محتويات
عمر بن أبي ربيعة
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة شاعر مخزومي قرشي في أصله، وهو من مواليد عام 23 للهجرة والموافق 644 للميلاد، واشتُهر عمر بن أبي ربيعة أنه لم يكن في كل قريش شاعر أشعر منه، له أكثر من كنية منها أبو الخطاب وأبو حفص وأبو بشر، ويُطلق عليه لقب المغيري نسبة إلى جده المغيرة، ومما يجدر ذكره أن عمر بن أبي ربيعة وُلد في العام نفسه الذي مات فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولذلك سُمي على اسمه، وبعدها قال الناس زهق الحق وظهر الباطل، وذلك لما بين الشخصيتين من اختلاف، فعمر بن الخطاب معروف بورعه وتقاه، بينما كان عمر بن أبي ربيعة ذا نزعة تحررية في شعره، وقد نشأ على الترف واللهو والتسلية، وكان يكثر من حضور مجالس الطرب واللهو، ويطلب الحسن والجمال في وجوه االملاح الجميلات في مكة والمدينة والطائف وغيرها، وقد اشتهر في هذه المجالس أنه من الفرسان الأبطال المجليين.[١]
سيرة عمر بن أبي ربيعة
ورد عن الشاعر عمر بن أبي ربيعة أنه كان وسيمًا جميلًا حسن المحيا، إضافة إلى أنّه ذا جاه ونسب ومكانة، وأنه عاش حياة مترفة مدللة، حتى إنّ والده كان من أثرياء قريش؛ إذ كان يكسو الكعبة عامًا، وقريش تكسوها عامًا، والده قبل الإسلام كان اسمه بحيرة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- سماه عبدالله، وجعله واليًا على إحدى ولايات اليمن واسمها الجَند، أما والدته فقد كانت سبية من حضر موت واسمها مجد، ونشأ الشاعر عمر بن أبي ربيعة بين أحضان أمه، وعمل في مساعدتها على إدارة أملاك والده وتدبير شؤونها، ومما يجدر ذكره أن قضاء عمر بن أبي ربيعة لأغلب وقته مع والدته أتاح له الاختلاط بالنساء، ورؤية الجواري بكثرة، أما عن زواجه فقد تزوج من كلثم بنت سعد المخزومية والتي أنجبت له ولدين قبل موتها، وبعدها تزوج من زينب بنت موسى الجمحية وأنجبت له ابنه بشرًا.[٢]
عاصر عمر بن أبي ربيعة العصر الأموي، وقضى جل حياته يتنقل ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى تردده إلى اليمن والشام والعراق، وإن الفترة التي عاش فيها عمر بن أبي ربيعة اتسمت بالبعد عن الأمور السياسية، ولذلك كان الشباب لديهم فراغ سياسي، وكانوا يقضون أوقاتهم باللهو وحضور مجالس الطرب والغناء، وكذلك الأمر عند عمر بن أبي ربيعة فلم يكن يشعر بالقلق أو الخوف أو عدم الأمن، إلا عندما تم نفيه من قِبل عمر بن عبد العزيز إلى جزيرة دهلك في فترة توليته على مكة، ومما تميز به أنه لم يكن مادحًا للرجال في شعره، بل اقتصر شعره على مدح النساء، ووصف جمالهن، والتغني بوسامته وطلعته البهية، وفي الحديث عن وفاة عمر بن أبي ربيعة روايات عدة، فالبعض يقول إنه خرج ذات يوم في الصحراء، وهبت رياح قوية فأوى إلى شجرة يحتمي بها، فضربه غصن من أغصانها وأردى به ومات، ورواية أخرى تقول إنه خرج في البحر غازيًا، وأُحرقت سفينته واحترق هو، ومات شهيدًا، وروايات تقول إنه مات موتًا طبيعيًا عن عمر يناهز السبعين وذلك في عام 93 للهجرة.[٢]
مسيرة عمر بن أبي ربيعة الأدبية
كان الشاعر عمر بن أبي ربيعة من طبقة جرير والفرزدق، وإن الاطلاع على المسيرة الشعرية لعمر بن أبي ربيعة يؤكد مدى شغفه بمدح النساء، والتشبيب بهن، ورواية مواقفه الطريفة معهن، فقد كان عمر بن أبي ربيعة ينتظر موسم الحج، ليلبس أفضل ما عنده، ويتحلى بأفخم الحلي والمجوهرات، وينتظر النساء القادمات للحج من الشامِ والعراق واليمن، ويبدأ بملاطفتهن ومرافقتهن في الحج، ويروي قصصه ومواقفه ونوادره معهن، حتى إن سليمان بن عبد الملك سأله ذات مرة: لمَ لا تمدحنا؟ فكان جواب عمر بن أبي ربيعة أنه لا يمدح الرجال، بل يمدح النساء فقط، ومما يجدر ذكره أن عمر بن أبي ربيعة ترك ديوانًا شعريًا ضخمًا وهو كله في الغزل بالنساء ومدحهن، أو التغني بجماله ووسامته، وبضعة أبيات قليلة بالفخر، وقد يثير هذا الأمر استغراب الكثيرين من المهتمين بالنقد الأدبي، إلا أن الاطلاع على البيئة التي عاش فيها عمر بن أبي ربيعة، ورؤيته للنساء والجواري باستمرار يبين السبب وراء الاهتمام بمدح النساء في شعره، إضافة إلى ما كان عليه من ترف ولهو وثراء جعل منه يهتم بملذات الحياة ويقبل عليها، والدليل على أن البيئة كان لها أثرًا على شعره هو ما كان يذكره في شعره من التغني بجماله ووسامته وحب النساء له، وكم تتمنى الوحدة منهن أن تراه وتنظر إلى جماله، فهذا يدل على المكانة الرفيعة له واعتداده بنفسه، فكثيرًا ما وصف جماله وحسن طلعته في شعره على لسان النساء اللاتي يروي مواقفه معهن.[٣]
وأما عن حقيقة المواقف التي كان يرويها في شعره مع النساء الجميلات، وكيف كان يعترضهن في الحج فيتجنبنه أحيانًا، ويزجرنه أحيانًا، وغيرها من المواقف فقد وردت روايات أنها كانت حقيقية، وروايات أخرى قالت إنها كانت من نسج خيال عمر بن أبي ربيعة، وأكثر الروايات تقول إنه كان في شبابه غاويًا هائمًا وتاب عند المشيب وابتعد عن هذه الغواية، حتى ورد أنّه بعد توبته أقسم أن كل بيت شعر ينظمه سيعتق فيه عبدًا أو جارية، ومما ورد ويؤكد توبته أن الخليفة الوليد بن عبد الملك طلب منه إنشاد الشعر فرفض وقال إنه تاب عن قول الشعر وتركَه، ومن الأمور التي تجعل خبر توبته ممكنًا هو ما كان عليه والده من تقى وورع، إذ كان يكسو الكعبة عامًا وقريش عامًا، فهذا يدل على النشأة الدينية للشاعر عمر بن أبي ربيعة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن ما كان عليه من حب لملاطفة النساء هو طبع جُبل عليه أكثر منه أمر يفتخر به بين الناس.[٣]
وختامًا يمكن القول إن شعر عمر بن أبي ربيعة وما تركه من قصائد سواء كانت ذكريات وأخبار حصلت، أو مجرد قصص من نسج الخيال فقد تميز باللغة الجزلة، والمعاني الرقيقة، والوصف المستحسن إضافة إلى لطافة الجدل والحوار في قصائده، ومما ينبغي الإشارة إليه أن كل القصائد التي نظمها عمر بن أبي ربيعة في مدح النساء والحديث عنهن كانت تتحدث عن النساء اللواتي يماثلن عمر بن أبي ربيعة في الطبقة، فلم يتكلم عن نساء بائسات فقيرات، إضافة إلى أنه لم يكن يتغزل بأشكالهن وحسنهن بقدر ما كان يصف لباقة كلامهن، ولطف حديثهن، وطريقة الحديث الجميل الذي يخرج من أفواههن، فكان في شعره يبين كيف يعمل على إثارة اهتمام المرأة إما بالثناء أو تحريك الغيرة عندها أو حتى بالإعراض، وهذا يدل على مدى معرفته بطباع النساء وطرق تفكيرهن وكيفية لفت نظرهن واهتمامهن.[٣]
اقتباسات من شعر عمر بن أبي ربيعة
أبيات كثيرة وقصائد متنوعة تركها الشاعر عمر بن أبي ربيعة، فما رُوي أنه قضى نصف حياته في اللهو والتسلية، وجل مواقفه مع النساء نظمها شعرًا يعني أنه ترك كمًا كبيرًا من القصائد والأبيات الشعرية المميزة، فقد جمع إلى جانب جمال الشخصية، قوة اللغة وجزالة اللفظ والقدرة على نقل المواقف والأخبار بطريقة حسنة وجاذبة للقارئ، إضافة إلى أن أبياته دائمًا فيها ما يشير إلى أن النساء أيضًا كانت تراه جميلًا وحسنًا وتطلب وصله، وتخطب وده، وهذا يدل على ثقته بنفسه، وتغنيه بجماله وحسنه، ومن أشهر الأبيات الشعرية لعمر بن أبي ربيعة:
- يقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة في قصيدة له:[٤]
بَينَمـا يَذكُرنَنـي أَبصَرنَنـي
- دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر
قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتـى
- قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَـر
قالَتِ الصُغرى وَقَـد تَيَّمتُهـا
- قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَـر.
- يقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة في قصيدة أخرى له:[٥]
أيّها المنكح الثريا سهيلًا
- عمّرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
- وسهيل إذا استقل يماني.
- ويقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة في قصيدة أخرى له:[٦]
أَحِنُّ إِذا رَأَيتُ جَمالَ سُعدى
- وَأَبكي إِن رَأَيتُ لَها قَرينا
وَقَد أَفِدَ الرَحيلُ فَقُل لِسُعدى
- لَعَمرُكِ خَبِّري ما تَأمُرينا
أَلا يا لَيلُ إِنَّ شِفاءَ نَفسي
- نَوالُكِ إِن بَخِلتِ فَزَوِّدينا.
- كما ويقول الشاعر أيضًا:[٧]
حَدِّث حَديثَ فَتاةِ حَيٍّ مَرَّةً
- بِالجِزعِ بَينَ أَذاخِرٍ وَحَراءِ
قالَت لِجارَتِها عِشاءً إِذ رَأَت
- نُزَهَ المَكانِ وَغَيبَةَ الأَعداءِ
لَيتَ المُغيرِيَّ العَشيَّةَ أَسعَفَت
- دارٌ بِهِ لِتَقارُبِ الأَهواءِ.
- ويقول: [٨]
وَكَم مِن قَتيلٍ لا يُباءُ بِهِ دَمٌ
- وَمِن غَلِقٍ رَهناً إِذا ضَمَّهُ مِنى
وَمِن مالِئٍ عَينَيهِ مِن شَيءِ غَيرِهِ
- إِذا راحَ نَحوَ الجَمرَةِ البيضُ كَالدُمى
يُسَحِّبنَ أَذيالَ المُروطِ بِأَسوُقٍ
- خِدالٍ وَأَعجازٍ مَآكِمُها رِوى.
المراجع
- ↑ "عمر بن أبي ربيعة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
- ^ أ ب "عمر بن أبي ربيعة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
- ↑ "عمر بن أبي ربيعة"، ar.wikiquote.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15.
- ↑ "عمر بن أبي ربيعة"، al-hakawati.la.utexas.edu، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15.
- ↑ "أحن إذا رأيت جمال سعدى"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15.
- ↑ "حدث حديث فتاة حي مرة"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15.
- ↑ عمر بن أبي ربيعة، ديوان عمر بن أبي ربيعة، صفحة 38.