محتويات
طرفة بن العبد
هو طرفة بن العبد بن سفيان البكري، واسمه في الحقيقة عمرو، ولكن غلب عليه لقبه الذي عُرف به وهو طرفة، ولد في البحرين ونشأ يتيماً، ولكنه كان من عائلة غنية ميسورة الحال، فصار ينفق ماله في اللهو والنساء والخمر، مما أدّى إلى أن يسلبه أعمامُه حقه في المال، ولكنه لم يتعظ من ذلك فقد بقي على حاله حتى أنفق ماله كلّه، فسخطت عليه عشيرته، وابتعدت عنه، فابتعد عنهم أيضاً في مدة قضاها بالتجوال والغزو، حتى امتلأ قلبه بالندم فعاد لقريته وعشيرته، ويُقال إنّه لم يعمّر طويلاً فلقد توفي عن عمر يناهز العشرين سنة، وقيل إنه توفي بما يقارب ٢٦ سنة، واختلف المؤرخون في سنة وفاته فقيل أنّه توفي سنة ٥٥٢م، أو سنة ٥٥٠م.[١][٢]
ميزات شعر طرفة بن العبد
لقد عُدّ من الشعراء الجاهليين المبرزين، فشعره يمزج بين الرونق والجزالة، وعذوبة المشرب، كما أنه من أجود الشعراء فكلما طالت قصيدته حسُنت، وهو شاعر مطبوع، ولأنه ذو حسب في عشيرته الأمر الذي ساعده في شعره، وقد كان هجاءً.[٣]
سبب نظم طرفة لمعلقته
يذكر أنّه كان لطرفة أخاً يدعى معبد، وكان عنده إبل قد ضلّت بسبب إهمال طرفة، فذهب طرفة إلى ابن عمه مالك راغباً في أن يعينه في استرجاعها، فأبى مالك مساعدته، بل وأنّبه وزاد على ما قاله له من تأنيب أخوه، ممّا أدى إلى اهتياج قريحة طرفة وقال ما قال من معلقته، ففيها يعاتب ابن عمه على تعنيفه له، كما أنه يأسف على عدم مقدرته على الرد عليه لعمق مكانته عنده، وندد في المعلقة أيضاً بما فعله فيه أعمامه بسبب ظلمهم له أكلين حقه، وهم الذين رفضوا مقاسمته المال بعد وفاة أبيه عندما كان صغيراً، ولكن حينما بلغت المعلقة ابن عمه الآخر (عمرو بن مرثد) قام بدعوة أبنائه السبعة وأمرهم أن يدفع كل واحد منهم عشرة من الإبل لطرفة، ثم أمر ثلاثة من أحفاده بالدفع له، وقد فعلوا ذلك.[٤][٥]
معلقة طرفة بن العبد
تميّزت المعلقة ذات ١٠٥ بيتاً بأنها ثاني المعلقات الجاهلية، وهي متعددة الأغراض والأفكار، حيث يبتدئ بها كغيره من شعراء عصره بالأطلال فيقف واصفاً أطلال محبوبته خولة وحدودها، فتظهر عليه علامات الأسى والحزن، حتى يكاد يهلك وينتهي، حيث يقول:[٦][٧]
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفًا بها صحبي عليّ مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتجلد
ثم يعود بذكرياته للماضي، فيسترجع ساعة فراقه منها ويعرض واصفاً موكب ارتحالها عنه، فيقول:
كأن حدوج المالكية غدوة
خلايا سفين بالنواصف من دد
ثم ينتقل فجأة ليبدأ بوصف ناقته التي ينفي بها الهم عندما يحضر، فيقول:
وإني لأُمضي الهمَّ عند احتضارهِ
بِعوجاء مِرقالٍ تروح وتَغتدي
ثم يمعن النظر في هذه الناقة فيصفها جزءاً جزءاً، حيث تبدو في تصويره كأنها ناقة ضخمة ذات جسم قوي مفتول العضلات، وقد شبه عظامها كأنها ألواح تابوت، كما تحدث عن غذائها، وكيفية جريها وسيرها، وذكائها، ونشاطها، ثم أنهى حديثه عنها بأنه يجوب المغاور ويخترق الطرق الوعرة دون أن يخاف فهو فتى الشدائد، وهذا كان مقدمة ليبدأ بالحديث عن نفسه، فيقول:
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي
ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
وجاشت إليه النفس خوفًا وخاله
مصابًا ولو أمسى على غير مرصد
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
فهنا يتحدث عن نفسه حيث يصوّر نفسه بشخص ذي أخلاق كريمة، وكونه بطلاً شهماً يعرفه الجميع، كما أن له مكان اجتماعية عليا في قومه، بالإضافة إلى أنه لا يستمع لمن يقوم بلومه على دخوله الحرب؛ فيعلل ذلك بأنّ ليس هناك ما يضمن على الخلود في هذه الحياة، ولكنه يذكر رأيه الذي ينم عن جاهلية وهي أن الموت يعني نهاية الإنسان أي أنه لا يؤمن بالآخرة، ولذلك يرى أنه على الإنسان أن يغتنم الفرص في حياته ويستمتع بها، فيقول:
ولست بحلال التلاع مخافة
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
وإن تبغني في حلقة القوم تلقني
وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
وإن يلتق الحي الجميع تلاقني
إلى ذروة البيت الرفيع المصمد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني
ولا أهل هذاك الطراف الممد
ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
فذرني أروي هامتي في حياتها
مخافة شرب في الحياة مصرد
كريم يروي نفسه في حياته
ستعلم إن متنا غدًا أينا الصدي
أرى قبر نحام بخيل بماله
كقبر غوي في البطالة م سد
وأكمل كلامه عن الموت، فقال:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد
أرى الدهر كنزًا ناقصًا كل ليلة
وما تنقص الأيام والدهر ينفد
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكالطول المرخى وثنياه باليد
متى ما يشأ يومًا يقده لحتفه
ومن يك في حبل المنية ينقد
ثم يبدأ بالتعجّب من سلوك الظالمين والمعتدين على الحقوق وخاصة إذا كانوا من الأقارب الذين يجب أن يكونوا عوناً، وهذا من أهم أقسام المعلقة، حيث يقول:
فما لي أراني وابن عمي مالكًا
متى أدن منه ينأَ عني ويبعد
يلوم وما أدري علام يلومني
كما لامني في الحي قرط بن أعبد
فلو كان مولاي امرأً هو غيره
لفرج كربي أو لأنظرني غدى
ولكن مولاي امرؤ هو خانقي
على الشكر والتسآل أو أنا مفتدي
بلا حدث أحدثته وكمحدث
هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه
خشاش كرأس الحية المتوقد
فآليت لا ينفك كشحي بطانة
لعضب رقيق الشفرتين مهند
حسام إذا ما قمت منتصرًا به
كفى العود منه البدء ليس بمعضد
أخي ثقة لا ينثني عن ضريبة
إذا قيل مهلا قال حاجزه قدي
فإن مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
ولا تجعليني كامرئ ليس همه
كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا
ذلول بأجماع الرجال ملهد
لعمرك ما أمري علي بغمة
نهاري ولا ليلي علي بسرم
ثم أنهى معلقته وختمها بتعجبه من هذه الحياة، فالأيام ستظهر ما تخفي، فيقول:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأنباء من لم تبع له
بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد
المراجع
- ↑ مصطفى الغلاييني، كتاب رجال المعلقات العشر، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 106. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الغلاييني، كتاب رجال المعلقات العشر، صفحة 23-26. بتصرّف.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 106-107. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الغلاييني، كتاب رجال المعلقات العشر، صفحة 27-28. بتصرّف.
- ↑ علي الجندي، كتاب في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 296-300. بتصرّف.
- ↑ بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 110-112. بتصرّف.