نبذة عن كتاب الخصائص لابن جني

كتابة:
نبذة عن كتاب الخصائص لابن جني


سبب تأليف كتاب الخصائص

لماذا ألّف ابن جنّي كتاب الخصائص؟

ابن جني صاحب كتاب الخصائص، وهو أبو الفتح عثمان بن جني (941م - 1002م) من أكبر علماء النحو في زمن الخلافة العباسية، ولقد ألف كثيرًا من الكتب في علم النحو واللغة، وأحد هذه الكتب كان كتاب الخصائص، والذي لاقى انتشارًا كبيرًا على مدى العصور، وتناوله الكثير من الباحثين والدارسين بالشرح والتفصيل، ولقد كان السبب الرئيس الذي دفع ابن جني لتأليف كتاب الخصائص هو معرفة أسرار اللغة العربية.[١]


قد وضّح ابن جني ذلك فيما كتبه لملك بغداد بهاء الدولة الذي أهداه هذا الكتاب بعد اعتلائه عرش المُلك على بغداد، فقد عرض ابن جني تفاصيل هذا الكتاب، وبين أنه أراد الاطلاع على أسرار اللغة العربية وذلك من خلال الوقوف على خصائصها اللغوية، ومزاياها النحوية والدلالية، وتوضيح العلل الحقيقية للغة العربية، وإنه أراد أن يؤلف هذا الكتاب لأنه لم يعثر في كل مؤلفات علم اللغة العربية في عصره على كتاب يعمد إلى أصول اللغة العربية ويدرسها.[١]


ممّا ذكره ابن جني عن أسباب تأليفه لهذا الكتاب أيضًا أنه قد طلب منه أحد أصدقائه ومعارفه أن يكتب في مثل هذه الموضوعات، فكان أن لبّى هذه الرغبة، ولم يذكر ابن جني من هو الذي طلب منه، إلا أنه واضح من كلام ابن جني في مقدمة الكتاب أنه شخص يعرف بالعربية وعلومها وأسرارها، فقد قال ابن جني: "ثم إن بعض من يعتادني، ويُلم لقراءة هذا العلم بي، ممن آنس بصحبته لي، وأرتضي حالي أخذه عني، سأل فأطال المسألة، وأكثر الحفاوة والملاينة، أن أمضي الرأي في إنشاء هذا الكتاب، وأوليه طرفًا من العناية والانصباب. فجمعت بين ما أعتقده: من وجوب ذلك علي، إلى ما أوثره من إجابة هذا السائل لي".[١]


فكان ابن جني هو السّباق إلى هذا النمط من الكتب التي تهتم بأصول اللغة، وقام بقياس منهجه على منهج كتب أصول الفقه والكلام، وبذلك صار كتاب الخصائص موسوعة شاملة لكثير من تفاصيل اللغة العربية وأصوالها وقضاياها الجدلية التي يختلف حولها الكثير من العلماء والنحاة واللغويين، أمّا عن سبب تسمية كتاب الخصائص بهذا الاسم فهو لأنه يشتمل على كل ما يخص اللغة العربية من خصائص ومزايا.[٢]


موضوعات كتاب الخصائص

ما هي القضايا التي عالجها ابن جني في كتابه الخصائص؟

إن كتاب الخصائص لابن جني اشتمل على موضوعات عديدة ومتشعبة في اللغة العربية، وفيما يأتي عرضٌ لهذه الموضوعات التي قسمها في ثلاثة مجلدات.[٣]

المجلد الأول

في هذا المجلد حديث عن الكلام والقول واللغة وعلَلِها فقد بدأ ابن جني بالحديث عن حدود اللغة والفرق بين الكلام والقول، ثم يتحدث عن النحو والإعراب والبناء، ويناقش قضية أصل اللغة ما بين الإلهام والاصطلاح، ويعرض لعلل اللغة العربية مثل الاطراد والشذوذ، وينتقل بعدها لقضايا القياس والسماع ويعرض في هذه الأبواب ما يهم النحاة في ميدان السماع والقياس والاستحسان، وأنواع القياس بين جائز وواجب، والتعارض بين السماع والقياس.[٣]


في المجلد الأول أيضًا كلام طويل عن علل اللغة العربية وكيفية قراءاتها واختلاف الآراء فيها، ثم ينتقل إلى الاحتجاج وتفاصيله فيما يخص اللغة العربية، ثم يختم بما له علاقة بتقدير الإعراب، والفصاحة في اللغة، ويتحدث عن موضوع تركيب اللغات، وإصلاح اللفظ وتلاقي اللغات.[٣]


المجلد الثاني

إنّ المجلد الثاني لا يُعد منفصلًا في موضوعاته عن السابق، بل إنه تتمة وتوضيح واستكمال للمعلومات السابقة، إذ يبدؤه بما كان قد توقف عنده في المجلد الأول وهو الفصاحة في اللغة، والسماع والقياس، ثم ينتقل إلى قضية مهمة عن اللغة وهي إذا ما كانت اللغة قد وُضعت دفعة واحدة أم على مراحل، وبعدها ينتقل لشرح أصول اللغة وتشابهها من حيث الأصل أو اختلافها، ويعرض قضايا تشابه أصول الثلاثي والرابعي والخماسي، وما له علاقة بالتقديم والتأخير.[٣]


في هذا المجلد أيضًا حديث عن الاشتقاق الأكبر، والإدغام الأصغر، وتشابه المعاني بين الإعراب والشعر، وحروف الزيادة وماله علاقة بالساكن والمتحرك والتام والناقص، وحمل الأصول على الفروع، ويعرّج إلى الحديث عن إيراد المعنى بلفظ غير لفظه المألوف، ويختم بالحديث عن مسائل التصريف والغرض منها في اللغة، وأحكام القياس فيما لا يسوغ به النطق.[٣]


المجلد الثالث

في هذا المجلد يتطرق ابن جني لموضوع الاستخفاف في اللفظ، وإضافة الاسم إلى المسمى، ويتحدث عن قضية تسمية الفعل، وصناعة الإعراب، وتركيب المذاهب والسلب، ويعرض قضية الجائز والواجب في اللغة، وينتقل إلى الصيغ والحركات والهمز وشواذه وما فيه من إبدال، ويفصل بابًا عن الحوار وأهميته، ويتحدث بعدها عن الألفاظ والمعاني وأغلاط العرب، ويختم بالحديث عن النقل والرواة الثقات.[٣]


منهج ابن جني في كتاب الخصائص

ما هي المبادئ التي بنى ابن جني عليها منهجه في كتاب الخصائص؟

إنّ ابن جني في كتابه الخصائص كان له منهج يقوم على مجموعة من الأسس، ولعلّ هذا المنهج هو الذي ساعده في جمع كل المعلومات عن اللغة وأصولها في كتاب واحد.

  • القياس: إذ إنّه حاول أن يقيس على ما سُمع عن العرب للوصول إلى أمور جديدة في اللغة لم تُسمع بعد، وقد تمكن من ذلك من خلال ما وصل إليه من دراسة صوتية للحروف.[٤]
  • الإفادة مما سبق: اعتمد ابن جني كثيرًا على دراسات من سبقوه مثل الفراهيدي وسيبيويه، وذلك كان واضحًا من خلال ذكره لكثير من المحاورات بينه وبين أبي علي الفارسي، وعرض آراء سيبويه والخليل وغيرهم من علماء اللغة الذين سمع عنهم.[٤]


  • التجديد: من خلال اطلاع ابن جني الواسع على العلوم والمعارف وآراء من سبقوه استطاع أن يتّسم بالتجديد فيما وصل إليه، فهو يعترف بعلوم الآخرين، ولا ينكر فضلهم، وفي الوقت نفسه يُوضّح أنه استطاع الوصول إلى أشياء جديدة مستحدثة بناء على ما سمعه من السابقين، وبعد بحث ودراسة وقراءة.[٤]
  • البحث والموسوعية: تميز منهج ابن جني في كتاب الخصائص بموسوعيّة المعلومات، فالمُطّلع على مضمون الكتاب يلاحظ تنوع الموضوعات المتعلقة باللغة وشموليتها، إضاقة إلى أنّها توضح المقدار الهائل من البحث الذي قام به ابن جني حتى وصل إلى هذه المعلومات ونظّمها في الكتاب.[٤]


  • الحجج والبراهين: لم يذكر ابن جني رأيًا أو قاعدة أو شيئًا توصل إليه إلا وقد دعمه بالحجج والأدلة، إما من القرآن الكريم أو الحديث النبوي، وقد اشتمل كتاب ابن جني على شواهد من كلام العرب، وفي ذلك دليل على صدق معلوماته وأمانته في النقل، ودقته في شرح المعلومة.[٤]
  • التصنيف: اعتمد ابن جني في طرحه للمواضيع منهجًا وصفيًا، إذ إنّه بعد أن جمع اللغة من بيئتها المحددة ومن مصادرها البشرية، قام بتصنيفها وفق أسس وصفية وتقريرية، وهذا التصنيف يظهر بوضوح في كل أبواب كتاب الخصائص، منها مثلًا: في وصفه للأصوات.[٥]


  • اتساع الدراسة: فلم يقتصر ابن جني في كتابه الخصائص على دراسة اللغة في مستوى واحد من مستوياتها، إنما درسها من كل المستويات الصرفية والنحوية والدلالية والصوتية والمعجمية، وهذا ما تتجه إليه المناهج الحديثة في العصر الحاضر.[٥]
  • الفلسفة والمنطق: استطاع ابن جني في كتابه أن يكون منطقيًا بكل ما كتبه، وكثيرًا ما لجأ إلى تعليل الكثير من ظواهر اللغة التي تحدث عنها بأسلوب فلسفي، وعلى أسس منطقية مقنعة، وذلك بهدف إقناع القرّأء وإقامة الدليل على من يعارضه الرأي.[٥]


مآخذ على كتاب الخصائص

ما هي الانتقادات التي وجهها العلماء إلى كتاب الخصائص؟

إنّ ما ذُكر عن كتاب الخصائص من مآخذ يكاد لا يُعثر عليه لقلة هذه المآخذ، ومما ذُكر عنه:[٦]

  • استعمال "قد": ذُكر في كتاب الخصائص عبارة "القول قد لا يتم معناه إلا بغيره" وقد وضح السامرائي أنّ لفظة "قد" ورد عنها في المعاجم أنها لا تُستعمل إلا مع الفعل المثبت المتصرف المجرد من أي حرف نصب أو جزم أو تنفيس، وفي العبارة السابقة استُعملت قد مع فعل منفيّ.
  • استعمال "كافة" معرّفة: مما ذكره فاضل السامرائي أيضًا عن كتاب الخصائص أن ابن جني قد استعمل لفظة "كافة" معرّفة بـ "ال" التعريف في كثير من المواضع، وهذه اللفظة في اللغة العربية -كما وضحت المعاجم- لا ترد معرفة وذلك غير جائز لأنه أسلوب عربي غير سائغ.


  • تعدية الفعل ترى: ذكر السامرائي بعض العبارات في كتاب الخصائص التي استعمل فيها ابن جني الفعل رأى الدال على الرؤية القلبية والذي يتعدى إلى مفعولين وقد عدّاه ابن جني بحرف الجر إلى، مثل: وقد ترى إلى توافي هذه الأشياء.
  • استخدام "آنفًا" مع المضارع: ورد في الخصائص استخدام "آنفًا" مع فعل مضارع قبلها مثل "نذكره آنفًا" وقد وضّح السامرائي أن آنفًا تدل على الزمن السابق، ولذلك ينبغي أن تُستعمل مع الفعل الماضي، فيُقال: ذكرناه آنفًا.
  • استخدام أجاب على: عرض السامرائي مجموعة من المواضع التي استعمل فيها ابن جني الفعل أجاب متعديًا بحرف الجر على، والصواب هو أن يكون الفعل أجاب متعديًا بحرف الجر عن، فيُقال: أجاب عن سؤالي.

قيمة كتاب الخصائص

ما هي المميزات التي تجعل كتاب الخصائص مهمًا؟

إن كتاب الخصائص لابن جني يحظى بقيمة عالية ومميزة في كتب الأدب وفقه اللغة، وذلك لأمور عدة موجودة فيه سواء كانت في منهجه أم في موضوعاته المطروحة، من أبرزها:

  • التأسيس لمفهومات حديثة: إنّ الحديث عن علم الأصوات والدلالات وتغير معاني المفردات وفق السياق الذي تكون فيه كله من المفاهيم المنتشرة في الاتجاهات النقدية الحديثة، وبالعودة إلى كتاب الخصائص يتبين أنها كلها ذُكرت في صفحات الكتاب ولكن بتعابير أخرى، وتحت عناوين مختلفة.[٧]
  • الاهتام بالدلالة: من المعروف ما وصل إليه علم الدلالة من نضج في العصر الحالي، ولكن هذا العلم له جذوره في كتب الماضي، ومنها كتاب الخصائص الذي اهتم بالدلالة الصرفية والنحوية والصوتية للكلمة وللحرف.[٧]


  • الأصالة والابتكار: يجمع كتاب الخصائص بين دفتيه أصالة العلوم القديمة والمعارف التي جمعها القدماء، والابتكار والتجديد المتوافق مع مفاهيم فقه اللغة والدراسات اللسانية المعاصرة، وهذا يجعلة مرجعًا مهمًا وضروريًا لكل مهتم باللغة ودراستها.[٧]


  • التجدد المستمر: إنّ أبرز ما يميز كتاب الخصائص ويعطيه هذه المكانة في كتب اللغة أنه كلما قُرئ شعر القارئ بالجديد فيه، فلا يشعر بالملل أو التكرار، إنما يكتشف أسرار جديدة وعوالم مميزة للغة كأنها نبع لا ينضب.[٨]
  • الشمولية والموسوعية: فقد ذكر ابن جني ففي مقدمة كتابه الخصائص أن هذا الكتاب يجمع كل وجوه العلم، ويشمل كل الأدلة ولم يسبق أن صُنف مثل هذا الكتاب، ويذكر أنه المرجع الصحيح لكل ما يخص اللغة، وأنّ كل من سبقوه في تأليف ما له علاقة بأصول اللغة لم يكن تأليفهم شاملًا، وهذا يرفع من قيمة الكتاب وأهميته.[٩]


  • تسليط الضوء على المعنى: لقد اهتم ابن جني كل الاهتمام بالمعنى، وجعله هو سيد الموقف، وجعل الألفاظ في خدمة المعنى، وتناسبُها هو الذي يساعد في تأدية المعنى، وبيّن أن استقامة المعنى هي التي تتحكم بالنحو والإعراب واللفظ المنطوق، وهذا ما لم يأتِ به أحد قبله.[١٠]
  • وضوح المعلومة: لقد كان ابن جني في كل شروحه والمعلومات التي قدمها في كتاب الخصائص يهدف إلى إيضاح الغامض، وإزالة اللبس عن كل ما له علاقة بدلالة سياق الحال، وربط الكلام بظروفه وملابساته، ودلالة الحركات الإعرابية، وكل ما له علاقة بالمستوى التركيبي النحوي للغة.[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب ت جاب الله يازيد (2004)، ظاهرة التعليل في النحو عند ابن جني من خلال كتابه الخصائص، صفحة 21-25-26. بتصرّف.
  2. محمد سطام الفهد، التعريف بكتاب الخصائص لابن جني، صفحة 1-2. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح ابن جني، كتاب الخصائص، صفحة 1-5-7. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج إبراهيم محمد أبو سكين، كتاب دراسات لغوية في أمهات كتب اللغة، صفحة 115-135.
  5. ^ أ ب ت منال محمد مصطفى أحمد، الشواهد النحوية في الخصائص لابن جني، صفحة 43-44-45.
  6. فاضل السامرائي، ابن جني النحوي، صفحة 72-73-74. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ابن جني، الخصائص، صفحة 23-24-25. بتصرّف.
  8. عبدالحكيم راضي (2006)، الفكر البلاغي في كتاب الخصائص، القاهرة:الهيئة العامة لقصور الثقافة، صفحة 2، جزء 2. بتصرّف.
  9. ابن جني، الخصائص، صفحة 8-9. بتصرّف.
  10. ^ أ ب إبراهيم يعقوب محمود الحسان، المعاني النحوية التركيبية والتناسب المنطقي لها في كتاب الخصائص لابن جني، صفحة 121. بتصرّف.
22179 مشاهدة
للأعلى للسفل
×