وصف الشهيد
لو سألتَ نفسكَ أو سألكَ بعض الناس من هو الشهيد؟ أو قالوا لك: عرّف لنا الشهيد ماذا ستقول لهم؟ من المؤكّد أنّكَ تحفظ كثيرًا من الخطب والأقوال الكثيرة التي تتحدّث على الشهيد، فهل جرّبتَ أن تسمع من الشهيد نفسه تعريفه لنفسه كما يرى هو نفسه؟ هل جرّبتَ أن تعاينَ من كثَبٍ ما كان يعاني الشهيد قبل أن يفيض روحه إلى باريه بلحظات؟ هل سمعته ماذا يقول؟
من المؤكّد أنّكَ إن عشتَ حياتك بعيدًا عن أولئك السادة النبلاء وتكتفي بسماع ما يقوله عنهم الخطباء وأشباههم فأنتَ لم تعرِف معنى الشهيد الحقيقي، فالشهيد الحقيقي هو ذلك المجهول الذي لا يعلم حتى هو أنّ الشهادة ستكون من نصيبه، أو كانت من نصيبه بلفظٍ أدق.
إنّنا إن أردنا أن نصوغ تعريفًا للشهيد فلا يسعنا أن نقول أكثر من أنّه شخصٌ كريم الأخلاق ونبيلٌ ينتمي إلى طبقة عالية من طبقات البشر، لا يستطيع أن يبلغها أحد من الناس إلّا من استطاع أن يبلغ رتبة الشهادة، فالشهيد شخصٌ رأى أنّ في الحياة ما يستحقّ أن يبذل روحه من أجله، أو لنقُل إنّ الشهيد قد وجد غايةً ساميةً أعلى من حياته فوهبَ روحه في سبيل تحقيق تلك الغاية، وهذه هي الغاية التي يطمح الإنسان للوصول إليها من الأخلاق والمكارم الرفيعة التي هي المعيار في ارتقاء الأمم ووصولهم إلى أرقى درجات الحضارة والإنسانيّة.
إنّ من صفات الشهيد أنّه إنسان قد تربّى على الإيثار فلا تعرف الأثرة طريقها إليها ولا تهتدي لأمثاله من الذين يكون همّ الأمّة قد استحوذ عليهم وتعلّق شغاف قلوبهم، ومن صفاته أنّه كريم أبيّ لا يرضى بالضّيف ولا الحيف، فيسعى لأن يكون العدل والسلام هما الصفتان السائدتان في العالم، فلا يسعه أن يقف في صفٍّ فيه ظلم ولا أن يأتمر بأمر ظالم يسعى في الأرض ليعيث فيها فسادًا، ولكنّه يكون الفارس الأبيض؛ الأبيض في الخُلق والصفات السامية الذي يتمنّى حضوره كلّ أهل الأرض من المظلومين والمستضعفين ليلوذوا به ويجدوا لأنفسهم مكانًا إلى جانبه يدافع عنهم ويدافعون عنه ويفديهم ويفدونه بالغالي والنفيس.
إنّ الشهيد هو حبيبٌ إلى الله حبيبٌ إلى خلقه، يضوع الحبّ من قلبه كأنّه بخور من أبخرة اليمن، لا يعرف ما هو الحقد أو الكره أو الحسد، يسعى بين الناس زارعًا في نفوسهم المحبّة والعطف والشفقة والإباء والعلو عن الرذائل والتسامي بالفضائل، يعلّمهم بالاقتداء؛ فلا يعرف ما الأمر ولا النهي، ولكنّهم يحبّونه فيأخذون عنه ما يفعل وما يصنع، ويوطّنون أنفسهم ليكونوا أشباهه الأربعين الذين لا نهاية لهم في علم الحساب، فيكون الناس جميعهم شهداء في الفضائل والأخلاق والتعامل الراقي الذي لا سبيل لرقيّ الأمّة إلّا باتّباعه.
مكانة الشهيد في الإسلام
إنّ الشهادة والشهداء لها في الإسلام لها في الإسلام مكانة وشأن عظيمان من حيث التكريم الذي يُحاط به الشهيد في الدنيا والآخرة، فيخلُد اسمه في الدنيا، وتعلو منزلته في الآخرة ويبلغ رتبة في الآخرة لا تنبغي إلّا للشهداء أمثاله والأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، وتشهد على هذه المنزلة الرفيعة آيات وأحاديث نبويّة كثيرة، ومن تلك الآيات ما قاله تعالى في سورة آل عمران: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}.[١][٢]
كذلك ما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الشريف الذي يبيّن فيه فضل الشهيد ومنزلته عند الله تعالى: "للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ"[٣]، فلم ينل الشهيد هذه المنزلة سوى لكرمه على الله تعالى؛ فليس من بذلَ حياته وضحّى بأعزّ ما يملك في سبيل رفع راية التوحيد عاليًا، فلن يكون العبد أكرم من ربه، ولذلك سيكون العطاء على قدر المُعطي.[٤]
ليس الشهيد في الإسلام نوعًا واحدًا، بل للشهداء أنواع في الشريعة الإسلامية، وإنّ أنواع الشهداء في الإسلام كما قرّرها الفقهاء ثلاثة أنواع، فمنهم شهيد الدنيا والآخرة، يعني الذي يُعرف أنّه شهيد في الدنيا والآخرة، وهو أعلى مراتب الشهادة، وهو الذي قد خرجَ صادقًا لقتال الكفّار وقُتلَ في ذلك القتال، وأمّا الصنف الثاني فهو شهيد الدنيا، وهو الذي قد خرج للقتال رياءً، فهذا لا يعلم سريرته إلّا الله تعالى، فمن الممكن أن يعتقد الناس أنّه شهيد، ولكنّه في الحقيقة ليس شهيدًا عند الله تعالى، والصنف الثالث هو شهيد الآخرة، وهذا الصنف يُعامل في الدنيا على أنّه ميت كسائر الأموات، ولكنّه عند الله تعالى في الشهداء.[٥]
فمن هؤلاء الصنف الذي يموت غرقًا، والذي يموت بداء في بطنه، والذي يموت بالطاعون، والذي يموت في الغربة، والذي يموت وهو يطلب لعلم، وكذلك منهم المرأة التي تموت في طلقها، والذي يموت مظلومًا كالذي يدافع عن ماله أو عرضه أو أهله أو نحو ذلك[٦]، فمن كرم الله تعالى على عباده أنّه لم يجعل نيل رتبة الشهادة في الموت في قتال الذين كفروا، وإنّما جعلَ كثيرًا من الميتات شهادة، فما أكثر المغتربين في زمان الحروب، فإذا ثبتوا على دينهم هناك وماتوا فهم شهداء بإذن الله، وأولئك الذين تخطّفهم الوباء ما أكثرهم، فليهنؤوا بالشهادة وليهنؤوا قبل ذلك بربٍّ كريم سبحانه وتعالى.
لقراءة موضوعات ذات صلة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن يوم الشهيد.
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية:169 - 171
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 272. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم:1663، حديث حسن صحيح غريب.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 273. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 273. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 273. بتصرّف.