مفهوم النظافة
مفهوم النظافة مفهومٌ واسع له معنى مادّي حقيقي ومعنى مجازي، والمعنى الحقيقي للنظافة يتمثّل في الخلو من الأوساخ والقاذورات والروائح الكريهة وكل شيء يؤثر على مظهر الأماكن والأشياء فيجعلها متلوثة بالجراثيم والنفايات، وهذه أهم أنواع النظافة، والنظافة ليست مجرّد خيار بالنسبة للطبيعة والإنسان والحيوان، بل هي ضرورة يجب الالتزام بها والحث عليها، كما أنّ النظافة مرادفة للطهارة لأنّها تعني التخلّص من كل ما ينقض طهارة الجسم والثياب، وهي مكملة للحياة ولا يمكن اعتبارها أمرًا ثانويًا أبدًا، خاصة أنّها يجب أن تشمل كلّ شيء في الحياة، فالإنسان يجب أن يتعلّم تنظيف نفسه باستمرار وأن يُمارس الطقوس المتعلقة بالنظافة بالطريقة الصحيحة.
خلق الله تعالى مع الإنسان والحيوان فطرة تدفعه إلى تنظيف نفسه وتخليصها من أيّ شيءٍ يلوثها، فالإنسان منذ القدم يعرف كيف يغتسل ويتخلّص من الأشياء العالقة في جسمه وثيابه، فأصبح يُنظف نفسه وبيته والبيئة من حوله، والحيوان أيضًا يُنظف بيته وجسمه بطريقته، وحتى الطبيعة تنظف نفسها بطريقة طبيعية تتخلّص فيها من النفايات والجثث وبقايا الحيوانات والإنسان التي تتراكم فيها، لهذا فالنظافة شيءٌ لا بدّ من وجوده، وإن غابت حلّت الكوارث من جميع الأنحاء، وانتشرت الأمراض والروائح الكريهة، ولأصبحت الحياة لا تُطاق، لهذا فالناس ينفرون من الإنسان الذي لا يحرص على نظافة نفسه، وينفرون أيضًا من الأماكن غير النظيفة.
النظافة من الشروط الأساسية التي تجعل الإنسان مقبولًا من الآخرين، وهي أيضًا شرط حتى يكون الإنسان جميلًا، وينطبق هذا على المكان الذي تشعّ فيه النظافة وتسوده الروائح العطرة، وكلّما كان الإنسان معتنيًا بنظافته ونظافة ما حوله كلّما كان أكثر رقيًا، وكلّما نظر الناس إليه باحترام أكبر، أما القذارة فهي تُسقط هيبة الإنسان وتجعل الناس ينظرون إليه باحتقار، ولهذا فإنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أنظف الناس وأكثرهم حفاظًا على الطهارة في الجسم والثياب والبيت، وكان يتخلّص -عليه السلام- من القاذورات بنفسه، ويحثّ على الطهارة، لهذا ينظر الناس إليها بأنّها جزءٌ من إيمان الفرد ولا يكتمل إيمانه بدونها، لهذا يجب الحرص على النظافة.
مظاهر النظافة
للنظافة مظاهر كثيرة لا يُمكن حصرها، لكن أهمّها على الإطلاق أن يكون الإنسان محافظًا على نظافة جسمه وثيابه والمكان الذي يعيش فيه، ومظاهر نظافة الجسم تكون بالاستحمام المنتظم للتخلّص من الأوساخ العالقة بالجسم والتخلص من رائحة العرق، بالإضافة إلى قصّ الأظافر ومنع تراكم الأوساخ فيها، وغسل الشعر وتسريحه وترتيبه، والوضوء للصلاة من أهم مظاهر النظافة لدى الإنسان المسلم، ومن مظاهرها أيضًا ارتداء ملابس نظيفة ومرتبة وأنيقة وذات رائحة جميلة، وترتيب البيت كلّ يوم ومنع تراكم الأوساخ والقمامة فيهن وترتيب أغراضه بوضعها في المكان الصحيح، لأنّ عدم وجودها في مكانها الصحيح يجعلها تثير الفوضى في المكان.
الحفاظ على البيئة وعدم إلقاء الملوثات فيها من مظاهر النظافة ذات الأهمية الكبرى، خاصة أنّ البيئة النظيفة تنعكس على صحة الإنسان وحالته النفسية ومزاجه العام، فالبيئة النظيفة تُسهم في الوقاية من الإصابة بالأمراض، وتمنع حدوث الكوارث البيئية الناتجة عن تراكم الأوساخ والأبخرة السامة والمواد الكيميائية، ومن مظاهرها أيضًا العناية فيها ومنع التسبب بوجود الملوثات غير المباشرة فيها، ومن مظاهرها أيضًا الاهتمام بنظافة الأماكن العامة وعدم إلقاء الأوساخ في الساحات العامة والشوارع والأرصفة والحدائق، وجمع القاذورات بانتظام ووضعها في المكان المخصص، والحفاظ على الروائح العطرة ومصادرها، والحفاظ على المدرسة والجامعة ومكان العمل مثل الحفاظ على البيت تمامًا.
من أهم مظاهر النظافة تعليم الأطفال وطلاب المدارس كيفية تنظيف الأماكن التي يكونون بها وعدم تلويثها أبدًا، وتعليم الأطفال غسل اليدين قبل الأكل وبعده، وتنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون، وعدم رمي الأوراق في الساحات، وعدم تلويث الكتب المدرسية بالكتابة والخربشة عليها، والحفاظ على نظافة الجدران وعدم الكتابة والرسم عليها، والحفاظ على البيئة بشكلٍ عام، والغسل جيدًا بعد الانتهاء من الحمام، وتبديل الملابس وغسلها بمجرّد تلوثها.
يمكن تجسيد مظاهر النظافة في الحفاظ على نظافة الطعام الذي يتناوله الإنسان سواء في بيته أم في المطعم، وأهم خطوات الحفاظ على نظافة الطعام هو غسل الأدوات التي يتم الطهي فيها جيدًا، والاعتناء بنظافة المواعين التي يتم وضع الطعام فيها، وغسل الخضروات والفواكه التي يتم تحضير الطعام فيها، ومن النظافة أيضًا ألّا يبصق الإنسان في الشارع وألّا يعطس دون استخدام منديل ورقي، وألّا يلمس الأسطح الملوثة، ومن أهم مظاهر النظافة التي يجب أن تكون ضمن مسؤوليات الحكومات هو توفير أماكن لرمي القاذورات في الشوارع لتسهيل جمعها، والعمل على إعادة تدوير بعض المواد لتقليل نسبة القاذورات الملقاه في اليئة.
أهمية النظافة
للنظافة أهمية كبيرة جدًا، وأهميتها تأتي من أنّها شرطٌ أساسي لأداء بعض العبادات، خاصّة الصلاة، فالإنسان الذي لا ينظف نفسه ولا يتطهّر من الأوساخ لا تجوز صلاته، كما يُشترط لإتمام الصلاة بالشكل الصحيح نظافة الملابس والمكان، والنظافة أيضًا ضرورية حتى يُحافظ الإنسان على مكانته الاجتماعية بين الناس، فالإنسان النظيف يكون مقبولًا اجتماعيًا أكثر من الآخرين، ولا تفوح منه رائحة العرق المنفرّة وتكون ملابسه نظيفة ومرتبة وشعره نظيف ومُسرّح.
أهمية النظافة البيئية تأخذ أهمية بالغة في حياة الإنسان والحيوان والنبات، فنظافة البيئة تعني أن تكون البيئة أكثر صحيّة، وتكون مكانًا آمنًا للعيش، لهذا يوجد العديد من المنظمات الدولية التي تسعى جاهدة للحفاظ على البيئة من أي أوساخ أو قاذورات نظرًا للأهمية البالغة لها، لأنّ قذارتها تعني انقراض العديد من الحيوانات والنباتات واختلال التوازن البيئي، والتأثير على المظهر الجمالي لها، وهذا يندرج تحته نظافة جميع عناصر البيئة دون استثناء من ماء وهواء ومياه وتربة، وهذا يُشدد الحرص على النظافة من الجميع، لأنّ أي قاذورات تُلقى فيها تؤثر على الجميع وليس فقط من ألقاها وتسبب بتلويثها.
مما يدلّ على الأهمية البالغة للنظافة هو ذكر النظافة في القرآن الكريم والحث عليها واعتبارها أسلوب حياةٍ يومي، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.[١]
كما أمر الإسلام تنظيف الأسنان بالسواك لتخليصها من بقايا الطعام العالقة بها، إنّ ذلك من أحكام الطهارة والنظافة التي أمر بها الله تعالى ورسوله، وجعلها منهجًا إسلاميًا لا يمكن التغاضي عنه أبدًا في الحياة اليومية للمسلم الذي عليه الالتزام بجميع آداب النظافة في الإسلام، سواء الآداب التي تخصّ نظافة المسلم في جسمه أم في بيته أم في بيئته مثل العطس في منديل ورقي، وغسل اليدين.
مِن حرص الإسلام على النظافة أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- حثّ الرجال بأخذ زينتهم عند كلّ مسجد، وأن يتعطّروا ويرتدوا أجمل الثياب، وألّا يتناولوا الأطعمة التي تُسبب رائحة نفس كريهة كالثوم والبصل لتجنب إيذاء المصلين، كما حثّ الإسلام على تقليم الأظافر والغُسل في كلّ يوم جمعة، وهذا كلّه يدلّ على أنّ من يحافظ على نظافته يأخذ الأجر والثواب من الله تعالى، ومن واجب الآباء والأمهات أن يُعلموا أبناءهم طريقة الحفاظ على النظافة، وأن يوفروا كل الأدوات اللازمة للحفاظ عليها مثل الصابون ومواد التنظيف المختلفة وسلّات جمع القمامة.
يقولون دائمًا إنّ البيت النظيف لا يدخل إليه المرض، ذلك لأنّها تقي من الإصابة بالأمراض وتقضي على الجراثيم والميكروبات التي تكون في البيوت غير النظيفة، وهذا يجعلها آمنة صحيًا، كما أنّ العديد من القوارض والحشرات المؤذية تعيش في الأماكن القذرة، والحفاظ على النظافة يمنع تكائرها ويقي من أضرارها الكثيرة، أما النظافة التي تكون على مستوى المجتمع والدولة بأكملها فتعكس صورة إيجابية عن الناس، فالسيّاح عندما يأتون للسياحة في أيّ بلد فإنّ أول ما يلفتهم هو نظافة الشوارع والأماكن فيها، وينفرون من الأماكن التي يتدنى فيها مستوى النظافة، فالفنادق والمطاعم النظيفة في أيّ بلد هي الأكثر جذبًا للناس، وبالتالي تُحقّق مكاسب اقتصادية أكبر.
النظافة تجلب الراحة النفسية للإنسان، وتجعله مبتهجًا مقبلًا على الحياة، خاصة أنّ المكان النظيف والمرتب يعطي دافعية للعمل ويزيد من الحماس بشكلٍ كبير، بعكس القذارة التي تجعل المكان كئيبًا مليئًا بالطاقة السلبية، كما أنّها تُسهم في الحفاظ على المجتمعات الإنسانية من جميع النواحي، وجعلها أكثر رقيًا وتميزًا، وينعكس أثرها على كل مجالات وقطاعات الحياة، فالإنسان النظيف قدوة لغيره من الناس، ويُشكل لديهم مثالًا يُحتذى في تصرفاته وأسلوب حياته، ويحب الجميع التعامل معه بكل راحة، خاصة أنّ أشرس الأمراض المعدية تنتقل بين الناس الذين لا يُحافظون على نظافتهم ولا يأبهون لنقل المرض للآخرين.
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية:6