نبذة عن أسد الدين شيركوه

كتابة:
نبذة عن أسد الدين شيركوه

أسد الدين شيركوه

في بداياتِ الحقبة التاريخيّة العصيبة على الأمة الإسلاميّة؛ حقبة الحروب الصليبية، وبالتحديد في عام 500 هـ بعد الاحتلال الصليبي لمدينة القدس بثماني سنوات ولد أسد الدين شيركوه بن باذي ببلدة دوين في أرمينيا من أصل كردي، وقد تعلم من أبيه منذ الصغر فنون القتال، وكان معروفًا بالإقدام، فلا يصبر على عدوان أو إساءة أو انتهاك للحرمات، في حين كان أخوه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين معروفًا بالحكمة والعقل والتؤدة، وقد التحق الشابان بخدمة الأمير بهروز قائد شرطة بغداد، فحسنت سيرتهما بين الناس، فأقطعهما الأمير بهروز قلعة تكريت، وتاليًا نبذة عن أسد الدين شيركوه، وجهاده ضد الصليبين، وأثره الكبير في شخصية ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي.[١]

نبذة عن أسد الدين شيركوه

سنة 526 هجرية قدّم أسد الدين وأخوه المساعدة للأمير عماد الدين زنكي الذي جاء تكريت منهزمًا في قتاله ضدّ خصومه بالخلافة، ودعموه بالسفن اللازمة لعودته إلى مدينه الموصل عبر نهر دجلة، ولأنّ بهروز كان على خلافٍ شديد مع عماد الدين زنكي لم يعجبه هذا الفعل من أسد الدين ونجم الدين، وتربّص لهما الدوائر دافعًا جنوده للتحرش بنجم الدين وأسد الدين وأهلهم، وقد حقق المراد بعد أنه قتل أسد الدين أحد هؤلاء الجنود إثر حادثة استفزاز، فأمر بهروز بطرد نجم الدين وأسد الدين وأهليهم من قلعة تكريت، فتركوها في الليلة نفسها التي ولد فيها صلاح الدين الأيوبي، متجهين إلى الموصل للاتحاق بخدمة عماد الدين زنكي الذي أحسن استقبالهما، وشكر صنيعهما، وضمهما لأمرائه، ثم أقطع لهما إقطاعًا.[٢]

وفي أثناء حروب عماد الدين زنكي ضد الصليبين جعل نجم الدين واليًا على بعلبك، أمّا أسد الدين الشّجاع القادر على قيادة الجند، البارع في فن القتال وإدارة المعرك، فقد جعله من مقدّمي جيوشه، فخاض أسد الدين شيركوه مع عماد الدين جميع حروبه ضد الصليبين، وكان معه في تحرير الرها، ولازمه حتى في معسكره الذي قتل فيه سنة 541 هـ، وهناك قام شيركوه بدور في غاية الأهمية؛ حين حفظ المعسكر من الهرج والمرج الذي ممكن أن يحدث بسبب مقتل القائد، ثم أعطا خاتم الملك للابن نور الدين زنكي، ليخلف والده، وقام بحراسته حتى وصل سالمًا آمنًا إلى حلب فصار بذلك أسد الدين أقرب الناس من الملك العادل نور الدين، وولاه قيادة الجيوش، وأصبح أقوى الأمراء، والرجل الذي يندبه نور الدين للمهمات الصعبة، فكانت له أشهر البطولات، وحقق أعظم الانتصارات.[٢]

في أثناء ذلك كان أسد الدين شيركوه المربي الحقيقي، والمعلم الأول، والمكتشف البارع لمواهب ابن أخيه صلاح الدين، فقد رأى بعين خبرته ما يجتمع في ابن أخيه من عقل وحكمة ورثها من أبيه نجم الدين، وشجاعة وفروسية تعلمها من عمه، وزهد وورع تمثله من الأمير نور الدين خصالًا ثلاثًا كفيلًة بترشيح الفتى لقيادة الأمة فيما بعد، فدربه على القتال، وقيادة الجيوش، وأساليب إدارة المعارك دفاعًا وهجومًا، بالإضافة إلى تعليمه أصول السياسة، وفن المناورة والمفاوضة، فكان تعليم صلاح الدين وتدريبه من أهم وأفضل إنجازات أسد الدين شيركوه.[١]

توحيد مصر والشام

في نبذة عن أسد الدين شيركوه لا بدّ من الكلام عن دوره في توحيد مصر والشام، فقد رأى بخبرته العسكرية وحنكته السياسية أنه من الضروري فتح مصر وتوحيدها مع الشام في مواجهة الصليبين، كشرط للنّصر عليهم وتحرير بيت المقدس؛ لذلك كان دائم الإلحاح على نور الدين لكي يفتحها، ويزيل منها الدولة الفاطميّة، ويعيدها لحكم الخلافة العباسية؛ لكن نور الدّين انتظر الوقت المناسب، فقد كانت الأوضاع في مصر شديدة الاضطراب بسبب خلافات الوزراء، إلى أن استنجد به الوزير شاور مستعينًا به على الوزير ضرغام الذي انتزع منه وزارته، فكلّف نور الدين أسد الدين بهذه المهمّة بعد أن وعده شاور بتقديم ثلث خراج مصر إذا استعاد له وزارته المسلوبة، فخرج أسد الدين على رأس ألف مقاتل بينهم تلميذه صلاح الدين، وهزم جيش ضرغام في بلبيس، ولاحقه إلى القاهرة، حيث قضى عليه، وأعاد شاور إلى منصبه.[٢]

وأقام بظاهر القاهرة ينتظر أن يفي شاور بوعوده، ولكن الخبيث شاور أخلف، وأمر أسد الدين بالرجوع إلى الشام، وهدده فعاد إلى بلبيس، وتحصن بها، فاستعان شاور بالصليبين، واستنجد بهم، فحشد الصليبيون وحاصرو أسد الدين في بلبيس ثلاثة أشهر أغار خلالها نور الدين في الشام على أملاك الصليبين، وفتح تل حارم، فخاف الصليبيون على أملاكهم، وصالحوا أسد الدين على عودة كلا الطرفين من حيث جاءا.[٢]

عاد أسد الدين إلى دمشق ملحًا على نور الدين بضرورة العودة إلى مصر، حتى وافق فأرسله بألفي مقاتل، فسارع شاور للاستنجاد بالصليبين الذين أرسلو الأولوف إلى مصر، لكن أسد الدين تحرك جنوبًا، وفتح الصعيد، واستدرج الجيش الصليبي لمعركة عند منطقة البابين حيث هزمهم بدهائه العسكري هزيمة نكراء، ثم عاد وتحصّن في اللإسكندرية التي راسله أهلها لينصروا إخوانهم، فترك فيها حامية بقيادة صلاح الدين، وعاد إلى الصعيد ليجمع المؤن، فحاصر الصليبيون الإسكندرية حصارًا طويلًا، وبعد تسعة أشهر لم يستسلم فيها صلاح الدين عاد أسد الدين لنصرة أهل الإسكندرية، فخاف الصليبيون وصالحوا أسد الدين على العودة مرة أخرى دون أن يتملك الصليبيون شبرًا من أرض مصر.[١]

لكن غدر الوزير شاور وخيانته حالت دون تحقيق ذلك، فقد اتفق شاور مع الصليبين على إبقاء حاميّة تحرس أسوار القاهرة، وتستطلع الأخبار لتتحين الفرصة لعودة الصليبين الذين عادو، وسيطروا على بلبيس، وقتلو جميع أهلها، ثم نزلوا إلى القاهرة وحاصروها، فأحرق شاور المدينة حتى استنجد الناس، وعلى رأسهم الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين، فأرسل أسد الدين بألفي فارس، وجمع أسد الدين ستة آلاف آخرين من متطوعة الشام، وانطلق لفتح مصر، فخاف الصليبيون وفزعوا لذكر اسم أسد الدين فرحلوا عن مصر فجائها أسد الدين، ودخل القاهرة بدون قتال، وحاول الخائن شاور استدراج أسد الدين وقادة جنده بما فيهم صلاح الدين إلى وليمة طعام مسموم، فحال الكامل وهو الأبن الأكبر لشاور دون ذلك، ولقي شاور جزاءه، فقد أمر العاضد بإعدامه.[١]

وُلّي أسد الدين وزارة مصر وأخذ يدبر لإسقاط الخلافة الفاطمية، ولكن الوزارة لم تستمر له سوى شهرين، فقد كان أجله أسرع منه؛ ليموت أسد الدين على فراشه متأثراً بذبحة صدرية في 22 جمادة الآخر سنة 564 هـ بعد أن خاض أكثر من مئة وخمسين موقعة، وبعد أن ترك إرثه من الشجاعة والحكمة بين يدي ابن أخيه البطل صلاح الدين الأيوبي.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "أسد الدين شيركوه"، marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث "سد الدين شيركوه"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
  3. "صلاح الدين الأيوبي"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
5341 مشاهدة
للأعلى للسفل
×