محتويات
نماذج عن حسن الظن بالله
إنّ المؤمن إذا تدبر بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، تَوَلَّد لديه صدق التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به، فيظن بالرحمن الرحيم أن يرحمه ويعفوا عنه، ويظن بالرزاق الكريم أن يوسع رزقه، ويظن بالشافي اللطيف أن يشفيه ويلطف به.[١]
وقد جاءت الآيات الكريمة والسنة النوية تحث على حسن الظن بالله في الحياة وعند الموت وبعده، وبينت لنا نماذج من حسن الظن، وجاء عن الصالحين مواقف خالدة عن هذا،[١] ومن نماذج حسن الظن بالله ما يأتي:
النبي وصاحبه في رحلة الهجرة
إنَّ رحلة الهجرة النبوية مليئة بالدروس والعبر، ومن أعظم مواقفها موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أحسن الظن بربه وكان على يقين بنصره وحفظه، وقد خلدت الآيات الكريمة حسن ظن رسول الله بربه ليكون نموذجاً نقتدي به، وتفصيل القصة ما يأتي:
- قال -تعالى-: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[٢]
- عندما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الهجرة مع أبي بكر الصديق توجه إلى غار ثور ليمكث فيه وكانا قد أخذا بالأسباب عندما علموا ببحث قريش عنهم، وكانت إرادة الله أن يتوجه ناس من قريش ويقفون أما باب الغار.[٣]
- صرفهم الله عن النبي بقدرته مع أنهم على وشك رؤيته وقتله، ليُعَلِّم الله رسوله أنَّه لا عاصم له إلا الله ولا ملجأ إلا إليه، ويعلم الرسول الكريم أمته درس في حسن الظن، عندما قال لصاحبه: "إنَّ الله معنا".[٣]
- وصف الصديق -رضي الله عنه- هذا الموقف فقال: (نَظَرْتُ إلى أَقْدَامِ المُشْرِكِينَ علَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ في الغَارِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، لو أنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقالَ: يا أَبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)،[٤] وما ظنهم إلا أحسن الظن بالله، وقد وجدوا الله عند حسن ظنهم، (قالَ اللَّهُ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي).[٥]
حسن الظن بالله يوم الحساب
وعد الله عباده التائبين المستغفرين بالمغفرة، وجاء في القرآن بشائر بحسن جزائهم يوم يلقونه، وحذَّرهم من اليأس والقنوت، قال -تعالى-: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)،[٦] فالعبد يعلم أنَّ عمله الصالح لو وزن مقابل نعمة البصر فقط ما كفت، وأن ذنوبه كثيرة كزبد البحر، وأنه مقصر، لكنه يحسن الظن بالله، ويرجوا جنته وأن يشمله برحمته التي وسعت كل شي.[٧]
ويحسن الظن بالله بأن يوفقه للتوبة قبل الممات، بل ويحسن الظن بربه فيرجوا الفردوس الأعلى، ورفقة محمد وصحبه في جنة الخلد،[٧]وذكرت لنا السنة النبوية نماذج من عفو الله وكرمه لمن أحسن الظن فيه، منها ما يأتي:
- (إنّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَومَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وتِسْعِينَ رَحْمَةً، وأَرْسَلَ في خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فلوْ يَعْلَمُ الكافِرُ بكُلِّ الذي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، ولو يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بكُلِّ الذي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذابِ، لَمْ يَأْمَن مِنَ النَّارِ).[٨]
- (لو يَعْلَمُ المُؤْمِنُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ العُقُوبَةِ، ما طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، ولو يَعْلَمُ الكَافِرُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، ما قَنَطَ مِن جَنَّتِهِ أَحَدٌ).[٩]
- (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).[١٠]
- (إن شئتُم أنبأتُكم ما أوَّلُ ما يقولُ اللَّهُ تعالى للمؤمنينَ يومَ القيامةِ وما أوَّلُ ما يقولونَ لهُ فإنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ للمؤمنينَ هل أحببتُم لقائي فيقولونَ نعم يا ربَّنا فيقولُ لِمَ فيقولونَ رجَونا عفوَكَ ومغفرتَكَ فيقولُ قد أوجبتُ لكم عفوي ومغفرتي).[١١]
المراجع
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البيان، صفحة 18. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية:40
- ^ أ ب عطية سالم ، كتاب دروس الهجرة، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:2381، صحيح.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:7505 ، صحيح.
- ↑ سورة يوسف، آية:87
- ^ أ ب أبو ذر القلموني، كتاب ففروا إلى الله، صفحة 84. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:6469 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2755 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2877 ، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير ، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:2650 ، صحيح.