نبذة عن نيكولو ميكافلي

كتابة:
نبذة عن نيكولو ميكافلي

نيكولو ميكافلي

المفكّر والفيلسوف والسياسيّ الإيطاليّ الذي اشتُهر في بدايات عصر النهضة نيكولو دي بناردو دي ميكافلي والمعروف اختصارًا باسم نيكولو ميكافلي، ولدَ ميكافلي في عام 1469م في مدينة فلورانسا، وقد برزَ دور ميكافلي في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر كشخصية رئيسة ومؤسسٍ كبير للتنظير السياسي الواقعي والذي كان النواة الأولى والعصب الرئيس لدراسات العلوم السياسية في العصر الحديث، يعدُّ كتاب الأمير أشهر الكتب التي تركها خلفَه ميكافلي في السياسة، ولم يتمّ التفصيل في نظريات ميكافلي إلّا في القرن العشرين، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول نشأة نيكولو ميكافللي وحياته ومناصبه السياسية بالإضافة إلى التطرُّق إلى كتاب الأمير.[١]

نشأة نيكولو ميكافلي وحياته

كان والد الفيلسوف والسياسي نيكولو ميكافلي المحامي برناردو دي نيكولو ميكافلي ووالدته بارتولومي دي استفانو نيلي منحدرَيْن من عائلة من العائلات التوسكانية العريقة، نشأ ميكافلي في مدينة فلورنسا التي كان والده أحدَ النبلاء فيها، ولم يتلقَّ ميكافلي تعليمًا كثيرًا إلا أنَّ ذكاءه الحاد قد دفعه إلى ما وصل إليه، حيثُ بدأ أولًا باتباع أحد رجال الدين والسياسة في إيطاليا الذي يدعى جيرولامو سافونارولا، وكان ينتمي رجل الدين هذا إلى نظام الرهبان الدومينيكان والذي كان قد أعطاه لقل خادم الرب، وغالبًا ما كان يتوجَّه إلى شباب إيطاليا بالتمسُّك بالفضيلة، إلا أنَّ ميكافلي لم يصبر على متابعته وتركه بعد فترة وجيزة،[٢] فقد كانت نظريته تتمحور حول فصل الدين عن السلطة أو السياسة، ساعيًا إلى تحويل فلورنسا إلى جمهورية، لذلك دخل ميكافلي السلك السياسي والدبلوماسي مبكرًا وحازَ على مناصب رفيعة في الدولة، فلم يكن مجرَّد فيلسوف منظِّر أو كاتب يقبعُ خلف مكتبه ويحمل قلمه طوال اليوم، بل كان فاعلًا حقيقيًّا في العمل السياسيّ ومشتركًا بكلّ قوته وإمكانياته في الحياة السياسية التي عاشتها فلورنسا باضطرابها وعدم استقرارها، فعندما سيطرت أسرة ميديشي على الحكم في فلورنسا وأقامت فيها حكمًا مستبدًا لم تكُن عائلة ميكافلي مُوالية لها، فقد كان والده محاميًا شهيرًا وأحد الدعاة الكبار إلى الجمهورية.[٣]


وقد نهل ميكافلي من العلوم التي كانت متوفّرة في ذلك العصر لأبناء الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها، فدرس تاريخ الرومان وقرأ مختلف الكتب الإغريقية القديمة باللغة اللاتينية، وقد تحدَّث في كتابه تاريخ فلورنسا عن مواصفات الشباب الذين رافقهم خلال فترة شبابه، حيثُ يقول عنهم: "لقد كانوا أحرارًا أكثر من آبائهم في ملبسهم وحياتهم، وصرفوا الكثير على مظاهر البذخ، مبذرين بذلك أموالهم ووقتهم طمعًا بالكمال، واللعب، والنساء، لقد كان هدفهم الرئيس هو أن يبدو الشخص فيهم بمظهرٍ حَسَن، وأن يتحدث بلباقة وذكاء، وقد اعتُبر من يجرح الناس بذكاء أحكمهم كما ذكر"، وترافقت نشأته مع حكم أحد أمراء مديشي الذي أطلق عليه لقب لورنزو العظيم، ويعدُّ عهد هذا الأمير عصرًا ذهبيًّا بالنسبة للنهضة في إيطاليا، فقد كان لورنزو شاعرًا مفطورًا وأديبًا، اهتمَّ بالفنانين والأدباء والعلماء، ولكنَّه مات في عام 1492م، وجاء خليفته بييرو إلى المنفى بعد غزو فرنسا للمدينة، ومع أنَّ الراهب سافونارولا قام بإصلاح الجمهورية وأقام حكومة دينية، لكنَّها انهارت بسرعة وأعدم الراهب في عام 1498م، وبعدها بعدة أشهر كان ميكافلي قد انتُخب سكرتيرًا للمستشارية الثانية في جمهورية فلورنسا، وهي المستشاريّة التي تشرف على الشؤون العسكرية والشؤون الخارجيّة، وكان عمره آنذاك 29 عامًا، ولكن بعد 13 عامًا عاودَ الجيش الفرنسي الكرة ودخل مرة ثانية إلى فلورنسا، فتمَّ استدعاء أسرة مديشي وهرب ميكافلي إلى المنفى، وفي منفاه اعتمدَ على دخل قليل كان يحصل عليه من ممتلكاته الموجودة في بعض الضواحي، وكان يقضي وقته مع الناس كالحطابين ويزور الحانات ويتحدث إلى القصاب والطحان وغيره، ويلعب الورق معهم خلال فترة ما بعد الظهيرة، وفي المساء يعود إلى بيته ومكتبته وفي تلك الفترة كان قد دوَّن ملاحظات حول كتاب الأمير، وبعد أن أنهى ميكافلي كتاب تاريخ فلورنسا ذهب به إلى روما ليعرضه على البابا كليمنت السابع، وفي العام نفسه وقعت معركة بافيا وطُرد على إثرها المديتشيون من فلورنسا، ولم يكن ميكافلي فيها فرجعَ مسرعًا حتى يؤمن منصبه كمستشار في الجمهورية، ولكنَّ المرض عاجله لحظة وصوله، وتوفي بسبب ذلك المرض في 2 يونيو من عام 1527م.[٤]

مناصب ميكافيلي السياسية

بدأت مسيرة ميكافلي في المناصب السياسية في عام 1594م عندما شغلَ أحد المناصب الإدارية في حكومة جمهورية فلورنسا، وفي هذه الفترة زار البلاط الملكيّ في كلٍّ من ألمانيا وفرنسا وبعض المقاطعات الإيطالية ضمن بعثات دبلوماسية، فقد عمل لمدة أربع سنوات في دوائر الحكومة، ثمَّ تمَّ تعيينه كمستشار وسكرتير لواحد من مكاتب الأرشفة، وفي هذه المرحلة كان له دور كبير في الأمور التي تتعلق بشؤون الجمهورية، من أولى المهمات التي تمَّ تكليفه بها إلى كاثرين سافورزا في عام 1499م، ومنها استخلص العديد من السلوكيات والأدبيات التي تنصُّ على كسب ودِّ الشعب، وفي عام 1500م ذهبَ إلى الملك لويس الثاني عشر للحصول على شروط من أجل استمرار الحرب على بيزا، ومن ذلك الملك استخلص الأخطاء القاتلة الخمسة في إدارة شؤون الدولة، وفي عام 1503م بعد وفاة البابا بيوس الثالث عُيِّن مراقبًا للانتخابات التي ستُجرى لتعيين خليفة له، وبين عامي 1507م و1508م عملَ رسولًا للإمبراطور ماكسمليان الذي كان من أكثر شخصيات ذلك العصر إثارة، وقد كشفَ ميكافلي عن أسباب إخفاقاته العديدة، ووصفه بأنه كتوم ومناقض لنفسه ولا يعمل بجدٍّ من أجل تحقيق ما يطمح إليه، وفي عام 1508م شهد ميكافلي حياةً حافلة بأحداث مرسومة من قبل تحالف كامبري كما رسمت أحداث المنطقة، فقد كان التحالف الذي وقع في عام 1508م بين أكبر ثلاث قوى في أوروبا مع البابا من أجل سحق جمهورية فينيسيا وهي مدينة البندقية، وفي نفس الفترة واجهت فلورنسا أوقاتًا عصيبةً في تلك الفترة، نتجَ عنها انصياع فرنسا لمطالب وشروط البابا بعد أن كانت خاضعة لفرنسا، ومن أهم الشروط عودة آل مديتشي إلى سدة الحكم في فلورنسا، وكان ذلك في أول سبتمبر من عام 15012م، ما أدى إلى سقوط الجمهورية وأُدخِل ميكافلي مع عدد من زملائه إلى السجن، ثمَّ نُفيَ بعد ذلك، وتوفي ميكافلي في عام 1527م دون أن يعود إلى منصبه مرةً أخرى.[٥]

مدرسة ميكافيلي الفلسفية

كان ميكافلي يحاول في فلسفته أن يتَّبع منهجًا جديدًا مختلفًا عن جميع مناهج من سبقه من المفكرين والفلاسفة، وعلى الرغم من أنَّه درس الفلسفة والمنطق، لكنَّه تركَ مبادئها وأهملها مركزًا على التاريخ فقط، حيثُ كانت أفكاره الأساسية تتركز حول وجهة نظر تُشير إلى أنَّ أفعال الجنس البشري دائمًا تؤدي إلى النتائج ذاتها، ولذلك حاول أن يربط بين الأسباب والنتائج والاعتماد على الدراسات التحليلية التي تُستَمد من التاريخ، فقد كان شغوفًا بالتاريخ ويعتمد على أحداق وأفكار تاريخية كثيرة ليؤكد على صحة أفكاره، كما وردَ في كتاب فن الحرب وغيره، لذلك يمكن اعتباره أيضًا مؤسس طريقة التحليل التاريخ الحديثة، وقد اعتمدَ أسلوبه في البحث على عدة نقاط، يمكن إدراجها فيما يأتي:

  • الاستعانة بأحداث التاريخ من أجل استقصاء الأحداث أو معرفة نتائجها وترابطها ومدى إمكانية تكرارها، ومن خلال هذه القاعدة يمكن للباحث أن يتنبأ بالمستقبل بالاعتماد على دراسة أحداث التاريخ.
  • وضع تعميمات تكون قواعد عامة يلجأ إليها الحكام والزعماء في حال تكرر الحدث، وذلك من أجل تسهيل مهامهم ومساعدتهم على اتخاذ المواقف المناسبة.
  • البحث حول إمكانية التأثير والتدخل بالأحداث مسبقًا، من خلال معرفة أسبابها، وبالتالي معرفة السلوك الذي يجبُ أن يتبع ومواجهة الأحداث بالشكل الصحيح.

كتاب الأمير لميكافلي

لقد بدأ نيكولو ميكافلي في تأليف كتاب الأمير في فترة الاعتزال التي فُرضت عليه في منفاه بعد حياة سياسية طويلة عاشها في خضمِّ أحداث سياسية كبرى عاشتها بلاده، وكان له باع طويل وخبرة وافية في طريقة الكتاية السياسية والدبلوماسية والتقارير الميدانية والدراسات وغيرها، وبناءً على تلك النقاط اعتبر الناقد والمفكر كلود لوفور أنَّ كتاب الأمير يجسد خلاصة تجربة فكرٍ عظيم وثمرة لاشتغال طويل في فنِّ التعبير، وهذا يدلُّ على أنَّ الشهور القليلة التي كرَّسها ميكافلي لكتابة كتابه الشهير عكست تاريخًا طويلًا وزمنًا حقيقيًّا جمع فيه الكاتب نصوصًا وانتقاها وبحث فيها وصاغها وبيَّن تنوعها ودقَّة مواضيعها،[٦] ويعدُّ كتاب الأمير دراسة في فقة السياسة، كان قد كتبها ميكافلي عام 1513م عندما كان في منفاه في قرية سانتاندريا بركوسينا، وقد أهدى ميكافلي هذا الكتاب للأمير لورينزو الثاني بن بييرو الثاني دي مديشتي رغم أنَّه كان من أعدائهم، ولكنَّه طمعَ في استعادة منصبه وهذا ما لم يحصل عليه، نُشر الكتاب في عام 1532م بعد وفاته بخمس سنوات، وأصبح من أشهر الأعمال في السياسة، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج أهم الأفكار الواردة في الكتاب والتي توضح صفات الأمير المثالي حسب وجهة نظره:[٧]

  • أن يكون مستعدًا لتقليد الرجال العظماء سواءً كانوا معاصرين أم قدماء، مثل الرجال الذين كانوا في روما قديمًا.
  • قدرته على إظهار الحاجة من أجل وجود الحكومة التي ستؤمن رفاهية الشعب.
  • الحَصافة.
  • القيادة في فنِّ الحروب من أجل المحافظة على الدولة.
  • قدرته على أدراك أهمية العنف والقوة من أجل المحافظة على السلطة والاستقرار.
  • الحكمة عند طلب المشورة ولكن عند الضرورة فقط.
  • قدرته على البقاء كَتومًا ومتصنّعًا.
  • قدرته على أن يكون ثعلبًا وأسدًا وقنطورًا، أي قدرته على استخدام العقل البشري وقوة الحيوانات.
  • وعلى الأمير المثالي أن يخلقَ الدولة أولًا ويحافظ عليها ثانيًا.

إنجازات نيكولو ميكافلي

كان ميكافلي دبلوماسيًا منذ صغره، حيثُ بدأ في العمل الدبلوماسي مع سقوط حكم آل مديشتي في عام 1594م، وكان أهم منصبٍ تقلَّده هو عمله كمستشار في مكتب المحفوظات لجمهورية فلورنسا الذي بقي فيه لمدة 14 سنة تقريبًا، وبعد عودة آل مديشتي للحكم حاول أن يؤسس تنظيمًا عسكريًا لمقاومة حكمهم لكنه فشل في ذلك فسُجن ومُنع من العمل السياسي ونُفي خارج فلورنسا، فتفرَّغ عند ذلك للقراءة والكتابة، وكان أهم إنجازاته تأليف كتاب الأمير، والذي أصبح دليلًا للسياسيين في استخدام الحيلة والمكر وخدمة الذات دون رحمة، حتى أطلق على تلك الأفعال الميكافيلية، وقد لاقى الكتاب انتقادات كثيرة أهمها من البابا كليمنت الثامن، وفي عام 1517م ألف كتاب الخطابات في العقد الأول من تيتوس ليفي في التاريخ والفلسفة، ويناقش في هذا الكتاب توسُّع روما في عام 293 قبل الميلاد، بالإضافة إلى ذلك كتب بعض الأعمال الأخرى منها: فن الحرب في عام 1520م، خطاب حول إصلاح فلورنسا في عام 1520م، ملخص لأشياء من مدينة لوكا، قصص فلورنسية أو تاريخ فلورنسا في عام 1525م، بالإضافة إلى مجموعة من القصائد والمسرحيات أهمها المسرحية الساخرة ومسرحية الحمار الذهبي وغيرها.[٨]

اقتباسات لنيكولو ميكافلي

بعد الحديث عن الفيلسوف والمفكر نيكولو ميكافلي وحياته بشيء من التفصيل، لا بدَّ من إدراج بعض أقواله، فقد كان له أثر كبير في ظهور نظريات العلوم السياسية لاحقًا، وهذا ما جعل من أقواله قواعدَ عملية في مجال السياسية، وفيما يأتي بعض أهم أقواله:[٩]

  • أعتقد أنَّه من الممكن للمرء أن يمدح دون خوف أيّ شخص بعد موته، حيث إنّ كل مسبِّبات التزلف قد انتفت.
  • ينسى الناس أنّهم فقدوا آباءهم بأسرع ممّا ينسون فقدانهم لنصيبهم في الميراث.
  • تكون الحروب عادلة عندما تكون ضرورية، ويكون استعمال السلاح جائزًا عندما لا يوجد أمل إلا في السلاح.
  • لا يمكن تفادي الحرب، بل يمكن تأجيلها لمصلحة الطرف الآخر.
  • إنَّ الدين ضروري للحكومة، لا لخدمة الفضيلة، ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس.
  • يجلب كونك أعزلًا الكثير من الشرور، من ضمنها أنك تكون محتقرًا.
  • المنتصر أصدقاؤه كثيرون، والمنهزم أصدقاؤه حقيقيّون.
  • ليست الألقاب هي التي تشرِّف الرجال، بل الرجال هم الذين يشرِّفون الألقاب.

المراجع

  1. "نيكولو مكيافيلي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-31. بتصرّف.
  2. "نيقولو مكيافيللي"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
  3. "نيكولو مكيافيلي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-31. بتصرّف.
  4. "نيكولو مكيافيلي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-31. بتصرّف.
  5. "نيكولو مكياڤلي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
  6. "الأمير"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
  7. "الأمير (كتاب)"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
  8. "من هو نيكولو ميكافيلي"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
  9. "نيكولو مكيافيلي"، ar.wikiquote.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-01. بتصرّف.
4077 مشاهدة
للأعلى للسفل
×