نشأة المذهب الرمزي

كتابة:
نشأة المذهب الرمزي

المذهب الرمزي

الرمزيّة هي أحد أنواع الحركات الأدبيّة التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، وترتكز على الإيحاء بالأفكار والأحاسيس والصور وإثارتها بدلَ الحديث عنها ووصفها وصفًا مجرّدًا، والمذهب الرمزي يمثّل تناقض للواقعية، والرمز بما معناه الإيحاء، أيْ التعبير بطريقة غير المباشر عن النواحي النفسية المتخفية التي تكمن في الصدور ولا تستطيع اللغة على إظهارها في دلالتها الوضعية، حيث تتولّد المشاعر من جانب الآثار النفسية لا عن طريق التصريح بها وتسميتها، وفي هذا المقال تفصيلٌ حول نشأة المذهب الرمزي. [١]

منهج المذهب الرمزي

يعتمد المذهب الرمزي في أصله الفلسفي النابع من "مثالية أفلاطون"، وممثّلو الرمزية يتجهون إلى أن هذه الحركة كانت في نشأتها تأثّرت بالحركة الدينية والأسطورية في ذلك الزمن، ولا يخلو الأدب الرمزي من محاكاة ومقدّمة فلسفيّة ترصد دوافعه، وهناك العديد من الفلاسفة الذين كتبوا ونادوا بالرمزيّة، وأحد أهمّ زعمائها بودلير ورامبو وكانط الذي يعدّ المؤثّرَ الرئيس في الدعوة إليها، وهربرت سبنسر الإنجليزي الذي أسّس الفلسفة التطورية كما ورد في كتاب العلمانيّة للدكتور سَفَر بن عبد الرحمن الحَواليّ.

وعند الاستناد إلى أنّ الرمزيّين يتبعون مثالية أفلاطون، فتصبح الرمزية حينئذٍ تُنكر الأشياء ووجودها الخارجي المحسوس، وأنها في الحقيقة رمزًا للحقيقة المثالية البعيدة عن هذا العالم المحسوس، وقد برز المذهب الرمزي كرد على تلك النزعة المادية وسيطرتها الجبرية للحياة، وفي حين أنّ المثالية تنكر قدرة العلم على إدراك الحقيقة، فالعلم يقف عاجزًا عن تفسير بعض الحقائق والوصول إليها.

يرى العديد من مؤيّدي المذهب الرمزي أنّ هذه اللغة لا قيمة لها في اللفظ إلا ما تثيره هذه الألفاظ من صور ذهنية تُلُقِّيَت من الخارج، وبناء على هذا الأساس الواضح تصبح اللغة وسيلة للإيحاءات، كما يتفقون على أن الأدب دائما ما يسعى إلى نشر هذه الصور الفنية ونقل خيالات الكاتب إلى القارئ، وقد يهتم أصحاب ومؤيدين المذهب الرمزي بالموسيقى والإيقاع في شعرهم ويرون الموسيقى وحدها دون غيرها تستطيع أن توقظ في الروح أو للقارئ مشاعر عاطفية التي تحرك نفسه. وقد يستندون على النتائج التي توصّلَ إليها علم النفس في تحليل العقل البشري وتقسيمه إلى منطقة الوعي ومنطقة اللاوعي، فالجزء اللاوعي هو مجال الشعر وفيه تكمن الحقيقة. [٢]

عوامل أدت إلى ظهور المذاهب الرمزية

في بداية الأمر كان المذهب الرمزي غير واضح السمات والخصائص، وظهر كردّ فعل على الرومانسية، وامتدّ إلى بداية القرن العشرين وعايش مذهب البرناسيّة والواقعين والطبيعيين، ثمّ امتد حتّى وصل أمريكا وأوروبّا، وأهمّ العوامل التي ساعدت في ذلك ما يأتي: [٣]

  • انغماس الإنسان في الغرب في الروح الماديّة التي أظهرتها الفلسفة الوضعيّة، وشعوره بنسيان كيانه الروحي، لذلك لقد أخفقت المادية والإلحاد في إشغال ومَلء الفراغ الذي سبّبه عدم الإيمان بالله.
  • الصراع الاجتماعيّ العنيف الذي وقع مع بعض الأدباء والمفكرين من حرية غير مقيدة وانحلال أخلاقي، وبين ممارسات المجتمع من ضغوط وكبح جماحهم، الذي يزيد بتأثرهم بالنظريات "الأفلاطونية وكتابات الكاتب آدجار آلان التي تمتاز بالخيال الخَصْب.
  • كان في اعتقادهم أنّ اللغة لا تستطيع التعبير عن تجاربهم الشعورية العميقة، فذهبوا إلى مفرّهم الرّمز ليعبّروا فيه عن كلّ ما يريدون.

شواهد شعريّة من المذهب الرمزي

انتهجَ كثير من الأدباء مبادئ الرمزيّة في أشعارهم، وممّن برزوا في هذه المدرسة الأدبيّة الشاعر سعيد عقل من الذين أثرت ثقافته الغربية في أفكارهم، وقد تزعّم فكرة الكتابة الأدبية بالأساليب الفرنسيّة والتحرر من قيود الشعر مما مهد لقصيدة النثر، كما عالج الكتابة العربية بالأبجدية اللاتينية والكتابة باللهجة ‌العاميّة، كما استهوته المدرسة الرمزية فعَمدَ إلى الغموض والتعقيد في شعره، وتاليًا شاهدٌ من شعر سعيد عقل وشواهد أخرى لشعراء آخرين:

  • أبيات من قصيدة خذني بعينيك، لسعيد عقل: [٤]

طالَتْ نَوَىً وَ بَكَى مِن شَـوْقِهِ الوَتَرُ

خُذنِي بِعَينَيكَ وَاغـرُبْ أيُّها القَمَرُ

لم يَبقَ في الليلِ إلا الصّوتُ مُرتَعِشًا

إلا الحَمَائِمُ، إلا الضَائِـعُ الزَّهَـرُ

لي فيكَ يا بَرَدَى عَهـدٌ أعِيـشُ بِهِ

عُمري، وَيَسـرِقُني مِن حُبّهِ العُمرُ
  • أسطر شعريّة لشارل بودلير: [٥]
تأخذُني الموسيقى غالبًا مثلَ بحر
نحوَ نجمتي الشاحبة
تحت سقف ضبابي
أو أثير واسع
أرفع الشّراع صدري إلى الأمام
ورئتايَ منفوختانِ كالشّراع.
  • أبيات من قصيدة لعليّ الجارم: [٦]

مَلكَ المُصَابُ عليه كُلَّ جِهاتِه

إِنْ كانَ مِن صَبْرٍ لَدَيْكَ فهاتِهِ

أَسْوانُ تَعْرِفُهُ إِذا اخْتَلَطَ الدُّجَى

بالنَّبْرَة ِ السَّوْدَاءِ في أَنَّاتِه

يَبْكِي ويَنْظُرُ في السَّماء مُصَعِّدًا

ما يَبْتَغِي الْحَيْرَانُ مِنْ نَظَرَاتِه

خَفَقَانُ نَجْمِ الأُفْقِ مِن خَفَقَانِهِ

وَهَجِيرُ قَيْظِ البِيدِ مِنْ زَفَرَاتِه

المراجع

  1. "المذهب الرمزي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019. بتصرّف.
  2. د. سَفر بن عبد الرحمن الحواليّ، العلمانية: نشأتها وتطوّرها وآثارها في الحياة الإسلاميّة المعاصرة، السعودية: دار الهجرة، صفحة (488،489)، ، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019، بتصرّف.
  3. محمد بن عبد العزيز العلي، الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية ، صفحة ( 2/ 629). بتصرّف.
  4. "خذني بعينيك"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019.
  5. "أزهار الشر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019.
  6. "مَلكَ المُصَابُ عليه كُلَّ جِهاتِه"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-5-2019.
4708 مشاهدة
للأعلى للسفل
×