هل الاكتئاب مرض وراثي؟

كتابة:
هل الاكتئاب مرض وراثي؟

الاكتئاب

يَرتبط مفهوم الاكتئاب بمفهوم الحُزن، ولعلّ الحزن مصطلح غنيّ عن التعريف، فلا بُدّ أن جميع الناس يشعرون به، فيشعرون بالحزن عند انهدام الآمال أو الفشل أو فقدان الأحبّة مثلًا، ولكنْ، ما يميّز الاكتئاب عن الحزن أنّه شعور بالحزن طويل المدى، إذ يمتدّ هذا الشعور على مدار الساعة، فيظهر بصورة أشدّ من الحزن، فيضطرب الفرد وتختلط مشاعر الحزن مع خيبة الأمل والأسى، وفي تلك اللحظات يصبح العمل البسيط شيئًا لا يطاق، ولعلّ أبرز نقطة في تشخيص الاكتئاب هو أنّ هذه الحالة تعيق الفرد بدرجة جوهرية عن أداء أنشطته وواجباته، وقد كان مفهوم الاكتئاب محط أنظار العلماء لمعرفة أسبابه ومعرفة هل الاكتئاب مرض وراثي؟[١]

مظاهر الاكتئاب

يعدّ الاكتئاب مرضًا يصيبُ الذّهن والجسد معًا، لذلك تَظهر أعراض ومظاهر نفسية وجسدية على المكتئبين، إلّا أنّ طبيعتها تختلف من شخص لآخر، ولفهم هل الاكتئاب مرض وراثي؟ لا بُدّ من فهم هذه المظاهر، ومن المظاهر التي تظهر على مريض الاكتئاب الآتي:[٢]

  • تعكر المزاج: غالبًا ما يكون المزاج المتعكر الذي يصيب المكتئبين أقوى من الشعور العادي بالحزن، فيظهر الاكتئاب في شكلِ الشعور الدائم بالحزن والفراغ والضياع والخوف، ويَصِف أحد مرضى الاكتئاب أنّ ذلك الشعور أشبه بالعيش تحت غيمة ماطرة تسيطر على كل جزء من حياته.
  • انعدام اللذة: يمنع الاكتئاب أصحابه من التمتع بأي شيء يقومون به، فيفقد الشخص المكتئب الاهتمام بهواياته التي تعود على ممارستها فتختفي المتعة من حياته، وهذا ما يطلق عليه الأطباء انعدام اللذة.
  • القلق: يسيطر شعور القلق على المصابين بالاكتئاب، فيشعرون على الدوام أنّهم مهدّدون، وبهذا يشعر الفرد بأنه على شفا هاوية، وقد يستيقظ بعض الأشخاص المكتئبين صباحًا والقلق الشديد يسيطر عليهم فيجد نفسه حادَّ الطّباع ويصعب على الآخرين التعايش معه.
  • التفكير الكئيب: عند الإصابة بالاكتئاب يتغيّر نمط التفكير، فيرى الشخص المكتئب العالم من منظور مختلف، وتطغى عليه الأفكار السلبية وعلى كل ما يحيط به، ممّا يؤدي إلى تشوّه ما حوله ويعزّز اكتئابه، وقد يلوم نفسه على أشياء سيئة أكثر مما يستدعي الأمر، متناسيًا الأمور الحَسَنة التي قام بها.
  • أفكار انتحارية: عندما يصل الشخص إلى أعمق نقطة في دوّامة الاكتئاب، يبدو الماضي سيئًا ومليئًا بالأخطاء ويبدو الحاضر مريعًا والمستقبل مخيفًا، فيتوصل بعض المكتئبين إلى فكرة أنّ الحياة لا تعني شيئًا وأنّه لا جَدوى منها لذلك قد يفكرون بالانتحار، ولكنّ عددًا كبيرًا من المنتحرين لا يُقدِمون على الانتحار الفعليّ، بل تبقى فكرة الانتحار فكرة عابرة.

أسباب الاكتئاب

تعدّدت الآراء والنظريات المفسِّرة لحالة الاكتئاب التي انتشرت في العالم، فيتساءل الكثيرون هل الاكتئاب مرض وراثي؟، لكن إن هناك حقيقة شبه مؤكدة حول حقيقة الاكتئاب، وهي أن أسباب الاكتئاب متداخلة وتفاعلها مع بعضها يؤدي إلى الاكتئاب، ومن هذا الأسباب الآتي:[٣]

  • الاكتئاب والشخصية: إن شخصية الانسان هي محصّلة لمؤثرات خارجية متعددة وصلت لما هي عليه بواسطة الإدراك لما يحيط بالفرد، وبذلك ينشأ السلوك الانساني وهو الجزء الذي يراه الآخرون، ومن خلال الدراسات لوحظ أن مرضى الاكتئاب عند التقصي عن شخصيتهم قبل الاكتئاب وجد أنّهم من النوع الذي يغلب عليه تقلب المزاج من المرح والنشاط وحب الحياة إلى الكسل والحزن.
  • مظهر الجسم والاكتئاب: يؤثر مظهر الجسم ومدى رضى الفرد عن جسمه في الشعور بالاكتئاب، فيشعر الشخص المكتنز أي الممتلئ مع قصر القامة، أو الشخص النحيف أي الرفيع مع طول القامة بأنه غير راضٍ عن نفسه ومن الصعوبة تغيير طبيعة جسده لذا يدخل في حالة الاكتئاب.
  • الفاجعة والاكتئاب: إنّ الخبرات الأليمة التي يتعرض لها الفرد كفيلة لأن يدخل في حالة شديدة من الاكتئاب مثل فقدان شخص عزيز أو تفكك الأسرة أوانفصال الزوجين أو الأزمات الاقتصادية، حيث أن مرض الاكتئاب قد يظهر عقب هذه الحوادث مباشرة، حيث إنّ هذه الخبرات الأليمة تتفاعل داخل النفس البشريّة، وتحرّك انفعالاتٍ مكبوتةً والنتيجة في النهاية ظهور الاكتئاب.

هل الاكتئاب مرض وراثي؟

قد شَغَل سؤال: هل الاكتئاب مرض وراثي؟ بالَ علماء النفس، وقد حاول العلماء الإجابة عن هذا السؤال عبر الدراسات التي أجريت على الأسر، فلوحظ عند دراسة الأسر التي تتميز بوجود حالات متعددة لمرضى الاكتئاب أنّ عدد الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب في أسرة المريض تزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن الأسر العادية وهذا يؤكد العامل الوراثي في مرض الاكتئاب، وفي دراسات أجريت على التوائم الذين يعيشون معًا أو ينفصل أحدهم ليعيش في مكان بعيد عن الآخر، وتبين أن الاستعداد الوراثي للاكتئاب يوجد لدى التوائم بغض النظر عن الظروف المحيطة بهم مما يؤكد وجود العامل الوراثي، ويلاحظ أيضًا علاقة بين الاكتئاب وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى مثل الشخصية الاكتئابية التي لها استعداد وراثي للإصابة بالاكتئاب أو حتى الشخصية الفصامية.[٤]

وهناك من الناحية العلمية الكثير من الأسئلة يتم توجيهها إلى الأطباء النفسيين مثل هل الاكتئاب مرض وراثي؟ أو هل من العادي الإقدام على الزواج من شخص مصاب بالاكتئاب، فهل يمكن أن يصاب أطفالهم بالاكتئاب إن حصل الزواج، والواقع أن الإجابة على مثل هذه الأسئلة ليس بالأمر السهل وخصوصًا أن المعلومات التي سيقدمها الطبيب تتضمن قدرًا كبيرًا من المسؤولية في تغيير حياة الأفراد وتدفعهم إلى اتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على مستقبلهم، ولكن في اختبار أجري على 10 أزواج يعاني بهم الزوج من مرض الاكتئاب، سُئل الرجال عن أنه لو كان يعلم عن حالته ما يعرفه الآن هل كان سيقدم على الزواج وكان النتيجة أن 9 من كل 10 من مرضى الاكتئاب كانت إجابتهم: نعم، أما عند سؤال زوجات مرضى الاكتئاب كانت الإجابة في نسبة تزيد عن 50%: لا.[٤]

ولكن من الظواهر الطريفة التي أكّدتها الدراسات أن مرضى الاكتئاب يميل يعضهم إلى بعض عند الاختيار للزواج، حيث يصدق المثل المعروف الطيور على أشكالها تقع، أي أن مريض الاكتئاب يميل إلى من يتشابه معه في الصفات لتكون شريكة لحياته، وهذا ما يزيد من فرص إصابة الأبناء بالاكتئاب أيضًا، ولا يزال هناك الكثير أما علماء الطب والوراثة والنفس ليتم اكتشاب أسرار العوامل الوراثية في مرض الاكتئاب النفسي.[٤]

كيفية تخطي الاكتئاب

بعد الإجابة عن سؤال: هل الاكتئاب مرض وراثي؟ قد يعتقد المصابون بالاكتئاب أنه لا يوجد في اليد حيلة، لكن في الحقيقة يتحمل الفرد المسؤولية إلى حد ما في الحفاظ على حالة الاتزان والصحة النفسية في مواجهة الحياة من حوله، والصحة النفسية لا تعني فقط غياب المرض بل أيضًا تحقيق قدر معقول منة الراحة البدنية والنفسية والاجتماعية وبهذا يحقق الفرد التوافق مع الحياة، لكن يطرح الكثيرون سؤال: هل الاكتئاب مرض وراثي؟ للتملص من دورهم في علاج أنفسهم، فيجب على الفرد أن يجد سعادته ويبحث عنها ويركز على النواحي الإيجابية في نفسه وفي حياته بدلًا من التركيز على الأمور السلبية فقط، ومن أهم واجبات المريض حين يشعر ببوادر اعراض الاكتئاب أن يبادر إلى السعي لوضع حل لهذه المشكلة أو الاستعانة في طبيب نفسي.[٥]

المراجع

  1. د. عبد الستار إبراهيم (1990)، الاكتئاب، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، صفحة 13. بتصرّف.
  2. كوام مكنزي (2013)، الاكتئاب (الطبعة الأولى)، الرياض-السعودية: دار المؤلف، صفحة 5،6،7،8،9،12،13. بتصرّف.
  3. د. لطفي الشربيني، الاكتئاب: المرض والعلاج، مصر: منشأة المعارف، صفحة 40،41،43. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت د. لطفي الشربيني، الاكتئاب: المرض والعلاج، مصر: منشأة المعارف، صفحة 55،56،57،58. بتصرّف.
  5. د. لطفي الشربيني، الاكتئاب: المرض والعلاج، مصر: منشأة المعارف، صفحة 234،235. بتصرّف.
4452 مشاهدة
للأعلى للسفل
×