نبذة عن محمد مهدي الجواهري

كتابة:
نبذة عن محمد مهدي الجواهري

شعراء العصر الحديث

عند تقييد لفظة الشعر بلفظة تدلُّ على زمان محدد يكون التقييد هنا للتخصيص لا أكثر، فالتخصيص في قول شعراء العصر الحديث إنّما هو حصر للشعراء العرب الذين واكبوا الحياة الحديثة التي بدأت مع التطور الحضاري الكبير الذي وصلَ إليه الإنسان في حياته، فشعراء العصر الحديث هم الشعراء الذين عاشوا الحياة الحديثة ولم يعرفوا من حياة البادية إلّا اسمها وأسماء شعرائها وشعرهم، ولعلَّ أشهر شعراء العصر الحديث هم: محمود درويش، نزار قباني، بدر شاكر السياب، ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم، وهذا المقال سيتناول الشاعر محمد مهدي الجواهري بشكل تفصيليّ.

نبذة عن محمد مهدي الجواهري

هو محمد مهدي بن عبد الحسين الجواهري، شاعر عراقي شهير، وأحد أهم شعراء العصر الحديث ، ولِدَ الجواهري في النجف في تموز عام 1899م، من عائلة عريقة عتيقة ذات سمعة طيبة ومقامٍ عالٍ، حيث كانَ والدُهُ عبد الحسين الجواهري أحد علماء النجف الكبار، فألبسه والده لباس العلم وحصّنه به، فتعلّم وكبر في أُسرة مهتمة بالأدب والأدباء، وقد ساعده والده وحثَّه على الدراسة والعلم كثيرًا، وكان حريصًا على إرساله إلى المدرسة ليتعلَّم البلاغة والأدب والفقه والنحو والصرف وعلوم العربية بشكل عام، وقد نشر محمد مهدي الجواهري أوَّل مجموعاته الشعرية وهو ابن خمسة وعشرين عامًا والتي كانت بعنوان "خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح" ثمَّ أصدر ديوان بعنوان "بين الشعور والعاطفة" عام 1928م، وقد خاض الجواهري في غمار السياسة التي ذاق منها من الأسى ما ذاق، وقدَّ أدى به عمله إلى الخروج من العراق والعيش آخر أيام حياته غريبًا خارج بلاده، فقد عاش الجواهري سنوات حياته في دمشق.

ويعدُّ الجواهري زعيم الكلاسيكيّين من الشعراء العرب، رسّخ منهج القصيدة العمودية وأجبر النقّاد على تلقيبه بشاعر العرب الأكبر، فاستحق هذا اللقب عن جدارة واستحقاق، وقد تميّز بإلقائه الفريد الذي كانت تهتز لعظمته المنابر، وقد اشتهرت له قصائد كثيرة في المديح وفي رثاء أخيه وزوجته، وقد تُوفِّي الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري في دمشق عام 1997 في إحدى مستشفيات العاصمة السورية دمشق، وشُيّعَ تشييعًا عظيمًا، ودُفنَ في دمشق. [١]

مسيرة محمد مهدي الجواهري السياسية

ظهرت في العراق عام 1946م بعض الدعوات لترسيخ ونشر الديموقراطية، وتم تشكل حزب يُدعى الحزب الوطني والذي كان الشاعر محمد مهدي الجواهري، عضوًا من الأعضاء المؤسسين فيه، وقد سمحت الحكومة العراقية آنذاك للحزب بممارسة كامل نشاطاته، قبل أن ينشب خلاف بين أعضاء الحزب، أدى إلى استقالة الجواهري من الحزب عام 1946م، ولكنَّ الجواهري لم يتوقّفْ عن النشاط السياسي رغم استقالته، وانخرط بالعمل الصحفي حيث كان مسؤولًا عن جريدة الرأي العام، قبل أن يُنتخَبَ عام 1947م نائبًا في مجلس النوّاب العراقي، واستقال بعد انتخابه بعام لأنه عارض معاهدة بورتسموث، فقد كان شقيقه أحد ضحايا هذه المعاهدة، حين فتحتْ القوات البريطانية النار على المتظاهرين فمات أخوه متأثرًا بجراحه ورثاه الجواهري خير رثاء.

وفي عام 1949م حضر الجواهري مؤتمر أنصار السلام العالمي في بولندا، وأصبح فيما بعد عضوًا من أعضاء مجلس السلم العالمي الذي تأسس عام 1950م، وفي عام 1956م سافر الجواهري إلى سوريا ليلبي دعوةً لحضور الحفل التأبيني لعدنان المالكي العقيد السوري الذي مات في حادثة اغتيال شهيرة، وهناك ألقى الجواهري مجموعة من قصائده التي اعتبرتها الحكومة العراقية آنذاك معارِضَةً لسياستها، فلجأ الجواهري سياسيًّا إلى سوريا، وعمل في إدارة تحرير مجلة الجندي السورية، وبعد عام ونصف عاد محمد مهدي الجواهري إلى العراق، ودخل السجن وأطلق سراحه فورًا.

وبعد أن انتقلَ العراقُ من الحكم الملكي إلى الجمهوري عام 1958م، وبعد العلاقات الطيبة بين الجواهري ونظام الحكم في العراق في تلك الفترة اضطربت الأوضاع بينه وبين النظام الحاكم، اضطرّ إلى الانتقال إلى بيروت عام 1961م ومنها إلى التشيك إلى مدينة براغ بلجوء سياسيٍّ، وبعد الانقلاب الذي حصل في العراق عام 1963م سحبت الحكومة العراقية الجديدة الجنسية العراقية من الجواهري لأنه رفض الانقلاب، وبعد انقلاب عام 1968م عاد الجواهري إلى العراق، وانتقل في أواخر حياته إلى دمشق وعاش فيها آخر سنوات حياته وتُوفِّيَ ودفن فيها عام 1997م.  [٢]

شعر الجواهري

يعدُّ محمد مهدي الجواهري واحدًا من أهم وأشهر شعراء العرب في العصر الحديث، وهو أحد روّاد المدرسة الكلاسيكية وواحد من الشعراء الذين يذكّرون بعرامة الشعر العباسي والأموي والجاهلي، فقد ظلَّ مستمسكًا بالقصيدة العمودية، لم يملَّ ولم يكلَّ ولم ينخرطْ في شعر التفعيلة الذي انتشر واشتهر في فترة حياته وكان روّاده شعراء عراقيون أمثال بدر شاكر السيّاب، وبعد الحديث عن حياته ومسيرته السياسية، لا بدَّ من المرور على بعض قصائده التي تعكس تجربة هذا الشاعر العظيم:

  • يقول الجواهري في رثاء زوجته التي فارقها في حياته في قصيدة عنوانها "ناجيت قبرك": [٣]

في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ                أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ

قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا              عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا

تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها            رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَدُ

أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ                ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غدُ

طالَ التَّمحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ              ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَدُ

ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ             فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَدُ

ولا الفتاةُ بريعانِ الصِبا قُصفَتْ               ولا العجوزُ على الكّفينِ تَعتمِدُ

وليتَ أنَّ النسورَ استُنزفَتْ نَصفًا             أعمارُهنَّ ولم يُخصصْ بها أحدُ

حُييَّتِ " أُمَّ فُراتٍ" إنَّ والدةً                  بمثلِ ما انجبَتْ تُكنى بما تَلِدُ

تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِها                  بُدًّا، وإنْ قامَ سدًّا بيننا اللَحَدُ

بالرُوح رُدِّي عليها إنّها صِلةٌ                  بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسدُ

عزَّتْ دموعيَ لو لمْ تَبعثي شَجَنًا           رَجعتُ مِنهُ لحرِّ الدمع أبترِدُ

خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي           وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِدُ

بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني          ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِدُ

كما تَفجَّرَ عَينًا ثرَّةً حجَرٌ                    قاسٍ تفَجَّرَ دمعًا قلبيَ الصَلدُ

إنّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بهِ              ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا

  • ويقول الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري في قصيدته التي كتبها عن دمشق التي طالما أحبها وسكنتْ فيها روحه فعاش فيها ومات فيها ودُفِنَ فيها: [٤].

مِثل الذي بكِ يا دمشق          من الأسى والحزنِ مابي

دمعي يَبين لك الجوى            والدمعُ عنوانُ الكتابِ

زاهي الحمى نهبُ الخطوب        ومهجتي نهبُ المصابِ

أرأيت مرتبعَ الشِّعابِ             بها ومُصطافَ الهضابِ

والنبتُ مخضلُّ الثَّرى             والرُّوضُ مخضرُّ الجْنَابِ

والحسنُ تبسُطه الطبيعةُ           في السهولِ وفي الروابي

والشمسُ تبدو من خلال الغيم        خَوْدًا في نقابِ

فاذا انجلى هزَّتك روعةُ         نورها فوق القبابِ

والروضُ نشوانٌ سقاه          الماءُ كأسًا من شرابِ

بَرَدَى كأنَّ برودَهُ              رشفات معسولِ الرُّضابِ

تلك النَّضارةُ كُلُّها            كُسِيتْ جلابيبَ الخرابِ

ثوري دمشقُ فانَّما               نَيلُ الأماني في الطِّلابِ

وخذي الوِفاق فإنَّما              عُقبى الخلافِ إلى تَبابِ

إن ْ تغضَبي لتليدِ مجدٍ           آذنوه باستلابِ

ومنيعِ غابٍ طوقوهُ                بالبنادق والحِرابِ

فلأنتِ رغم خلوِّ كفّك            من مُعَدّات الضرابِ

بالعاطفات الحانيات عليكِ        وافرةُ النصابِ

ولأنتِ أمنعُ بالنُّفوس            المستميتة مِن عُقابِ

فتماسكي أو تُكرَهي          بالرغم منك على انسحابِ

فَلَشرُّ ما عمِلَ امرؤٌ             عملٌ يُهَدَّدُ باقتضابِ

سدّي عليهم ألف بابٍ         إنْ أطاقوا فتحَ بابِ

إن لم يكنْ حجرٌ يضرُّ            بهمفكُومٌ من ترابِ

لا نُكرَ في الدنيا ولا            معروفَ إلا في الغلابِ

  • ويقول الجواهري أيضًا في رثاء أخيهِ الذي توفِّيَ مقتولًا برصاص القوات البريطانية:  [٥]

أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ              بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ

فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً               وليس كآخَرَ يَسترحِمُ

يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياعَ           أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا

ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين              أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا

أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاةِ               أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَمُ

وأنّ بطونَ العُتاةِ التي              مِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضمُ

وأنَ البغيَّ الذي يدعي              من المجد ما لم تَحُزْ "مريمُ"

ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُ                وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجمُ

فيا لكَ مِن مَرهمٍ ما اهتدَى           إليه الأُساة وما رهَّموا

ويا لكَ من بَلسمٍ يُشتَفى            بهِ حينَ لا يُرتجى بَلسمُ

ويا لكَ من مَبسِمٍ عابسٍ             ثغور الأماني به تَبسِمُ

أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيدِ               تظَلُّ عن الثأر تستفهِم

أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيدِ                مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهمُ

تَمُصُّ دمًا ثُم تبغي دمًا               وتبقى تُلِحُ وتستطعِمُ

  • ويقول محمد مهدي الجوهري في قصيدة أخرى: [٦].

‏كلُّ ما في الكون حبٌّ وجمالُ        بتجليك وإن عز المنالُ

بسطَ النورُ فكم ثائرٍ بحر           هادئاً بات وكم ماجت رمالُ

ورياض ضاحَكَ الزهرَ بها            ثغرُك الصافي وناجاها الخيالُ

وسهولٌ كاد يعرو هَضْبَها            نزقٌ من صبوة لولا الجلالُ

ما لمن يهوى جمالا زائلًا           وعلى البدر جمال ما يُزالُ

لا عدمِناك مروجًا للهوى           جدَة فيها وللدهر اقتبالُ

عيشُنا غضٌّ وميدانُ الصَّبا        فيه مجرىً للتصابي ومجالُ

يا أحبَّاي وكم من عثرةٍ            سلفت ما بالُ هذي لا تقالُ

علَّلونا بوعـودٍ منكـمُ            ربما قد علل الظمآنَ آلُ

وعدوني بسوى القربِ فقدْ        شفَّني الهجرانُ منكم والوصالُ

المراجع

  1. محمد مهدي الجواهري, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-12-2018، بتصرّف
  2. محمد مهدي الجواهري, ، "www.wikiwand.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-12-2018، بتصرّف
  3. ناجيت قبرك, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-12-2018، بتصرّف
  4. الشعر الفصيح: محمد مهدي الجواهري, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-12-2018، بتصرّف
  5. أخي جعفر, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-12-2018، بتصرّف
  6. كلُّ ما في الكون من حب وجمال, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 13-12-2018، بتصرّف
6388 مشاهدة
للأعلى للسفل
×