نبذة عن الخنساء

كتابة:
نبذة عن الخنساء

الرثاء في الشعر

كثيرة هي أغراض الشعر العربي المعروفة بين الناس، ولعلّ أشهرها الرثاء والمديح والغزل والهجاء وغيرها، والرثاء على وجه الخصوص لا يمكن أن يذكر إلَّا وذكر الخنساء معه، فالخنساء الشاعرة الجاهلية جسَّدتْ ومنحت الهجاء أقصى مكانة مستحقة بين شعراء العرب، فرثاؤها لأخيها صخر ومن فقدت من أهلها، والرثاء هو أن يقوم الراثي بتعداد خصال المرثي أو الميت الحميدة مع البكاء والتأسِّي على فقده، ومن الصفات التي كانت تحددها العرب الكرم والشجاعة والعفة والعدل، وفيما سيأتي من هذا المقال سيتم أخذ نبذة عن الخنساء أبرع شعراء العرب في الرثاء.

نبذة عن الخنساء

من البَدَهَيِّ أن يتمَّ الحديث عن نسب الخنساء عند أخذ نبذة عن الخنساء الشَّاعرة الجاهلية، وهي أم عمرو، تُماضِر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، من بني رِياح، ثم من بني سليم، لُقِّبت بالخنساء بسبب ارتفاع أرنبَتَيْ أنفها، ولدت الخنساء عام 575م، وهي أشعر شواعر العرب في العصر الجاهلي والإسلام، قال عنها النابغة الذبياني: "الخنساء أشعر الجن والإنس"، وتقول بعض الروايات إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان شديد الإعجاب بشعر الخنساء أيضًا، تزوجتِ الخنساء رواحة بن عبد العزّى السّلمي فأنجبت له أبا شجرة، وتزوجت مرداس بن أبي عامر السّلمي فأنجبت له زيد ومعاوية وعمرو وعباس ويزيد وعمرة.[١]

وفي عام 612م، قُتل ابنا أخيها معاوية، فحرَّضتِ الخنساء أخاها صخرًا للثأر، وفي حروب الثأر قُتل صخر عام 615م، فبكته بكاءً شديدًا حتَّى أصيبت بالعمى من فرط بكائها على أخيها، وقد اسلمت الخنساء فيما بعد، وقد خرج أولادها الأربعة للجهاد وهم: عمرة وعمرو ومعاوية ويزيد، وقد استشهدوا جميعًا في معركة القادسية، وقد توفِّيت الخنساء عام 645م، تاركة وراءها نتاجًا شعريًا عظيمًا ما زال الناس يتداولونه حتى الوقت الحالي.[٢]

إسلام الخنساء

لقد دخلتِ الخنساء الإسلام في العام الثامن للهجرة، وهو العام الموافق لعام 630م، حيث أسلمت مع قومها من بني سليم حين وفدوا على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ودخلوا في الدين الجديد، وقد جاء في الأثر أنَّ الخنساء حرَّضت أبناءها الأربعة على الخروج في الجهاد وكان هذا عام 16 للهجرة وهو ما يوافق عام 638م.[٣]

إذ قالت لهم: "يا بنيَّ! إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنَّكم لبنو رجل واحد، كما أنَّكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدَّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أنَّ الدَّار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[٤]، فإذا أصبحتم غدًا -إن شاء الله- سالمين؛ فاغدوا إلى قتال عدوِّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمتْ لظًى على سياقِها وجللتْ نارًا على أوراقها، فتيمَّموا وطيسَها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة"، والله أعلم.[٣]

وفاة الخنساء

بعد ما يزيد على سبعين عامًا من التعب والشقاء، قضت معظمها في الجاهلية وقليلها في الإسلام، ماتت الخنساء -رضي الله عنها- مسلمة صحابية من صحابيات رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في عام 24 للهجرة، وهو ما يوافق عام 645م، وقد أدركتِ الخنساء نصر الإسلام في حياتها، وقد اشتهرت الخنساء شهرة كبيرة، بداية ببكائها ورثائها أخاها صخرًا ورثائها سادات مُضر، ثمَّ باستشهاد أبنائها الأربعة، وقد خصَّص لها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في فترة خلافته مئتي درهم عن كلِّ ولد من أولادها الذين استشهدوا في القادسية، إلى أن توفِّي -رضي الله عنه- والله أعلم.[٣]

شعر الخنساء

في نهاية ما جاء من نبذة عن الخنساء الشاعرة الجاهلية التي أدركتِ الإسلام فكانت من المخضرمين، لا بدَّ من المرور على بعض أشعار هذه الشاعرة الكبيرة التي مدحها النابغة والتي طاولت كبار فحول العرب من الجاهليين والإسلاميين، وفيما يأتي بعض أشعار الخنساء رضي الله عنها:

  • تقول الخنساء في إحدى قصائدها:[٥]

يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا؟

اِذْ رابَ دهرٌ وكانَ الدّهرُ ريَّابا

فابْكي أخاكِ لأيْتامٍ وأرْمَلَةٍ

وابكي أخاكِ إذا جاورتِ أجنابا

وابكي أخاكِ لخيلٍ كالقطا عُصبًا

فُقدْنَ لمَّا ثوى سِيبًا وأنهابا

يعدُو بهِ سابحٌ نهدٌ مراكلهُ

مجلببٌ بسوادِ الَّليلِ جلبابا

حتى يُصَبّحَ أقوامًا، يُحارِبُهُمْ

أوْ يُسْلَبوا -دونَ صَفّ القوم- أسلابا

هو الفتى الكامِلُ الحامي حَقيقَتَهُ

مأْوى الضّريكِ اذّا مَا جاءَ منتابَا
  • وتقول الخنساء أيضًا:[٦]

كُلُّ اِمرِئٍ بِأَثافي الدَهرِ مَرجومُ

وَكُلُّ بَيتٍ طَويلِ السَمكِ مَهدومُ

لا سوقَةٌ مِنهُمُ يَبقى وَلا مَلِكٌ

مِمَّن تَمَلَّكَهُ الأَحرارُ وَالرومُ

إِنَّ الحَوادِثَ لا يَبقى لِنائِبِها

إِلّا الإِلَهُ وَراسي الأَصلِ مَعلومُ

وَقَد أَتاني حَديثٌ غَيرُ ذي طِيَلٍ

مِن مَعشَرٍ رَأيُهُم قِدمًا تَهاميمُ
  • ومن شعر الخنساء أيضًا:[٧]

يا عينُ فِيضي بدَمْعٍ منكِ مِغْزارِ

وابكي لصخرٍ بدمعٍ منكِ مدرارِ

إنّي أرقتُ فبتُّ الَّليلَ ساهرةً

كأنَّما كحلتْ عيني بعوَّارِ

أرعى النُّجومَ وما كلّفتُ رعيتها

وتارَةً أتَغَشّى فضْلَ أطْمارِي
  • وتقول الخنساء أيضًا:[٨]

أَرِقتُ وَنامَ عَن سَهَري صِحابي

كَأَنَّ النارَ مُشعِلَةٌ ثِيابي

إِذا نَجمٌ تَغَوَّرَ كَلَّفَتني

خَوالِدَ ما تَؤوبُ إِلى مَآبِ

فَقَد خَلّى أَبو أَوفى خِلالًا

عَلَيَّ فَكُلُّها دَخَلَت شِعابي
  • ومن شعر الخنساء أيضًا:[٩]

بَكَتْ عَيْني وعاوَدَها قَذاها

بعوَّارٍ فما تقضي كراها

على صَخْرٍ، وأيّ فتًى كصَخْرٍ

إذا ما النّابُ لم تَرْأمْ طِلاها

فَتى الفِتْيانِ ما بَلَغوا مَداهُ

ولا يَكْدَى إذا بلغَتْ كُداها

حلفتُ بربِّ صهبٍ معيلاتٍ

إلى البيتِ المحرَّمِ منتهاها

المراجع

  1. "الخنساء"، www.al-hakawati.la.utexas.edu، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019. بتصرّف.
  2. "الخنساء"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت "الخنساء"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019. بتصرّف.
  4. سورة آل عمران، آية: 200.
  5. "يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا؟"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019.
  6. "كل امرئ بأثافي الدهر مرجوم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019.
  7. "يا عين فيضي بدمع منك مغزار"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019.
  8. "أرقت ونام عن سهري صحابي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019.
  9. "بكت عيني وعاودها قذاها"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-07-2019.
6885 مشاهدة
للأعلى للسفل
×