محتويات
الإمام الدارقطني
الإمام الدارقطني هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله البغدادي الدَّارقطنيُّ، واسمه الدارقطني لأنَّه ولد في دار القطن، وهي محلَّة تابعة لبغداد، وقد ولد الدارقطني في عام 306 هجرية، وهو واحد من علماء المسلمين وفقهائهم في تاريخ الإسلام، فهو مقرئ ومحدِّث ولغوي، له مؤلفات كثيرة في علوم القرآن الكريم وله مؤلفات في علم الحديث الشريف،[١]وقد قال الإمام الذهبي عن الدارقطني: "كان من بحور العلم وأئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله مع التقدم في القراءات وطرقها وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف والمغازي وأيام الناس"، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن مولد الإمام الدارقطني ونشأته وحياته ورحلته في طلب العلم ومؤلفاته ووفاته.[٢]
مولد ونشأة الإمام الدارقطني
ولد الإمام الدارقطني في عام 306 للهجرة في محلة دار القطن في بغداد في العراق، ونشأ في بيت عماده العلم والمعرفة، فأبوه كان من المحدثين الثقات، فحرص على تعليم ابنه وجعله أحد علماء هذا الدين، وقد كان الدارقطني شاهدًا على أبيه وهو يسعى للعلم بين المساجد وبين حلقات العلم، يسمع ويحفظ ويروي ويكتب ما يسمع، ويقضي أيام حياته كلِّها في طلب العلم والدراسة، فأحبَّ الدارقطني العلم وسعى إليه ودفعه أبوه إليه أيضًا، فنشأ نشأة العلماء وتربَّى على حب العلم والمعرفة، وقد وهب الله تعالى الإمام الدارقطني فطنة وعقلًا راجحًا وحُبًّا للعلم وشغفًا إليه، قال أبو الفتح يوسف بن عمر القواس: "كنا نمر إلى أبي القاسم البغوي، والدارقطني صبيٌّ يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ، فدخلنا إلى أبي منيع ومنعناه، فقعد على الباب يبكي"، وجاء عن أبي منصور الأزهري أنَّه قال: "بلغني أن الدارقطني حضر حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجلس ينسخ جُزءًا كان معه وإسماعيل يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا، فعدَّت فوجدت كما قال، ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على الترتيب في الإملاء حتى أتى آخرها، فتعجب الناس منه"، وهذا دليل على حسن حفظه، ودور الحياة التي نشأ فيها على وصوله إلى هذه القدرة في الحفظ والفهم في أخذ العلم، والله تعالى أعلم.[٣]
حياة الإمام الدارقطني
لقد عاش الإمام الدارقطني حياته كلَّها في طلب العلم وتحصيل المعرفة، فلم يكن يتوانى عن البحث والتدوين واللحاق بحلقات العلم، كما أنَّه أمضى سنيَّ حياته مسافرًا بين الأمصار في سبيل تحقيق غاياته النبيلة، وقد قال عنه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: "فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبل الشهادة، وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب والاضطلاع بعلوم سوى الحديث منها القراءات، فإن له فيها كتابًا مختصرًا موجزًا، جمع الأصول، في أبواب عقدها في أول الكتاب، وسمعتُ بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: لم يسبق الدارقطني إلى طريقته التي سلكها في عقد الأبواب المقدمة في أول القراءات، وصار القراء بعده يسلكون طريقته في تصانيفهم، ويحذون حذوه"، فكان الإمام الدارقطني من المعتنين بالفقه، فدرس الشافعي، واهتمَّ بالشعر والأدب العربي، حتَى قيل عنه: "أنه كان يحفظ دواوين جماعة من الشعراء"، هكذا مرَّت حياة الإمام الدارقطني بين الكتب وفي حلقات العلم، سعيًا إلى الأخذ عن العلماء وإعطاءً لطلابه وتلاميذه، والله تعالى أعلم.[٤]
رحلة الإمام الدارقطني في طلب العلم
لقد كانت رحلة الإمام الدارقطني في طلب العلم رحلة طويلة، شاقَّة، مُتعِبة، وإنَّما خاض غمار هذه الرحلة بسبب حبِّه للعلم والعلماء، فكان الإمام الدارقطني من أكثر الناس إقبالًا على العلماء، وملازمةً لهم، ولعلَّ أبرز العلماء الذين لازمهم الإمام الدارقطني: "أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني السَّبيعي الحلبي"، وهو إمام حافظ متقن، سمع عنه الدارقطني وروى عنه، كما أنَّه سمع من أبي القاسم البغوي، وسمع عن علماء كثيرين من في البصرة والكوفة وبغداد وفي واسط أيضًا،[٥]أمَّا رحلته الطويلة في طلب العلم، فقد جاء أنَّ بغداد في زمن الدارقطني كانت مملوءة بالعلم وبالعلماء والشيوخ، ففيها كلُّ من يُشهد له بالثقة وتُؤخذ عنه الرواية، فكانت بغداد قبلة طلاب العلم في كلِّ الأمصار والمناطق الإسلامية آنذاك، وكان الإمام الدارقطني شديد الحرص على السماع والأخذ عن هؤلاء العلماء، ولكنَّ شغفه الكبير في تحصيل العلم والإفادة من أهل العلم، دفعه إلى السفر، فشدَّ الرحال إلى الشام وإلى مصر ساعيًا وراء علماء هذه المناطق ليأخذ منهم، يقول الإمام الأزهري في سفر الدارقطني لطلب العلم: "لما دخل الدارقطني مصر، كان بها شيخ علوي من أهل مدينة رسول الله، يقال له: مسلم بن عبيدالله، وكان عنده كتاب النسب عن الخضر بن داود، عن الزبير بن بكَّار، وكان مسلم أحد الموصوفين بالفصاحة المطبوعين على العربية فسأل الناس الدارقطني أن يقرأ عليه كتاب النسب، ورغبوا في سماعه بقراءته، فأجابهم عن ذلك، فقال له بعد القراءة المعيطي الأديب: يا أبا الحسن، أنت أجرأ من خاصي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب، فلا يؤخذ عليك فيه لحنه، وأنت رجل من أصحاب الحديث، وتعجب منه".[٤]
لقد اكتسب الإمام الدارقطني من ترحاله وسفره في طلب العلم علمًا وافرًا، وقد شهد له خيرة العلماء في علمه، وقد قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: "لم يرَ الدارقطني مثل نفسه"، وقال ابن الجوزي عن الإمام الدارقطني: "وقد اجتمع له مع معرفة الحديث العلمُ بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة وصحة العقيدة"، وقال ابن كثير عنه أيضًا: "الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع الكثير وجمع وصنَّف وألَّف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد وكان فريدَ عصره ونسيجَ وَحْدِه وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطِّلاع التام في الدراية"، وقال عبد الغني بن سعيد الضرير: "لم يتكلم على الأحاديث مثل علي بن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، والدارقطني في زمانه"،[٦]وقال أبو عبد الله الحاكم عن الدارقطني في كتابهِ مزكي الأخبار: "أبو الحسن صار واحدَ عصره في الحفظ والفهم والورع، وإمامًا في القرَّاء والنحويين، أول ما دخلت بغداد، كان يحضر المجالس وسنه دون الثلاثين، وكان أحد الحفاظ"،[٧] وجدير بالذكر إنَّ للدارقطني تلاميذ كُثر، أخذوا العلم عنه، واستقوا من علمه، ولعل أبرزهم: "شيخ المحدثين، أبو عبد الله بن البيِّع الضبي الطهماني النيسابوري، والإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن علي بن سعيد بن بشر الأزدي المصري، والإمام أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى المهراني الأصبهاني"، والله تعالى أعلم.[٣]
مؤلفات الإمام الدارقطني
كثيرة هي مؤلفات الإمام الدارقطني، فقد خاض في كثير من العلوم، وكتب وألَّف في علم الحديث وفي علوم القرآن الكريم، وفي الأدب، وإنَّما مؤلفاته دليل على سعة علمه وغزارة معرفته، وفيما يأتي أبرز مؤلفات الإمام الدارقطني:[٤]
- المُجْتَنَا من السُّنن المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وسلَّم، والتَّنْبيه على الصحيحِ منها والسَّقيم، واختلاف النَّاقلين لها في ألفاظها.
- علل الحديث.
- المؤتلف والمختلف.
- التتبع.
- الإلزامات.
- الأحاديث التي خولف فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس.
- أحاديث موطأ مالك، واتفاق الرواة عن مالك، واختلافهم فيه، وزيادتهم ونقصانهم.
- كتاب الصفات وكتاب الرؤية.
وفاة الإمام الدارقطني
لا بدَّ في ختام الحديث عن الإمام الدارقطني، من الحديث عن وفاة الإمام الدارقطني، هذا الإمام الفقيه الذي دفع عمره كاملًا في سبيل العلم، فكان من خيرة العلماء في تاريخ المسلمين، لما له من مؤلفات وكُتب لم تزل من أهم الكتب في التاريخ الإسلامي، وقد توفِّي الإمام الدارقطني في مدينة بغداد في عام 385 هـ، وكان قد بلغ من العمر التاسعة والسبعين.والله تعالى أعلم.[٤]
المراجع
- ↑ "الدارقطني"، ar.wikipedia.org، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "الدارقطني.. سيرته وفضله ومؤلفاته"، www.islamweb.net، 2020-05-13. بتصرّف.
- ^ أ ب "الدارقطني"، www.marefa.org، 2020-05-13. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "الدارقطني"، www.wikiwand.com، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "ترجمة الإمام الدارقطني"، ar.islamway.net، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "الإمام الدارقطني"، www.islamstory.com، 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "الدارقطني"، islamweb.net، 2020-05-13. بتصرّف.