الفقه الإسلامي
الفقه في اللغة يعني العلم بالشيء وفهمه والفطنة له، وقد غلب على العلم الشرعي المعروف وارتبط به لشرفه وعلوّه، ويٌقال لمن علِمَ بالدّين من الرّجال فقيهٌ، والجمع فقهاء، والمرأة فقيهة وجمعها فقائه وفقهاء، وهذا الكلام الذي عليه أكثر علماء اللغة في المعاجم،[١] ولكنّ للإمام الزمخشريّ رأي آخر يرى فيه أنّ الفقه يعني الشق والفتح؛ أي: الفقيه هو الذي يشقّ الأحكام ويفتح ما استغلق منها، وهذا الكلام يردّه كثير من العلماء، وهو مخالف لما ذهب إليه علماء السلف، وكانت كلمة الفقه معروفة قبل الإسلام إلّا أنّه لم يُسمع عن أحد من العرب أنّه قال عن رجل فطِنٍ فاهم للأمور فقيه، وقد مرّ هذا المصطلح بتطوّرات دلاليّة منذ ظهور الإسلام، فكان معناه في البداية كلّ علوم الشريعة الإسلاميّة، ولكن مع عصر الصحابة بدأ يتبلور معناها الذي هو عليه اليوم من خلال بعض الإشارات الواردة عن الصحابة كابن عباس، ومن أشهر فقهاء الإسلام كان الإمام النووي الذي سيقف معه هذا المقال.[٢]
حياة الإمام النووي
هو الإمام النووي، الإمام يحيى بن الشيخ شرف بن مِرَا بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحزامي النووي، الإمام العابد الزاهد القوّام الصوّام صاحب التصانيف الحميدة النافعة،[٣] ولد في شهر الله المحرّم عام 631هـ، وتوفّي سنة 676هـ،[٤] كان الإمام النووي منذ نشأته لا يحبّ ما يحبّه الأطفال، فمرة رآه أحد علماء عصره وهو برفقة صبيان يُكرِهونه على اللعب معهم، فكان يبكي ويقرأ القرآن، ولا يريد أن يلعب معهم، فتنبّأ له الشيخ بأنّه سيكون فريد عصره في العلم والتقى والورع، وكان يساعد والده في دكّانه، فكان لا ينشغل بالبيع والشراء عن القرآن الكريم، ولمّا صار عمره تسعة عشر عامًا جاء به والده إلى دمشق لطلب العلم، فسكن في المدرسة الرواحية وهناك صار يحفظ كتب الشافعية ككتاب التنبيه وغيره، ثمّ لمّا رأى بعض شيوخه التزامه وبعده عن مخالطة الناس وانصرافه إلى العلم جعله يُعيد درسه لطلبة العلم في حلقته، ثمّ سافر إلى الحج برفقة والده، وأقام في المدينة نحوًا من شهر ونصف، عاد بعدها إلى دمشق فكأنّ العلم صار ينصبّ عليه صبًّا؛ فكان يقرأ في اليوم اثني عشر درسًا على علماء دمشق آنذاك، منها دروس في النحو والصرف والفقه والجمع بين الصحيحين ودرس كذلك في صحيح مسلم الذي شرحه في كتابه المنهاج المعروف، وأيضًا دروس في اللغة من كتاب إصلاح المنطق لابن السكيت، ودروس في أصول الفقه وأصول الدين ودرس في أسماء الرجال وغير ذلك، وقد حاول أن يدرس والطب ولكنّه صُرِفَ عنه وبقي مشتغلًا بعلوم الشريعة.[٥]
ومن شيوخه الذين درس عليهم يُذكر أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد المقدسي، ومفتي دمشق حينها أبو محمد عبد الرحمن بن نوح المقدسي، وأبو حفص عمر بن أسعد الإربلّي، وأبو الحسن بن سلّار بن الحسن الإربلّي وهؤلاء وغيرهم في الفقه، فأمّا في أصول الفقه فأخذ عن جماعة من العلماء منهم العلّامة القاضي أبو الفتح عمر بن بُنْدار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي، وأمّا في النحو والصرف فقد أخذ عن جملة من العلماء منهم فخر الدين المالكي، وأحمد بن سالم المصري، ومحمد بن عبد الله بن مالك الجيّاني، وأمّا في فقه الحديث والرجال فقد أخذ عن علماء منهم في فقه الحديث الشيخ إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي، وقرأ كتابًا في علم الرجال على الشيخ خالد بن يوسف بن سعد النابلسي، وسمع كتبًا كثيرة منها صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وموطّأ مالك ومسند الشافعي وابن حنبل والدارمي والأسفراييني وسنن ابن ماجه وشرح السنة ومعالم التنزيل للبغوي وغيرها كثيرًا، وتولّى التدريس في دار الحديث الأشرفيّة في دمشق زمنًا، فرحمه الله رحمة واسعة من عالِمٍ ربّانيّ إمام ورع تقي.[٦]
إنجازات الإمام النووي
مع كثرة العلم والاشتغال فيه وصل الإمام النووي إلى ما لم يصل إليه عالم في عصره، فبعد وفاة الإمام أبي شامة المقدسي تولّى الإمام النووي مشيخة دار الحديث الأشرفيّة وكانت وقتها دمشق تعجّ بالعلماء الذي هم أسنّ وأعلى سندًا منه، فدرّس فيها صحيحي البخاري ومسلم، وقطعة من سنن أبي داود، ورسالة القشيري، وصفوة الصفوة وهو مختصر لحلية الأولياء لابن الجوزي، والحجّة على تارك المحجّة لنصر بن إبراهيم المقدسي، وغير ذلك الكثير، فاستحقّ بذلك ثناء عدد من العلماء عليه كالتاج السبكي، وابن فضل الله العمري، وتلميذه ابن العطّار، والشيخ الأخميني، والشيخ الظاهر الإربلي، والتقي السبكي، وتلميذه ابن فرح الإشبيلي، والشيخ أبو القاسم المزي، والشيخ فرج الصفدي وغيرهم كُثُر، وترك الإمام النووي -على صغر سنّه عند وفاته- إرثًا عظيمًا من المصنّفات،[٧] ومنها:[٧]
- الروضة: وهو مختصر الشرح الكبير للرافعي.
- المنهاج: وهو شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجّاج.
- المجموع: وهو شرح لكتاب المهذّب للشيرازي.
- منهاج الطالبين: وهو اختصار لكتاب المحرر للرافعي.
- رياض الصالحين: وهو كتاب في الحديث النبوي مختصر جمعه من الأحاديث الصحيحة.
- الأذكار: فيه أذكار شتى لشتى الاحوال.
- الإيضاح في مناسك الحج.
- التبيان في آداب حملة القرآن، وغيره الكثير الكثير.
المراجع
- ↑ "الفقه "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "الفقه الإسلامي تعريفه وتطوره ومكانته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "في مولده ووفاته"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "ي مبدأ أمره واشتغاله"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "في ذكر شيوخه في الفقه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب جلال الدين السيوطي (1988)، المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي (الطبعة 1)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 27. بتصرّف.