نبذة عن الحلاج

كتابة:
نبذة عن الحلاج


من هو منصور الحلاج؟

الحلاج، هو الحسين بن منصور الحلاج، كنيته أبو المغيث، أو أبو عبد الله، وُلد في طور، جنوب إيران، في مطلع عام 244هـ/858م، وهو ذو أصل فارسي مجوسيّ، ويعدّ أحد أوائل الصوفيين، كما أنّه مؤلفٌ وشاعرٌ عباسي تبنّى الشعر الصوفي، ومعلمٌ أيضًا لمذهب التصوّف الإسلامي.[١][٢]


كان صوتًا للكثير من المسلمين الصوفيين وقضاياهم وتطلّعاتهم الصوفية السياسية، إلا أنّه كان أيضًا محطّ جدلٍ وغضب للكثير من المسلمين الآخرين كذلك، وهذا ما جعله يُدان بالهرطقة، كما أصبح بذلك شخصية إسلامية لا تُنسى عبر الأجيال.[١][٢]


حياة الحلاج المبكّرة

وُلد ونشأ الحلّاج في وسط المجتمع الفارسي في مدينة طور، ولكنّه انتقل في سنٍّ مبكرة للعيش في مدينة واسط العراقية، والتي كانت في ذلك الوقت ملتقى رئيسي ومهم للثقافة العربية والفكر العربي، وهذا ما أثرى معرفته الروحية، وعزز ذكاءه وإقباله على العلوم المختلفة، ثم انتقل بعدها إلى تستُر، في خوزستان، ليتلقّى علوم الصوفية.[١][٢]


تصوّف الحلاج

يعتبر مصطلح التصوّف من المفاهيم الدخيلة إلى الثقافة الإسلامية، وقد جُبل بدايةً على مفهوم الزهد وتزكية النفس عن الآثام والشهوات، ولكن، سرعان ما تغلغلت فيه أفكار ومعتقدات فلسفية كثيرة، ويمكننا القول أنّ الحلاج هو من تبنّى التصوّف كمذهب ديني، وفلسفي، وروحاني، وقد كانت قصّته كالآتي:


كيف كانت بداية تصوّف الحلاج؟

انجذب الحلاج إلى أسلوب الحياة الزاهد في عمر مبكّر، وبدأت تظهر عليه ملامح التصبّغ الصوفي، والتقلّب المذهبي، وبدأت أبعاده أبعاده الفكرية والعقدية والثقافية تنزاح عن المسلك الطبيعي والمتعارف عليه.[١][٢]


رغم صغر سنّه، إلا أنه بدأ في حفظ القرآن عن ظهر قلب، وانغمس في معانيه وآياته الكريمة بعمق شديد، كما كان يبحث عن الصّحبة من مشايخ الصّوفية الذي يجدهم مع رفقتهم المزيد من علوم الدين والصوفية، مثل أساتذته سهل التستري، وعمر بن عثمان المكّي، وأبو القاسم الجُنيد.[١][٢][٣]


كيف تعمّق الحلاج بالصوفية؟

فتّش الحلّاج عمّن يتلقى العلم عنده، فسافر إلى تستُر، المدينة الخوزستانية، وتتلمذ على يد سهل التستري، أحد أهم مشايخ الصوفية، ثم انتقل في ترحاله وبحثه عن العلم إلى مدينة البصرة العراقية، ليتلقى العلم على يد الماركي في البصرة، ثم أنهى تعليمه على يد الجُنيد في بغداد.[١][٢][٣]


لم يتوقّف الحلّاج عن السفر بعد، فقد كان كثير الترحال، وسافر إلى بلاد كثيرة منها مكة وخراسان والهند، وكانت رحله تقوم على نشر الوعظ وتدريس الدين أولاً، والتأليف الأدبي والشّعري أيضًا، فقد حجّ أول مرة إلى مكّة، وغاب عامًا كاملاً فيها، ثم عاد إلى فارس وخوزستان وخراسان، واستمر في نشر علوم الدين والتصوف.[١][٢][٣]


كيف بدأ منهج الحلاج الصوفي؟

بعد دراسة الحلاج للصوفية، رجع إلى بغداد، واستقرّ فيها، وابتدع منهجًا كاملاً بمعالم صوفية واضحة يتمحور حول الحب الإلهي الخالص، والذي من أجله يسعى إلى تطهير النفس من الأدران، وتخليتها من هموم الدنيا، والتزام الأوراد والأذكار.


على ماذا بُنيت صوفية الحلاج؟

تخلّل منهج الحلّاج متعقدات رئيسية متعددة في قضايا مهمة، مثل الألوهية، والتي وصفها بالحلول والاتحاد، فقد صرّح أكثر من مرة بادعائه الألوهية، والنبوّة، وتكلّم عن اللاهوت والناسوت، وانقاد في بعض أفكاره نحو التناقض، فقد آمن بالتوحيد والشرك في آنٍ واحد.


كيف أثارت عقيدة الحلّاج الجدل؟

أولاً، من المنحى الديني والعقائدي، تلقّى الحلّاج انتقادات كبيرة لادّعائه النبوّة والألوهية، فقد أظهر في كثير من أشعاره وكلامه توضيحًا صريحًا لاتحاد البشرية في الألوهية مع الله تعالى، وأن وجوده ووجود الألوهيَّة صار واحدًا، فقد قال: توحيد توحيدي، وعصيانك عصياني.[١][٢][٣]


ولكنّ سرعان ما تبيّن أنّه كان يقع الحلاج في أخطاء كان سببها ضمير المتكلم والذي يستخدمه دون وعي منه، فيضطر بعد ذلك لإنكار بعض أقواله فيقول: من ظن أن الألوهيَّة تمتزج بالبشريَّة، أو البشريَّة تمتزج في الألوهيَّة فقد كفر، فإن الله تعالى تفرد بصفاته وذاته، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء، وكيف يتصور الشبه بن القديم والحديث، وكما يقال، فإنّ شعراء الصوفيَّة يشطحون في ضمير المتكلم دون وعي وإدراك منهم، فيقع وقتها اللبس على المتلقي.[١][٢][٣]


كما يُقال أن أبو بكر بن ممشاذ قد قال أنه ذات مساء تم تفتيش بعض الرجال فوجدوا في مخلاتهم كتابًا للحلاج عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان، فسُئل الحلاج عن ذلك، فأقر أنه كتبه، فقالوا له: كنت تدعي النبوة وأصبحت تدعي الألوهية؟ فقال: لا ولكن هذا عين الجمع عندنا، هل الكاتب إلا الله وأنا واليد آلة؟[٤]


إن أقوال الحلاج المثيرة للجدل والانتقاد أدّت إلى نفور الكثير من معاصريه من عقيدته، ودفعهم إلى مجابهته في سبيل الحكم عليه وعلى فكره وخُلُقه، ومن الأمثلة على أقوال مُعارضيه، قال أبو بكر الصولي: "قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلًا يتعاقل، وغبيًا يتبالغ، وفاجرًا يتعبد"[٤]


ثانيًا، من المنحى السياسي، بُني منهج الحلاج الصّوفي على الجهاد في سبيل إحقاق الحق، ولكنّه لم يتخذ في ذلك مسلكًا فرديًا بين المتصوّف والخالف، بل جعله جهادًا ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع، وكانت لهذه العقيدة التأثير على السلطة السياسية الحاكمة في ذلك الوقت، وبسبب تلك الأفكار جادله الفقهاء والقضاة في آرائه، واتّهموه في فسادها.


أشعار الحلاج الصوفية

كتب الحلاج قصائد كثيرة أغلبها كان من نوع الشعر الصوفي، والذي يتحدث عن العشق الإلهي، وعبَّر في شعره عن الفلسفة الوجوديَّة أنَّ الله في كل مكان، وحملت أشعاره أفكاره وعقيدته، فكانت تدور حول الزهد والتقى وحُب الإله، وبذلك اتسم بلغته الخاصة، ومن أشعاره:


قصيدة رأيت ربي بعنين قلبي

رَأَيتُ رَبّي بِعَنينِ قَلبي

فَقُلتُ مَن أَنتَ قالَ أَنتَ

فَلَيسَ لِلأَينِ مِنكَ أَينٌ

وَلَيسَ أَينٌ بِحَيثُ أَنتَ

وَلَيسَ لَلوَهمِ مِنكَ وَهمٌ

فَيَعلَمُ الوَهمُ أَينَ أَنتَ

أَنتَ الَّذي حُزتَ كُلَّ أَينٍ

بِنَحوِ لا أَينٍ فَأَينَ أَنتَ

فَفي فَنائي فَنا فَنائي

وَفي فَنائي وُجِدتَ أَنتَ

في مَحو اِسمي وَرَسمِ جِسمي

سَأَلتُ عَني فَقُلتُ أَنتَ

أَشمارُ سِرّي إِلَيكَ حَتّى

فَنَيتُ عَنّي وَدُمتَ أَنتَ

أَنتَ حَياتي وَسِرُّ قَلبي

فَحَيثُما كُنتُ كُنتَ أَنتَ

أَحَطتَ عِلماً بِكُلِّ شَيءٍ

فَكُلُّ شَيءٍ أَراهُ أَنتَ

فَمُنَّ بِالعَفوِ يا إِلَهي

فَلَيسَ أَرجو سِواكَ أَنتَ


قصيدة يا نسيم الريح قولي للرشا

يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا

لَم يَزِدني الوِردُ إلا عَطشا

لي حَبيبٌ حُبُّهُ وَسطَ الحَشا

إِن يَشَأ يَمشي عَلى خَدّي مَشى

روحُهُ روحي وَروحي روحُهُ

إِن يَشَأ شِئتُ وَإِن شِئتُ يَشا


قصيدة عجبت منك ومني

عَجِبتُ مِنكَ وِمنّي

يا مُنيَةَ المُتَمَنّي

أَدَنَيتَني مِنكَ حَتّى

ظَنَنتُ أَنَّكَ أَني

وَغِبتُ في الوَجدِ حَتّى

أَفنَيتَني بِكَ عَنّي

يا نِعمَتي في حَياتي

وَراحَتي بَعدَ دَفني

ما لي بِغَيرِكَ أُنسٌ

إِذ كُنتَ خَوفي وَأَمني

يا مَن رِياضُ مَعاني

هِ قَد حَوَت كُلَّ فَنِّ

وَإِن تَمَنَّتُ شَيئاً

فَأَنتَ كُلُّ التَمَنّي

نهاية الحلاج

قُتل الحلّاج بثبوت القرار عليه بالكفر والزندقة من قِبل القاضي أبو عمر محمد بن يوسف المالكي، وذلك في سنة 309هـ في بغداد، ولما ذُهب به إلى القتل كان قد قال لأصحابه: لا يهولنكم هذا، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يومًا، فقتل ولم يَعد.[٤][٥]


ويوم مقتله كان الحلاج مشدودًا على الصليب الخشبي، وقبيل حزَّ رقبته، نظر إلى السماء وقال أشعارًا مناجيًا بها لله تعالى، مثل قوله "أعرف من طلب رأسي، وأنا أقبله" وكانت النزعة الصوفية فيه تشير إلى أن المشنقة هي بُشرى واعدة باتحاده مع الألوهية، الذي لا يمكن تحقيقه إلا بالموت.[٤][٥]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "al-Ḥallāj Islamic mystic", britannica, Retrieved 18/10/2023. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "الحلاّج: حقيقتُه وما هو عليه"، مركز سلف للبحوث والدراسات بإشراف د. محمد بن إبراهيم السعيدي، اطّلع عليه بتاريخ 18/10/2023. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج "الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ) بتأليف طه عبد الباقي سرور"، مكتبة هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 18/10/2023. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ابن كثير ، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، البداية والنهاية، صفحة 827. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "Execution of Husain Ibn Mansur Al-hallaj", themorgan, Retrieved 18/10/2023. Edited.
6622 مشاهدة
للأعلى للسفل
×