَّتي يُبصر فيها الأمور، فهناك مَن يلوم الحياة ويحمِّلها أسباب حزنه وإخفاقاته، وهناك مَن يُبالغ في لوم نفسه وتخطيئها، وهناك من هو بين الاثنين في اعتدالٍ يعرف ما له وما عليه فيُحسن رسم البدايات.


هذه الحياة ثقيلة يزيل ثقلها الفرح، وأحزانها كثيرة يزاحمها الحبُّ فتبهت حتَّى لا تجد مكانًا إلى النَّفس العامرة به، ومهما كانت أحوال المرء متواضعةً وإن امتنعت عنه إقامة الحفلات يبقى له نصيبٌ من هذا الحبِّ كبيرٌ، بالكلمة الطَّيِّبة والمودَّة الصَّادقة واجتماع المخلصين ولو اكتفوا من الشَّراب بالماء ومن الطَّعام بالخبز، فالألفة أهمُّ وأولى من كلِّ صنوف الطَّعام وكلِّ الهدايا الفاخرة، فإن امتنعت أسباب الرَّفاه عن الإنسان فأسباب الهناء لا امتناع لها إلَّا لمن ضاق صدره عن المحبَّة فلم ير فيها ما يغنيه ويسعده عمَّا سواها.


تختلف أذواق النَّاس في صُنع كعكة عيد الميلاد أو انتقائها من السُّوق، فمنهم من يُفضِّلها مُدوَّرة الشَّكل، ومنهم من ينتقيها مربَّعةً أو بشكلٍ آخر تمامًا فتكون مُصمّمة على هيئة لعبةٍ أو إنسانٍ أو حيوانٍ أو غير ذلك من أشكالٍ لا مجال لحصرها، والنَّاس إلى اليوم في ابتكارٍ وتجديدٍ لا حدود له في ذلك، هناك مطعم في لندن ابتكر كعكة عيد ميلادٍ مصنوعةً من أجنحة الدَّجاج، وذلك تلبيةً لذوق مَن يُفضِّل وجبات الدَّجاج على قوالب الحلوى التَّقليديَّة، حيث يقدِّم هذه القوالب مع الشُّموع وبأنواعٍ مختلفةٍ من النَّكهات تُناسب ذوق الزَّبون، وذلك حسب صحيفة الديلي ميل البريطانيَّة.[٢]


عيد ميلادي نقطة بداية

مِن النَّاس مَن لا يطيق مثل هذه المناسبات ولا يعيرها بالًا، بل يرى فيها سخافةً وتفاهةً ويستخفَّ بعقول من يُقيمون لها وزنًا، فنراه لا يهتمُّ بتاريخ ميلاده إلَّا أن يحتاجه في معاملةٍ أو مسألةٍ قانونيَّةٍ أو ليعرف كم بلغ من العمر، دون أن يرى في ذلك اليوم شيئًا جميلًا أو مهمًّا، وقد يبهت ذاك السُّرور عند عامَّة النَّاس كلَّما تقدَّم بهم السِّن وشعروا أنَّهم في كبرٍ وقربٍ من النِّهاية وابتعادٍ عن الشَّباب الَّذي لن يعود، فيصير هذا اليوم ذكرى للميلاد وإنذارًا للموت في نفس صاحبه، لا يستطيع فكاكًا من التَّفكير بالنِّهاية التي لا تعرف صغيرًا ولا كبيرًا، إلا أنَّه يراها إليه أقرب، ومن ذلك قولُ الشَّاعر:


عُدتَ يا يومَ مولدي

عدتَ يا أيُّها الشَّقي

الصِّبا فرَّ مِن يَدِي

وغزا الشَّيبُ مفرقي


إنَّ هذا اليوم مهما اختلفت نظرة النَّاس تجاهه يبقى يومًا فاصلاً في حياة كلٍّ منا، ومن اللَّطيف أن نختلق مناسبةً للفرح ما لم نبالغ في هذا الفرح، وما لم يكن فيه تعظيمًا للنَّفس وتضخيمًا للذَّات على حساب ما هو أهمُّ منها، فجميل أن أتلقى تهنئة عيد ميلادي وأشارك الآخرين أعياد ميلادهم وأستقبل بطاقات الدَّعوة وأبتاع الأزهار وأنتقي الهدايا، لتنتهي هذه الدَّعوات إلى سفرةٍ عامرةٍ بالحبِّ _إن صلحت المودَّة بين أهلها_ وأغنيات جميلة ووجوه باسمة ونفوس تبذل وسعها لإبهاج نفسٍ واحدةٍ تحتفي بكلِّ هذا القدر من الحبِّ، وتستعدُّ لعامها الجديد بقلبٍ أكبر.


مهما اختلفت طرائق الاحتفال وتنوَّعت أساليبه بين شخصٍ وآخر، إلَّا أنَّ السِّرَّ في هذا اليوم يبقى رهن قلب صاحبه، فلا يسعد به مهما حاول واجتهد إن لم يكن عن نفسه راضيًا ولها محبًّا، ولا يكدِّر صفاء روحه عوزٌ أو حاجةٌ إن عرف قدرها والتمس نعمة وجودها وقدراتها الَّتي لا حصر لها لرسم مستقبلٍ أفضل، فليس يوم ميلادنا خيارًا نختاره نحن ولا ما يرافقه من أحوالٍ وبيئةٍ وأهلٍ وبلادٍ، ولكنَّ خيارنا في التَّغيير ملكٌ لنا ما دمنا أحياء وإنَّ كلَّ يومٍ أُجدِّد فيه فكري وحياتي وأهدافي هو عيد ميلادي أنا.

المراجع

  1. "مصطفى صادق الرافعي"، مقولة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28. بتصرّف.
  2. "أغرب كعكة عيد ميلاد"، روتانا، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28. بتصرّف.
4339 مشاهدة
للأعلى للسفل
×