نبذة عن الإمام مسلم

كتابة:
نبذة عن الإمام مسلم

الإمام مسلم

الإمام مسلم هو أبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، إمام مهيب جليل من أئمة المسلمين، وتلميذُ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري النجيبُ، وهو صاحب كتاب صحيح مسلم الذي يجمع عددًا كبيرًا من الأحاديث الصحيحة عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُعدُّ صحيح الإمام مسلم أصح كتاب بعد القرآن الكريم وصحيح البخاري،[١]وقد قضى الإمام مسلم حياته في طلب العلم، أخذ علمه عن علماء كثر، وارتحل كثيرًا في من أجل العلم، فرحل إلى الشام والمدينة المنورة ومكة المكرمة والبصرة وبغداد والكوفة ومصر، وقضى حوالي خمسة عشر عامًا من حياته في طلب حديث رسول الله، وقد أخذ مسلم الحديث عن مجموعة من أهل العلم، أشهرهم: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي زرعة الرازي والبخاري، وهذا المقال سيتحدَّث عن الإمام مسلم من جوانب مختلفة.[٢]

مولد ونشأة الإمام مسلم

ولد الإمام مسلم في مدينة نيسابور، ونيسابور مدينة من أشهر مدن خراسان، وكان مولده عام 206 للهجرة وهو ما يوافق عام 822م، وقد نشأ في بيت ملؤه التقوى وزاده الصلاح والهُدى، والده الحجاج بن مسلم القشيري كان محبًا من محبي العلم، وهو من الملتزمين في حلقات العلم التي كان يقيمها العلماء، فنشأ مسلم على العلم وكبر في جوِّ إيماني مناسب، وهذا ما أتاح له فرصة البدء بطلب العلم في سن مبكرة، فقد سمع حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو في الثامنة عشرة من عمره، قال الذهبي عنه: "وأول سماعه في سنة ثماني عشرة من يحيى بن يحيى التميمي، وحج في سنة عشرين وهو أمرد"،[٣]ومن الجدير بالذكر إنَّ نيسابور المدينة التي ولد فيها الإمام مسلم كانت من أهم المدن العلمية في العالم الإسلامي كلِّه في ذلك الوقت، وتحديدًا في علم الحديث النبوي، حتَّى أنَّ السخاوي وصفها قائلًا: "دار السنّة والعوالي"، واتَّفق المؤرخون عبر العصور في تاريخ وفاة الإمام مسلم، بيد أنَّهم اختلفوا في تاريخ ولادته، وفي ولادته أربعة أقوال: قول يقول إنَّه ولد سنة 201 للهجرة، وهذا ما ذهب إليه الإمام شمس الدين الذهبي وابن العماد الحنبلي، وقول آخر يشير إلى أنَّ ولادة مسلم كانت في عام 202 للهجرة، ومن المؤرخين من قال إنَّ الإمام مسلم ولد عام 204 للهجرة وهذا ما جاء في كتاب تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء، وقال به العسقلاني وابن كثير، وقول يقول إنَّ مسلم ولد سنة 206 للهجرة، وهذا ما قال به الحاكم النيسابوري، قال: "توفي مسلم بن الحجاج -رحمه الله- عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة"، وقال قال ابن الصلاح: "أن مولده كان في سنة ست ومائتين"، والله تعالى أعلم.[٤]

حياة الإمام مسلم

عاش الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري حياته في طلب العلم، فسمع الحديث من شيوخ بلده، وارتحل في الأمصار يطلب العلم من علماء بلاد المسلمين الأُخرى، فأخذ عن كثير وأخذ عنه كثيرون أيضًا، ومنهم: "الإمام الترمذي وأبي حاتم الرازي وموسى بن هارون وأحمد بن سلمة وابن خزيمة ويحيى بن صاعد ومحمد بن مخلّد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وإبراهيم بن محمد بن سفيان"،[٥]وقد عمل الإمام مسلم في حياته أيضًا بالتجارة، يبيع الأقمشة والثياب في متجره بخان محمش، قال محمد بن عبد الوهاب الفراء عن عمل الإمام مسلم: "وكان -رحمه الله- بزازًا" وبزازًا أي بائع أقمشة وثياب، وقد عُرف عنه أنَّه كان يملك ثروة يسيرة مكَّنته من السفر بحثًا عن العلم من الأئمة، ولم تلهه تجارته عن طلب العلم، فقد روي عنه أنَّه كان يحدث بحديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكان تجارته، قال الحاكم النيسابوري: "قال أبي: رأيت مسلم بن الحجاج يحدث بخان محمش"، أمَّا صفاته الجسدية فقد ذكرها الحاكم النيسابوري أيضًا في قوله: "كان تام القامة أبيض الرأس واللحية يرخي طرف عمامته بين كتفيه"، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: "رأيت شيخًا حسن الوجه والثياب، عليه رداء حسن وعمامة قد أرخاها بين كتفيه، فقيل: هذا مسلم، فتقدم أصحاب السلطان، فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج أمام المسلمين، فقدّموه في الجامع، فكبّر وصلى بالناس"، وقد عُرف عنه الورع والتُّقى؛ حتَّى أنَّه لم يغتبْ أحدًا طيلة حياته، قال عبد العزيز الدهلوي: "إنه ما اغتاب أحدًا في حياته ولا ضرب ولا شتم"، والله أعلم.[٤]

رحلة الإمام مسلم في طلب العلم

لا يمكن أن يأتي العلم دون عمل، ودون تعب وجهد يقدِّمه المرء حتَّى يحوز من العلم ما أراد وما ابتغى، وهذا قانون الإمام مسلم الذي طبَّقه في حياته العلمية، فقد سافر وارتحل طلبًا للعلم وبحثًا عن المعرفة، فوصفه الإمام النووي بأنَّه واحد من الرَّحالة الذين طلبوا العلم من أئمة مختلف البلاد العربية، فسمع في مدينته نيسابور من يحيى بن يحيى التميمي ومن إسحاق بن راهوية ومن غيرهم، وفي عام 220 للهجرة سافر أولى رحلاته خارج بلاده بحثًا عن العلم، فذهب غلى مكة المكرمة ليؤدي فريضة الحج وفي المدينة المنورة سمع من إسماعيل بن أبي أويس، وفي مكة سمع من القعنبي وهو أحد أكبر شيوخ الإمام مسلم، كما سمع من سعيد بن منصور ومن أبي مصعب الزهري، وسمع من أحمد بن حنبل ويحيى بن صاعد ومن محمد بن مخلد، ثمَّ رجع إلى بلده وفي عام 230 للهجرة ارتحل إلى بلاد الشام وهناك سمع من محمد بن خالد السكسكي، وإلى مصر حيث سمع من عمرو بن سواد وحرملة بن يحيى وسافر إلى الري أيضًا وإلى بغداد،[٤]ولعلَّ أبرز مراحل حياته العلمية هي الفترة التي التزم فيها مع شيخه ومعلمه محمد بن إسماعيل البخاري، والفترة التي ألَّف فيها وجمع ما جمع في صحيحه، وفيما يأتي تفصيل في هاتين المرحلتين:

علاقة الإمام مسلم بالبخاري

لازم الإمام مسلم الإمام البخاري، وكان يعظِّمه ويجلُّه ويعده قدوة في العلم، يقول محمد بن يعقوب عن الطريقة التي كان يتعامل فيها مسلم مع البخاري: "رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي البخاري يسأله سؤال الصبي"، وقد اشتدَّت علاقة مسلم بالبخاري حتَّى أنَّه لازمه مثل ظلِّه، فلمَّا زار البخاري نيسابور عام 250 للهجرة لم يفارقه مسلم أبدًا، فانتفع من علمه كثيرًا، حتَّى أنَّ الدارقطني يقول: "لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء"،ويقول ابن تيمية أيضًا: "اتفق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم في العلوم، وأعرف بصناعة الحديث، وأن مسلمًا تلميذه وخريجه، ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره"، ولا بدَّ من القول إنَّ مسلم لم يرو عن البخاري في صحيحه لأنَّه لازم البخاري بعد أنَّ أتمَّ صحيحه.[٢]

صحيح مسلم

يُعدُّ صحيح الإمام مسلم من أهم كتب علم الحديث عند أهل السنة والجماعة، وهو ثالث الكتب من حيث الصدق بشكل مطلق بعد القرآن وصحيح البخاري، ويضم صحيح مسلم جميع أبواب الحديث كالعقيدة والأحكام والآداب والمناقب والتاريخ وغيرها،[٦]وقد توخَّى الإمام مسلم الحذر في جمع الأحاديث في هذا الكتاب، فم يجمع إلَّا الصحيح فقط، فلم يرو المعلقات ولا الموقوفات، وقد استغرق جمع هذا الكتاب خمسة عشرة سنة من عمر مسلم، وجمع فيه ما يزيد عن ثلاثة آلاف حديث نبوي غير مكرر، وقد جمع هذه الأحاديث من بين ثلاثمائة ألف حديث كان يحفظها عنده، والله تعالى أعلم.[٧]

مؤلفات الإمام مسلم

لقد ألَّف الإمام مسلم كُتبًا كثيرة، ضاع وفُقد منها الكثير، وبقي منها اليوم عدد لا بأس به، ولعلَّ أبرز مؤلفات الإمام مسلم الموجودة اليوم: "الجامع الصحيح المعروف باسم صحيح مسلم، كتاب الكُنى والأسماء، كتاب التمييز الذي وضَّح فيه كيفية نقد الحديث عند المحدثين، وقد فُقد من كتاب التمييز جزء كبير، ومن مؤلفاته كتاب رجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين، كتاب المنفردات والوحدان، كتاب الطبقات، أو ما عُرف باسم طبقات مسلم" أمَّا كُتب مسلم التي فُقدت فهي كثيرة، ومن أبرزها: "كتاب طبقات التابعين، كتاب طبقات الرواة، كتاب العلل، كتاب أسماء الرجال، كتاب أولاد الصحابة ومن بعدهم من المحدثين، كتاب أوهام المحدثين، كتاب رواة الاعتبار، كتاب مسند حديث مالك"، والله تعالى أعلم.[٤][٨]

وفاة الإمام مسلم

بعد حياة طويلة في طلب العلم والتأليف والتصنيف، توفِّي الإمام مسلم النيسابوري في يوم الأحد، في الخامس والعشرين من رجب من عام 261 هجرية وهو ما يوافق عام 875 ميلادية، وتمَّ دفنُه في رأس ميدان زياد في نصر آباد بظاهر نيسابور، ولم يكن له في ذريته أولاد ذكور، وقد قال الإمام الذهبي في سبب وفاته: "عُقِدَ لأبى الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة، فذُكِرَ له حديثٌ لم يعرفه، فانصرف إلى منزله وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخل أحد منكم هذا البيت، فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر، فقال: قدموها إليَّ فقدموها إليه فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة فيمضغها فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث، وقال الحاكم: زادنى الثقة من أصحابنا أنه منها مات"، والله تعالى أعلم.[٤]

المراجع

  1. "ترجمة الإمام مسلم صاحب الصحيح"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "مسلم بن الحجاج"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  3. "الإمام مسلم"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج "مسلم بن الحجاج"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  5. "مسلم بن الحجاج"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  6. "صحيح مسلم"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  7. "صحيح مسلم"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  8. "مسلم بن الحجاج"، ar.wikipedia.org، 2020-05-20. بتصرّف.
5981 مشاهدة
للأعلى للسفل
×