نماذج شعر من المدرسة الواقعية

كتابة:
نماذج شعر من المدرسة الواقعية


نماذج شعر من المدرسة الواقعية

فيما يأتي نماذج لشعر من شعراء المدرسة الواقعية الجديدة:


قصيدة أنشودة المطر

يقول بدر شاكر السياب في قصيدة أنشودة المطر:[١]


عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر
أو شُرفتانِ راح ينأى عنهما القمر
عيناكِ حين تبسِمان تورِقُ الكُروم
وترقصُ الأضواء كالأقمارِ في نهر
يرجُّه المجداف وهناً ساعة السَّحر
كأنما تنبضُ في غوريهما النّجوم
أنشودة المطر
مطر.. مطر.. مطر


تثاءبَ المساء والغُيوم ما تزال.
تسِح ما تسح.. مِن دُموعِها الثقال
كأنَ أقواسَ السَّحاب تشرب الغُيوم
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر
وتغرقانِ في ضبابٍ مِن أسن شفيف
كالبحر سرَّح اليدين
فوقه المساء.. دفءُ الشِتاء
وارتِعاشةُ الخريف
ويهطُلُ المطر
مطر.. مطر.. مطر


قصيدة دار جدي

يقول بدر شاكر السياب في قصيدة دار جدي:[٢]


مطفأةٌ هي النوافذ الكثار،
وباب جدي موصد وبيته انتظار،
وأطرق الباب فمن يجيب، يفتحُ؟
تجيبني الطفولة، الشباب منذ صار،
تجيبني الجِرار جف ماؤها، فليس تنضح:
"بويب"، غير أنها تذرذر الغبار
مطفأة هي الشموس فيه والنجوم
الحقب الثلاث منذ أن خفقت للحياةْ
في بيت جديَ، ازدحمن فيه كالغيوم
تختصر البحار في خدودهن والمياه
فنحن لا نلم بالردى من القبور،
فأوجه العجائز
أفصح في الحديث عن مناجل العصور
من القبور فيه والجنائز
وحين تقفز البيوت من بُناتها
وساكنيها، من أغانيها ومن شكاتها،
نحس كيف يسحق الزمان إذ يدور


قصيدة أغنية للشتاء

يقول صلاح عبد الصبور في قصيدة أغنية للشتاء:[٣]


ينبئني شتاء هذا العام
أنني أموت وحدي
ذاتَ شتاء مثله، ذات شتاء
يُنبئني هذا المساء أنني أموت وحدي
ذات مساء مثله، ذات مساء
وأن أعوامي التي مضت كانت هباء
وأنني أقيم في العراء
ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي
مرتجف بردا
وأن قلبي ميت منذ الخريف
قد ذوى حين ذوت
أولُ أوراق الشجر
ثم هوى حين هوت
أول قطرة من المطر
وأن كل ليلة باردة تزيده بُعدا
في باطن الحجر
وأن دفء الصيف إن أتى ليوقظه
فلن يمد من خلال الثلج أذرعه
حاملة وردا
ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض
وأن أنفاسيَ شوك
وأن كل خطوة في وسطها مغامرة
وقد أموت قبل أن تلحق رِجلٌ رِجلا
في زحمة المدينة المنهمرة
أموت لا يعرفني أحد
أموت لا يبكي أحد
وقد يُقال بين صحبي في مجامع المسامرة
مجلسه كان هنا، وقد عبر
فيمن عبر
يرحمُهُ الله


قصيدة مرثية رجل تافه

يقول صلاح عبد الصبور في قصيدة مرثية رجل تافه:[٤]


مرثية رجل تافه
مضت حياته.. كما مضت
ذليلة موطَّأة
كأنها تراب مقبرة
وكان موته الغريب باهتا مباغتا
منتظَرا، مباغتا
الميتة المكررة
كان بلا أهل، بلا صِحاب
فلم يشارك صاحبا -حين الصبا- لهوَ الصبا
ليحفظ الوداد في الشباب
كان وحيدا نازفا كعابر السحاب
وشائعا كما الذباب
وكنتُ أعرفه
أراه كلما رسا بيَ الصباح في بحيرة العذاب
أجمع في الجراب
بضع لقيمات تناثرت على شطوطها التراب
ألقى بها الصبيان للدجاج والكلاب
وكنت إن تركتُ لقمة أنفتُ أن ألمُّها
يلقطها، يمسحها في كمِّهِ
يبوسها
يأكلها
في عالم كالعالم الذي نعيش فيه
تعشى عيون التافهين عن وساخة الطعام والشراب
وتسألونني: أكان صاحبي؟
وكيف صحبةٌ تقوم بين راحلَيْن؟
إذن لماذا حينما نعى الناعي إليَّ نعيَهُ
بكيتهُ
وزارني حزني الغريب ليلتين
ثم رثيتهُ..


قصيدة آخر عصفور يخرج من غرناطة

يقول نزار قباني في قصيدة آخر عصفور يخرج من غرناطة:[٥]


عيناك.. آخر مركبين يسافران
فهل هنالك من مكان؟
إني تعبت من التسكع في محطات الجنون
وما وصلت إلى مكان..
عيناك آخر فرصتين متاحتين
لمن يفكر بالهروب..
وأنا.. أفكر بالهروب..
عيناك آخر ما تبقى من عصافير الجنوب
عيناك آخر ما تبقى من حشيش البحر،
آخر ما تبقى من حقول التبغ،
آخر ما تبقى من دموع الأقحوان
عيناك.. آخر زفةٍ شعبيةٍ تجري
وآخر مهرجان..
آخر ما تبقى من مكاتيب الغرام
ويداك.. آخر دفترين من الحرير..
عليهما..
سجلت أحلى ما لدي من الكلام


العشق يكويني، كلوح التوتياء،
ولا أذوب..
والشعر طعنني بخنجره..
وأرفض أن أتوب..
إني أحبك..
ظلي معي..
ويبقى وجه فاطمةٍ
يحلق كالحمامة تحت أضواء الغروب
ظلي معي.. فلربما يأتي الحسين
وفي عباءته الحمائم، والمباخر، والطيوب
ووراءه تمشي المآذن، والربى
وجميع ثوار الجنوب..


قصيدة خبز وحشيش وقمر

يقول نزار قباني في قصيدة خبز وحنين وقمر:[٦]


عندما يولد في الشرق القمر..
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر..
يترك الناس الحوانيت ويمضون زمر
لملاقاة القمر..
يحملون الخبز.. والحاكي.. إلى رأس الجبال
ومعدات الخدر..
ويبيعون.. ويشرون.. خيال
وصور..
ويموتون إذا عاش القمر..


ما الذي يفعله قرص ضياء؟
ببلادي..
ببلاد الأنبياء..
وبلاد البسطاء..
ماضغي التبغ وتجار الخدر..
ما الذي يفعله فينا القمر؟
فنضيع الكبرياء..
ونعيش لنستجدي السماء..
ما الذي عند السماء؟
لكسالى.. ضعفاء..
يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمر..
ويهزون قبور الأولياء..
علها ترزقهم رزاً.. وأطفالاً.. قبور الأولياء
ويمدون السجاجيد الأنيقات الطرر..
يتسلون بأفيونٍ نسميه قدر..
وقضاء..
في بلادي.. في بلاد البسطاء..


المراجع

  1. "أنشودة المطر"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  2. "دار جدي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  3. "أغنية للشتاء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  4. "مرثية رجل تافه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  5. "آخر عصفور يخرج من غرناطة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  6. "خبز وحشيش وقمر"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
24276 مشاهدة
للأعلى للسفل
×