نشأة الأسلوبية البنيوية

كتابة:
نشأة الأسلوبية البنيوية

المناهج النقدية

تَعدّدت المناهج النقديّة التي تناولتِ الأدب بالدّرس، وكانت هذه المناهج تظهر كردّات فعل على المناهج النقديّة التي سبقتها، أو تناسلت من سابقاتها لتُكمِل عليها، أو تستدرك جوانبَ نقص فيها، ولكنْ جَمَعَها كلّها تجلّي الإبداع، فظهور أوَّل نصٍّ إبداعي تبعَه ظهور أول ناقد هو كاتب النصّ نفسه، الذي كان يقرأ نصّه وينقّحه في أبهى صورة لِيقدّمه للمتلقّي، ولكن فيما بعد وجد نقادًا فوق نقده، يقومون بدراسة نصه الإبداعي وِفق قواعد وأسس، أرجعوها لتطوُّر العلوم واستقلالها، فكان ثمرةُ تطوُّر هذه العلوم، وما صاحَبَها من اتساع دائرة الأدب وتطوّره ظهور المناهج النقديّة كالمنهج التاريخي والمنهج الاجتماعيّ والمنهج النفسيّ، والمنهج البنيويّ، وما انبثق عنه من نشأة الأسلوبية البنيوية،.

نشأة الأسلوبية البنيوية

تداخلت الأسلوبية بالبنيوية؛ كون الأسلوبية انبثقتْ من الفكر اللغويّ والأدبيّ السابق للحركة البنيويّة، وتأثرت بالاتجاهات ذاتها التي أسهمت في نشأتها، خاصّة أنّ أوّل مؤسّس للأسلوبية تشارل بالي الذي يهتمّ بالمظهر اللغوي للأسلوب، ويركز على الجانب العاطفي في تشكيل الأساليب اللغويّة. [١].

لقد اشتركت العديدُ من المدارس اللسانية والأدبيّة، وأسهمت في نشأة الأسلوبية البنيوية، وتنميتها على أسس لغويّة، كما كان من أسلوبية الحدس القائمة على فكرة الدائرة الفينولوجيّة في المدرسة الألمانية خصوصًا في كتابات فوسلير وسبتزر، والأسلوبية التعبيرية عند الفرنسيّين، والمدرسة الإسبانية من خلال أعمال داه سو ألونسو، وكان للمدرسة الإيطالية أثرها في ظهور الأسلوبيّة وتجديد الدراسات البلاغيّة، وظهور الأسلوبية العربية، خاصّة عند أمين الخولي في كتابه فنّ القول، ولقد أسهمت نشأة الأسلوبية البنيوية كثيرًا في الغرب في نشأة الأسلوبية البنيوية في الفكر العربيّ خاصّة في البلاغة العربية، فأثّرت الأسلوبية البنيوية عند بالي في كتاب الأسلوب لأحمد الشياب، ولكن سرعان ما انقطعت علاقة البلاغة العربيّة بالأسلوبية، ولم تَعُدْ هذه العلاقة لسابق عهدها إلى في سبعينيات القرن العشرين. [٢]

تعريفات الأسلوبية البنيوية

عُرفت نشأة الأسلوبية البنيوية تعريفات متنوّعة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات، على الرّغم من أنّ مفهوم الأسلوب كان المنطلق الأساسيّ لكلّ الدراسات الأسلوبيّة، وهذه التعريفات هي: [٣]

  • تعريفات تعتمدُ النموذج التواصليّ، وترد الأسلوب إلى المرسل، كما فعل دي بوقون وقال: الأسلوب هو الرّجل، وبالتالي فإنّها تُعيدُ الأسلوب للطابع الشخصي في الكتابة، والبصمة الشخصية الممثلة للشخص وملامحه الكتابية المميزة. وضمن هذه المجموعات تم النظر إلى الأسلوب على أنه اختيار لغوي من بين مجموعة من البدائل، واختيار أحد هذه البدائل هو ما يميّز صاحبه ويُشير إلى خواصّه.
  • تعريفات تُعيد مفهوم الأسلوب في نشأة الأسلوبية البنيوية إلى النصّ ذاتِه، وهنا تظهرُ هذه التعريفات الأسلوب على أنّه انحراف عن المستوى العاديّ والمألوف، أو ظهور خاصّ لخواصّ معينة في جسد النص، باعتباره جامعًا لمجموعة من الخواصّ المحكومة بنظام خاصّ في النص الأدبيّ.
  • وفي مجموعة من التعريفات في نشأة الأسوبية البنيوية، وتعيد الأسلوب للمتلقّي، مع ربطها بين النص والكاتب، ولكن تركيزها في أكثره ينصبّ على القارئ باعتباره الأقدر على تمييز الخواصّ الأسلوبية في النص ويدركها، وهو في بعد يكتشف انحرافاتها، وما تقوم به من وظائف محدثة أثرًا في النص، وهنا يظهر مفهوم القارئ النموذجيّ عند ريفاتير، وبالتالي فإنّ ردودَ فعله وتحليلاته هي ما يحدّد معالم الأسلوبية في النص.

طرائق التحليل الأسلوبي

تختلفُ طرائق التحليل الأسلوبي في نشأة الأسلوبية البنيوية، باختلاف الجنس الأدبي للنص الإبداعي، ويعود ذلك لارتباط التحليل الأسلوبي في نشأة الأسلوبية بالنيوية بتقنيات التعبير الخاصة بكل جنس أدبي، وبنظريات الشعرية. فالشعر مثلًا يتمّ تحليله انطلاقًا من البنية التعبيرية الصغرى، ومدى توفرّها إحصائيًّا في النص الشعريّ، أمّا الرواية فينطلق التحليل الأسلوبي من البنى الكبرى فيها؛ لاتساع مساحتها النصيّة، وتنوّع التقنيات التعبيريّة فيها، فتأتي دراسة البنى الكبرى لتتناول تعدد الأصوات، وتعدد الأزمنة والأمكنة، وشعريّة السرد من خلال ظهورها في الخطاب الروائيّ الكليّ، وفي المسرح ينطلق التحليل الأسلوبي من البنى الدرامية للنص، وأنواع الكتابة المسرحية وطبيعة إشاراتها، وهنا تغدو السمات اللغوية للتحليل الأسلوبي غير كافية لوصف الأساليب المسرحية الكبرى.

ولكن في جميع الأجناس الأدبيّة في نشأة الأسلوبية البنيوية، بالإمكان الاستعانة بالأسلوبية البنيوية الحاسوبية، من أجل اعتماد تصنيف الظواهر اللغوية الخاصة بكلّ كاتب، وتجميعها في نصه الأدبي، وتوصيف أشكالها، وشرح العلاقات القائمة بينها، ثمّ تفسير دلالتها الإبداعية، وربطها برؤية الكاتب للعالم. ذلك أن الأسلوبية لا تهتمّ بالعناصر اللغوية داخل النص الأدبي فقط، إنّما تبحث عن مدى كثافتها، وانسيابها في النص الأدبيّ. [٤]

المراجع

  1. محي الدين محسب (1998)، "الأسلوبية التعبيرية عند شارل بالي"، علوم اللغة، العدد 2، صفحة 76. بتصرّف.
  2. "الأسلوبية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 28-5-2019. بتصرّف.
  3. "الأسلوبية"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 28-5-2019. بتصرّف.
  4. عمر العنبر، محمد عواد (2014)، "الأسلوبية وطرق قراءة النص الأدبي"، دراسات: العلوم الانسانية والاجتماعية، العدد 2، المجلد 41، صفحة 441. بتصرّف.
7502 مشاهدة
للأعلى للسفل
×