نموذج للموشحات الأندلسية

كتابة:
نموذج للموشحات الأندلسية


موشح (جادك الغيث)

قال لسانُ الدّين بنُ الخطيب:


جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى

يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ

لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما

في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ

إذْ يقودُ الدّهْرُ أشْتاتَ المُنَى

تنْقُلُ الخَطْوَ علَى ما يُرْسَمُ

زُفَراً بيْنَ فُرادَى وثُنَى

مثْلَما يدْعو الوفودَ الموْسِمُ

والحَيا قدْ جلّلَ الرّوضَ سَنا

فثُغورُ الزّهْرِ فيهِ تبْسِمُ

ورَوَى النّعْمانُ عنْ ماءِ السّما

كيْفَ يرْوي مالِكٌ عنْ أنسِ

فكَساهُ الحُسْنُ ثوْباً مُعْلَما

يزْدَهي منْهُ بأبْهَى ملْبَسِ

في لَيالٍ كتَمَتْ سرَّ الهَوى

بالدُّجَى لوْلا شُموسُ الغُرَرِ

مالَ نجْمُ الكأسِ فيها وهَوى

مُسْتَقيمَ السّيْرِ سعْدَ الأثَرِ

وطَرٌ ما فيهِ منْ عيْبٍ سَوَى

أنّهُ مرّ كلَمْحِ البصَرِ

حينَ لذّ الأنْسُ مَع حُلْوِ اللّمَى

هجَمَ الصُّبْحُ هُجومَ الحرَسِ

غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما

أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ

أيُّ شيءٍ لامرِئٍ قدْ خلَصا

فيكونُ الرّوضُ قد مُكِّنَ فيهْ

تنْهَبُ الأزْهارُ فيهِ الفُرَصا

أمِنَتْ منْ مَكْرِهِ ما تتّقيهْ

فإذا الماءُ تَناجَى والحَصَى

وخَلا كُلُّ خَليلٍ بأخيهْ[١]


موشح (هل لما بي طبيب)

قال عبادةُ بنُ ماءِ السّماء:


هل لما بي طبيبْ

من أليم النهشِ

إذا أبيت سليمْ

بالعيون الرقشِ

آهِ من علّتي

قد دنا توديعْ

ذهبت صحتي

بالكرا الممنوعْ

يا ذوي خلّتي

كيف بالملسوعْ

من جفون ربيبْ

شارد الوحشِ

ردّ جسمي سقيمْ

لا يرى في الفرشِ

علّلوا رمقي

بشذا أنفاسهِ

سكّنوا قلقي

بحلا وسواسهِ

برّدوا حرقي

بحميّا كاسهِ

لو بذاك الشنيبْ

من لثاث خمشِ

على قتلي يريمْ

لاحياً في نعشِ

مرّ بي نازحاً

ودنا لو يدني

بالنوى بارحاً

كالقضيب اللدن

ينثني راجحاً

في الربى من عدْنِ

يا له من قضيبْ

يغتذي بالرشِّ

تحت برد النعيمْ

برذاذ العرشِ

نشره سَحَرا

روضة الخيري

شربه مَطَرا

عبق الألري

ماشياً قمرا

في صفا درّي

ليته لا يغيبْ

فسناه يعشي

نيّرات النجومْ

ونباتِ نعشِ

زرته هائماً

في تناهي سكري

واقعاً قائماً

ليس شيئاً أدري

فشدا ناظماً

ما رأى من أمري

يا جمال الحبيبْ

إذا أتانا يمشي

ويقع ويقومْ

ويقول اش ذا اشّ

كيف أن يسلا

من براه الهجرُ

في هوى من لا 

يتعاطى البدرُ

حسنه كلا

ليس عنه صبرُ

سرِّيَ المكتومْ

في هواه فاشِ

أنا أفديه

من غزال ناعمْ

في جنى فيه

برء سقم الهائمْ

لم أطعْ فيه

كلَّ واشٍ لائمْ

إنّ عين اللومِ

أن يطاع الواشي

لست أسلاه

وبقلبي بلوى

منه لولاهُ

كنت منه خلوا

حسبيَ اللهُ

وإليه الشكوى

كل ذا محتومْ

فدعوا إيحاشي

إن يكن أظهرْ

غدره أو حالا

لم أدع مفخرْ

في القلى أوحالا

إنَّ لي معشرْ

سادة ما زالا

بالعلى معلومْ

ير كهلهم والناسِ

مال إذ مرّا

ماشياً كالغصنِ

يفضح البدرا

من تناهي الحسنِ

وشدا عذرا

من حياءٍ منّي

ونقع ونقومْ

ونقل اش ذا شّ


موشح (حب المها عباده)

قال عبادةُ بنُ ماءِ السّماء:

حب المها عباده

من كَّلِ بسامِ السوارِ

قَمر يطْـلُـع  

مـن حسنِ آفاق الكَمال

حسـنُه الأَبدع

لِلَّه ذَات حسنِ مليحةُ المحـيا

لها قَوام غُصنِ وشنْفُهـا الثُّريا

والثَّغْر حب مزنِ

رضابه الحميـا

من رشْفه سعاده

كأَنَّه صرفُ الْعقَـارِ

جوهر رصع 

يسقيك من حلْوِ الزلالِ

طَيب المشْرع 

رشيقَةُ المعاطفْ

كالغُصـنِ في القَوامِ 

شَهديةُ المراشفْ

كالـدر في نظـامِ 

دعصيةُ الروادفْ

والخَصر ذو انْهِضامِ 

جوالَةُ القـلادةْ

محلُـولَةُ عقْد الإزارِ  

حسنُهـا أبدع

من حسنِ ذَياك الغَزالِ

أكْحـلِ المدمع 

يليةُ الـذَّوائِب

ووجهـهـا نَهـار 

مصقُولَةُ التَّرائِب

ورشْفُهـا عقَــار

أَصداغُها عقَارِب

والخَــد جـلّنَـار 

نَاديتُ وافُؤَاده

من غَادة ذات اقْتدارِ

لَحظُهـا أَقْطَع 

مـن حد مصقُولِ النِّصالِ

في الفتى الأَشْجع 

سفَرجلُ النُّهود

في مرمرِ الصـدورِ

يزهى على العقُود

من لَبـة النُّحـورِ 

بمقْلَـة وجِيـد

من غَادة سـفُـور

حبي لَها عباده

أَعوذُ من ذَاك الفَخَارِ 
بِرشاً يرتَـع 

في روضِ أَزهارِ الجمالِ

كُلَّمـا أَينَـع 

عفيفَةُ الذُّيـولِ

نَقيةُ الثِّيـابِ

سلاَّبةُ العقُـولِ

أَرقُّ من شَــرابِ 

أَضحى لَها نُحولِي

في الحب من عذَابِي 

في النَّومِ لِي شرادة

وحكْمها حكْم اقْتدارِ 
كُلَّمـا أَمنَـع  

منها فإن طَيفُ الخَيالِ

زارني أَهجع[٢]

المراجع

  1. "جادك الغيث إذا الغيث همى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2022.
  2. عباسة محمد، الموشحات والأزجال الأندلسية وأثرها في شعر التروبادور، صفحة 161 162. بتصرّف.
5634 مشاهدة
للأعلى للسفل
×