نماذج من علماء المسلمين الجزائريين

كتابة:
نماذج من علماء المسلمين الجزائريين

عبد الحميد بن باديس

هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن باديس، أحد كبار العلماء المجددين ورجال الإصلاح في الجزائر، وهو رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، منذ تأسيسها عام 1931م وحتى وفاته، والزعيم الروحي للثورة ضد الاستعمار الفرنسي، ولد في مدينة قسنطينة عام 1889م، ونشأ في أسرةٍ تشتهر بالعلم والثقافة والثراء والمكانة الاجتماعية، ودرس في مسقط رأسه ثم انتقل إلى تونس فأتم دراسته فيها وتخرج في جامع الزيتونة بشهادة التطويع عام 1911-1912م، ثم عاد إلى الجزائر وبدأ رحلته العلمية والإصلاحية فيها عبر التعليم وتنشئة الشباب.[١]

كان الإمام ابن باديس رجلاً مؤثراً وذا همةٍ عاليةٍ ونظرةٍ سديدةٍ، ما جعل الأعداء يكيدون له ويحاولون إبعاده عن طريقهم، لكنه لم يتوقف عن نشر العلم والوعي، فأنشأ جريدة "المنتقد" عام 1926م، لكن الاستعمار الفرنسي قام بإيقافها ومنعها بعد مدةٍ قصيرة، فأنشأ بعدها مجلة "الشهاب" وهي تعد مرجعاً هاماً في تاريخ الجزائر ونهضته، وقد صدر منها حوالي 15 مجلداً في حياة ابن باديس، وقام ابن باديس بإنشاء العديد من الصحف والمجلات الأخرى في الجزائر، مثل "الشريعة" و "السنة المحمدية" و"الصراط"، ولكن الاستعمار الفرنسي كان يحاربها ويوقفها.[١]

واستمر الإمام ابن باديس في نشاطه العلمي والإصلاحي وفي مقاومته للاستعمار الفرنسي، وقد حاول الاستعمار إغراءه بالمنصب؛ ليتوقف عن مقاومته، لكنه رفض ذلك بشدة، وقد نشط الإمام في العديد من المدن الجزائرية، مثل وهران وتلمسان والعاصمة: الجزائر، وكان له دورٌ في إنشاء الكثير من المدارس في الجزائر أثناء ترؤسه لجمعية العلماء المسلمين.[١]

وقد ترك خلفه بعض المؤلفات، مثل: كتاب "العقائد الإسلامية"، وكتاب "مجالس التذكير" في تفسير القرآن، حيث قضى حوالي 14 عاماً وهو يقوم بتدريسه، وتوفي -رحمه الله- في مسقط رأسه قسنطينة عام 1940م.[١]

محمد البشير الإبراهيمي

ولد يوم الخميس سنة (1889م) وتوفي سنة (1965م)، وتلقى أصول علومه في أسرته، وأكثرها على يد عمّه، وكان ذا عقليةٍ عبقريةٍ فذةٍ نَدَرَ نظيرها في الناس؛ فقد كان آيةً في الإتقان منذ صباه، حفظ القرآن الكريم بإتقانٍ وهو ابن ثمان سنينٍ مع ألفية ابن مالك، وقد حفظ ألفيَّتي العراقي في السير وفي الأثر.[٢]

بالإضافة إلى العديد من المتون العلميَّة المطوّلة، والكتب الكثيرة في مختلف علوم اللغة والشريعة، وكل ذلك قبل أن يتم الرابعة عشرة من عمره، وقد سافر من أجل طلب العلم ولقاء العلماء إلى الحجاز والقاهرة ودمشق.[٢]

أسّس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سنة (1931م)، وانتُخب رئيساً لها بعد وفاة الإمام ابن باديس سنة (1940م)، وأسّس بعد خروجه من السجن نحو سبعين مدرسةً عربيَّةً حرَّةً متفرقةً في الجزائر في أقل من سنتين، بالإضافة إلى نحو مائةٍ وخمسين مدرسةً ابتدائيةً، بلغ عدد طلابها قرابة مائةٍ وخمسين ألفاً، وكان له زياراتٌ علميةٌ إلى العراق والحجاز، وسوريا والأردن، والقدس مرَّاتٍ عديدةٍ؛ بقصد التعريف بالجزائر وإرسال بعثاتٍ من تلامذة الجمعية يدرسون في معاهدها.[٣]

وقد حققت جمعيته كلّ هذه المنجزات رغم ملاحقة الاستعمار الفرنسي له، ومطاردته ونفيه وسجنه؛ فكان له أثرٌ كبيرٌ في إيقاظ العقول وإنارتها بالعلم والتدين، بالإضافة إلى مواجهة الاستعمار الفرنسي، وتعظيم الثورة الجزائرية في النفوس، ودفع الجزائريين إلى ذلك بعقيدةٍ ثابتةٍ راسخةٍ لا يزيدها جبروت الظلم الاستعماري إلا رسوخاً.[٤]

مالك بن نبي

ولد سنة (1905م) بقسنطينة وتوفي سنة (1973م)، وهو كاتبٌ ومفكرٌ إسلاميٌ اجتماعيٌ، من رواد النهضة الفكرية الجزائرية في القرن العشرين، رحل إلى كثيرٍ من البلاد وأقام في فرنسا زمناً، ثم هرب منها بعد إعلان الثورة الجزائرية، وله مؤلفاتٌ فكريةٌ كثيرةٌ من أشهرها: الظاهرة القرآنية، ومشكلة الثقافة، وشروط النهضة، ومشكلة الأفكار، والقابلية للاستعمار، وغيرها، أصدر كثيراً من مؤلفاته بالفرنسية ثمّ تُرجمت إلى العربية، وكان عضواً في مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة.[٥]

كان مالك بن نبي يُحاول أن يُحدّد أبعاد المشكلة، والعناصر الأساسية في الإصلاح، وكان كذلك أول من بحث مشكلة المسلمين على أساسٍ من علم النفس والاجتماع؛ وله نظريَّةٌ في التغيير الاجتماعي تقوم على تقسيم كلّ حضارةٍ إلى: الإنسان والتربة والوقت، ويؤكد على أنّ كلّ حضارةٍ تبدأ بنظامٍ أخلاقيٍ يكون له جذوره في بعض الأسس الدينية، واعتبره بعضهم امتداداً لابن خلدون.[٦]

خلَّف وراءه تراثاً فكرياً إصلاحياً رائداً، جديراً بالاهتمام والعناية والاستفادة منه؛ لما له من طابعٍ إنسانيٍ لا يختص بمرحلةٍ معينةٍ، أو طورٍ من الأطوار، بل كان يحاول أن يحدّد المشكلات والأمراض الإنسانية، ويشخّصها ويضع الحلول لها، وفق أصوله الفلسفيّة الاجتماعيّة والإنسانيّة، متجاوزاً تقييدها بمجتمعٍ معينٍ أو فترةٍ زمنيةٍ أو حالةٍ استثنائيةٍ خاصةٍ، ويظهر ذلك جلياً في أسماء عددٍ من مؤلفاته ومضمونها.[٦]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث عادل نويهض، معجم أعلام الجزائر، صفحة 28. بتصرّف.
  2. ^ أ ب البشير الإبراهيمي (1997)، آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (الطبعة 1)، صفحة 166، جزء 5. بتصرّف.
  3. أبو القاسم سعد الله (2007)، تاريخ الجزائر الثقافي، الجزائر:دار البصائر، صفحة 582، جزء 10. بتصرّف.
  4. البشير الإبراهيمي (1997)، آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (الطبعة 1)، صفحة 172، جزء 5. بتصرّف.
  5. عادل نويهض، معجم أعلام الجزائر، صفحة 282. بتصرّف.
  6. ^ أ ب أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، صفحة 592. بتصرّف.
4589 مشاهدة
للأعلى للسفل
×