نبذة عن عبد الرحمن الجبرتي

كتابة:
نبذة عن عبد الرحمن الجبرتي

عبد الرحمن الجبرتي

هو المؤرخ المصري الشهير عبد الرحمن بن الشيخ حسن برهان الدين الجبرتي، كان جدُّ عبد الرحمن الجبرتي قد هاجر من قرية جبرت التي تقع في أرتيريا في الوقت الحالي إلى مدينة القاهرة من أجل الدراسة ثمَّ استقرَّ بها، ويرى البعض أنَّ نسب أجداده يرجع إلى بني هاشم وكانوا قد نزحوا من الجزيرة العربية إلى أرتيريا والصومال ومصر، وقد عاصر عبد الرحمن الجبرتي الحملة الفرنسية على مصر في أواخر القرن الثامن عشر، ودوَّن في كتابه الشهير عجائب الآثار في التراجم والأخبار وصفًا دقيقًا لتفاصيل تلك الحقبة من تاريخ مصر،[١] ، وذكر بعض النسابين أنَّ والد الجبرتي عقيلي هاشميٌّ، ولكن لم يُذكر مصدر ذلك النسب، كما يُذكَر أنَّ أجداده نزحوا من بلاد الحبشة إلى اليمن ثمَّ عادوا إلى إرتيريا ثمَّ أخيرًا إلى القاهرة في مصر،[٢] وفي هذا المقال سيدور الحديث حول حياة المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي وموقفه من الحملة الفرنسية على مصر وقيمة مدوناته وذكرِ وفاته.

حياة عبد الرحمن الجبرتي

ولدَ المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في عام 1754م في القاهرة، في بيت عامرٍ بالأدب والدين والعلوم،[٣] فقد كان والده الشيخ حسن بن إبراهيم بن حسن بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الجبرتي العقيلي الهاشمي أحد أهم العلماء في الأزهر وقد كان متخصِّصًا في الفلك والرياضيات ويقوم بالتدريس فيه وفي مدرسة السنانية في بولاق، وأحد التجار الأثرياء وينتمي إلى طبقة الملاك فيها، وكان عبد الرحمن الذكر الوحيد الذي عاش من أبناء االشيخ حسن الذكور فاهتمَّ به كثيرًا لما وجدَ من فهم عميق وذكاء ورجاحة في العقل، فقد حفظَ عبد الرحمن الجبرتي وهو في الحادية عشرة من عمره القرآن الكريم، كما حفظ عدد كبير من الأحاديث والأخبار والروايات التي كان يقصُّها والده على العلماء والمشايخ الذين يجتمعون في منزل والده بشكل مستمر، ثمَّ أولاه والده اهتمامًا أكبر وصار يروي أخبار العلماء والولاة وحوادث العصر وغير ذلك، وكان عند والده مكتبة كبيرة زاخرة بالكتب والمخطوطات كانت بمثابة عظيم وملجأ للجبرتي نهل منها علومه.[٤]

بعد وفاة والده تابع الجبرتي دراسته في الأزهر ودرس اللغة والفقه وتخرج منه، ثمَّ انكبَّ على مكتبة والده ينهل من مختلف العلوم وخصوصًا الحساب والهندسة والفلك، ثمَّ بدأ يعقد حلقات تدريس كعادة علماء الأزهر في ذلك الوقت، وفي هذه الفترة بدأ يكتشف ويطلع على أخلاق وأخبار العلماء، ولم يكن يشعر بالرضا عن أخلاق وأعمال زملائه وربما هذا ما دفعه للخوض في مجال النقد والتحليل الذي مارسه في كتابة تراجم الرجال، كان عمر الجبرتي 21 عامًا عندما بدأ يتنقل في أنحاء مصر للتعرف على مواقع المدن ويكون على تواصل مع العلماء والكبار فيها، وليتمكَّن من التعرف على تفاصيل وطبيعة الحياة التي يعيشها الناس في القرى والأرياف، وقد ساعدته ثروته على تلك الرحلات الطويلة بالإضافة إلى رغبته في الاطلاع والمعرفة التي شكَّلت له دافعًا دائمًا في سبيل المعرفة، وكان على اطلاع كبير بأخبار العباد والبلاد ما جعله دقيقًا وصادقًا في أحكامه وفي تحليل الأمور.[٥]

موقف الجبرتي من الحملة الفرنسية على مصر

كان الجبرتي مشغولًا بجمع الأخبار وتدوينها عندما وقعت الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798م وكان عمره وقتها 44 عامًا، فلم ينقطع خلال تلك الفترة عن تسجيل الأحداث بما فيها رصد تحركات الفرنسيين وأقوالهم وأعمالهم كلها، وقد كان من أكثر المؤرخين والعلماء دقة في تدوين الملاحظات حول نظام حياة الجنود الفرنسيين وما يتعلق بهم، وقد انقسمت ملاحظاته إلى قسمين: ملاحظات سياسية وهي التي تتناول نظام الحكم المُتَّبع من قبل الفرنسيين وتقاريرهم ومنشواراتهم وتحركاتهم وغير ذلك، واجتماعية انصبَّ فيها اهتمامه على المشاهدات الشخصية والأحداث التي عايشها بنفسه والتجارب العملية، في تصوير طبيعة حياة الفرنسيين، فكان تارةً معجبًا بهم وتارةً ساخطًا على بعض تصرفاتهم، وقد كان الجبرتي دائمَ التردُّد على العديد من المنشآت الفرنسية في مصر، وكانت له لقاءات كثيرة مع رجالهم هناك، وكان هذا سببًا لما جمعه من خبرات ومعرفة عن أحوالهم، وبسبب احتكاكه ذاك أصبح عضوًا في الديوان الوطني الذي أسسه الجنرال مينو، إلا أنَّ الجبرتي تلقى العديد من النقد والاتهامات بسبب موقفه الودي مع الفرنسيين، فقد اتَّهمه المصريون بتعاونه مع فرنسا وإعلان الولاء لهم، كما اتَّهمه الفرنسيون بتعصبه ووقوفه في وجه المظاهر الحضارية الحديثة التي كانت فرنسا تدعي تقديمها لمصر والعالم الإسلامي.[٤]

قيمة مدونات الجبرتي التاريخية

لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الفترة التي عايشها الجبرتي هي فترة انتقال مصر من مرحلة العصور الوسطى إلى مرحلة العصر الحديث، وقد بدأت حركة التأليف في مصر به، وتميزت تلك الفترة بكثير من الاضطرابات والتغيرات، شملت آواخر حكم الدولة العثمانية والحملة الفرنسية على مصر وقرابة عشرين عامًا من حكم محمد علي باشا، وهذه المرحلة تعدُّ المرحلة التي تفصل بين عصور الركود والتخريب والهدم وعصور الإنشاء والتجديد والنهضة، وفيما يأتي بعض النقاط التي تبيِّن قيمة مدونات الجبرتي التاريخية:[٦]

  • تعدُّ أعمال الجبرتي ومؤلفاته وثائق تاريخية ذات أهمية كبيرة وفريدة من نوعها في تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي، فقد كان الجبرتي يحمل بين جوانبه صورًا مفصلةً عن الحياة الاجتماعية لأهل مصر بتفاصيلها.
  • تنبع قيمة مدوناته وما كتبه من كونه عاصر أكثر الأحداث التي كتب عنها وشارك في بعضها وعاينها بنفسه، وتابع بعضها وذلك من خلال علاقاته الكثيرة واتصالاته مع الجهات الرسمية في ذلك الوقت.
  • يعود الفضل للجبرتي في تدوين تاريخ مصر في تلك الفترة بما فيها من حوادث وتراجم رجال، فحفظ حوادث وأخبار تلك الحقبة شديدة الاضطراب.
  • اعتمدَ أسلوب الجبرتي على التجرُّد والحيادية والصدق في كل ما كتب، فكتب بلا عاطفة ولا ميل لأي حادث أو خبر أو طرف، فهو يعاين الأخبار ويستطلع ويجمع عنها ثمَّ يدونها دون شعور أو إحساس خاص به.
  • بساطة أسلوبه وعدم تفاخره بأعماله وبنفسه.
  • اتَّبع الجبرتي في كتابته طريقة اليوميات والحوليات مع إفاضة في التفاصيل والمتعة والدقة.

كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار

يعدُّ كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار من أهمِّ الكتب التاريخية في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر الهجري في العصور المتأخرة للمؤرخ عبد الرحمن الجبرتي،[٧] والتي توافق تقريبًا القرن الثامن عشر الميلادي والذي يليه، ويمكن اعتباره المصدر الوحيد الذي تناول أحداث تلك المرحلة بصدق ودون تحيُّز أو محاباة لأي شخص أو حاكم، ويقول عبد الرحمن الجبرتي ملخصًا فكرة الكتاب ومواضيعه في مقدمة الكتاب: "إنِّي كنت سودت أوراقًا في حوادث آخر القرن الثاني عشر وما يليه من أوائل الثالث عشر الذي نحن فيه، جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محَن أدركناها وأمور شاهدناها، واستطردت في ضمن ذلك سوابق سمعتها ومن أفواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الأعيان المشهورين من العلماء والأمراء المعتبرين، وذكر لمع من أخبارهم وأحوالهم وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم فأحببت جمع شملها وتقييد شواردها في أوراق متسقة النظام مرتبة على السنين والأعوام ليسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد ما يرومه من المنفعة"، ومن المؤكد أنَّه استغرق وقتًا طويلًا في تدوين هذا الكتاب، فيما يخصً البحث عن المراجع وتدوين الأسماء والمعلومات عنها، حيثُ بدأ بالمشايخ ثم من يليهم الذين اشتهروا بالفقه والعلوم العقلية والنقلية والأدب والشعر وغيرها، وممن ساعده في العمل صديقه الشهير إسماعيل الخشاب وكان مشهورًا بالأدب والعلم.[٨]

وقد كان الكتاب شاهدًا على حوادث تاريخية هامَّة في تلك المرحلة من تاريخ مصر أهمها الحملة الفرنسية على مصر والسنوات التي تلتها، بالإضافة إلى التراجم التي تناولها بدقة وموضوعية وإسهاب، بدايةً من فتح السلطان سليم العثماني لمصر وانتهاء بمنتصف مرحلة حكم محمد علي باشا تقريبًا، وقد رتَّبه ونسَّقه على شكل أحداث ووقائع يومية، ويعدُّ تكلمةً لكتاب تاريخ ابن إياس والذي هو بدوره يعدُّ تكملةً لكتاب تاريخ المقريزي الشهير،[٩] وقد كانت لغة الجبرتي وتراكيبها وبدائعها وأسلوبه في الكتابة متميزةً بقدر تميِّز أسلوبه الرصين في سبك الأحداث وصدقها ودقتها، واحتاجت إلى وقت طويل أيضًا لإتقانها، ولكنَّ الكتاب يعدُّ مسودات لم يتسنَّ له مراجعتها وتهذيبها، ولو استطاع ذلك لأضاف إلى صناعة التاريخ بكتابته صناعة الكتابة المتميزة.[١٠]

ويرجع دافع الجبرتي في القيام بذلك العمل هو الغموض الذي كان يكتنف المئة سنة الماضية عليه، تقريبًا من عام 1070 وحتى 1170 للهجرة، فهي السنوات التي سبقت حياته، فحرص على أن يأخذ الأسماء من الدواوين الرسمية، وأمَّا بعد تلك الفترة فهي المرحلة التي عاشها وشاهدها بنفسه فهي هينةٌ عليه، فكان يعاين المقابر ويأخذ الأخبار من أقرباء الموتى ويراجع أوراقهم، ويتواصل مع المعمرين ويسألهم عمن يعرفونهم، فقد كان دقيقًا جدًّا لا يكتب عن حادثة إلا بعد التأكد من صحتها، وكان أحيانًا يؤخر التدوين من أجل الإحاطة بمصادر تصحح الحادثة عن طريق الشهادات أو التواتر، وقد نال كتابه ثناءً بالغًا من قبل الحكام الأتراك والناس على حدٍّ سواء، وقام الوزير العثماني بنقل الكتاب إلى الآستانة وقام بعرضه على سلطان العثمانيين سليم الثالث الذي أمرَ مصطفى بهجت كبير الأطباء بنقل الكتاب إلى اللغة التركية وتمَّ هذا الأمر في عام 1807م، ونتيجة ذلك التكريم عملَ الجبرتي جاهدًا على جمع تاريخ مصر الذي شغَل به لأكثر من خمسة عشر سنة في مؤلَف واحد، فعزمَ على كتابة تاريخ مصر كاملًا وجعلِ كتابه مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس واحد من فصوله الرئيسة، فقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، الأول حتى أواخر عام 1189 للهجرة، والثاني حتى أواخر عام 1212 للهجرة، والثالث حتى أواخر عام 1220 للهجرة، وهو الذي أطلق عليه اسم عجائب الآثار في التراجم والأخبار والشهير بتاريخ الجبرتي، وكان قد انتهى من تدوين الأجزاء الثلاثة في عام 1822م.[١١]

وفاة عبد الرحمن الجبرتي

لقد كان المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي أحد المعارضين لحكم محمد علي باشا وانشقاقه عن الدولة العثمانية، وظلَّ الحبرتي دؤوبًا في عملية الكتابة والتدوين طيلة حياته حتَّى عام 1237 للهجرة، فقد وقعت على رأسه مصيبة لم تكُن في الحسبان بعد أن قُتِل ولده خليل، وقد قصمت هذه الفاجعة ظهر الجبرتي وهدَّته هدًّا، واختلفت الأقاويل في سبب وظروف مقتل ولده خليل، حيث ذُكرَ أنَّ السبب هو موقفه الذي تبنَّاه ضدَّ حكم محمد علي باشا وموقفه ضدَّ ثورته على العثمانيين، ورويَ أنَّ محمد علي باشا كان قد أمرَه بتأليف كتاب في مدحه والحديث عن أعماله لكنَّ الجبرتي رفض هذا الأمر، وهدَّده إذا لم يكتب وينصاع للأمر لكنَّ الجبرتي رفض مرةً أخرى، ما زاد نقمة محمد علي باشا عليه ودفعه للقيام بقتل ولده خليل، ومنذ تلك الحادثة والجبرتي تزداد حالته الصحية سوءًا، فقد أهلكته تلك الحادثة وفطرت فؤاده، فلم يعُد يملك القدرة على متابعة كتابه التاريخي الشهير، ولم يعد قادرًا على استكمال مسيرة التدوين التي بدأها قبل سنين طويلة من حياته، وكان حزنُه وألمه على فراق ولده شديدًا وظلَّ يبكيه حتى ذهب بصره، وعند ذلك امتنع عن الكتابة نهائيًّا، والتزمَ بيته لا يكتب ولا يقرأ ولا يتابع الأخبار ولا الحوادث التي تدور حوله في مصر، إلى أن ضعُفَ جسمه وتدهورت صحته وتوفي في عام 1240 للهجرة الموافق لعام 825م بعد مقتل ابنه بثلاث سنوات تقريبًا.[١٢]

المراجع

  1. "عبد الرحمن الجبرتي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-10. بتصرّف.
  2. عليان جالودي، التحولات الفكرية في العالم الإسلامي: أعلام، وكتب، وحركات، وأفكار من القرن، صفحة 319. بتصرّف.
  3. "الجبرتي"، shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "عبد الرحمن الجبرتي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  5. "عبد الرحمن الجبرتي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  6. "الجبرتي وكتاباته في تاريخ مصر الحديث"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  7. "أهم الكتب التاريخية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  8. "عجائب الآثار في التراجم والأخبار "، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  9. "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار"، www.noor-book.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  10. حسين عاصي، عبد الرحمن الجبرتي، صفحة 131. بتصرّف.
  11. "عجائب الآثار في التراجم والأخبار "، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 27/07/2020. بتصرّف.
  12. "عبد الرحمن الجبرتي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
5985 مشاهدة
للأعلى للسفل
×