هل الميت يشعر بمن يبكي عليه

كتابة:
هل الميت يشعر بمن يبكي عليه

هل الميت يشعر بمن يبكي عليه؟

وردَ عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر أهل العلم، أنَّه عندما أُصيب عمر بن الخطاب أقبل عليه صهيب يبكي ويعوّل على ما جرى لأمير المؤمنين، فردَّ عليه عمر وأخبره بما ورد عن الرسول الكريم في البكاء على الميت: (مَن يُبْكَى عليه يُعَذَّبُ).[١][٢]

والمقصود بكلمة (يُعذب) في الحديث الشريف؛ أيّ أن الميت يتألم بسماع بكاء أحبابه عليه، فيرقُّ لهم ويحزن عليهم، ويصيبه الأسى عليهم، وذلك كلّه في حياة البرزح، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء وابن تيمية وابن القيم.[٢]

هل يشعر الميت بالدود وهو يأكل جسده؟

لقد بيَّن الرسول الأمين أنَّ كل أهل الأرض عرضة لأن تتحلل أجسامهم ويأكلها الدود باستثناء الأنبياء؛ وهذه كرامة لهم من الله في مماتهم، فقد حرَّم الله -تعالى- على الأرض أكل أجسام الأنبياء -عليهم السلام-، فقد ثبت عن النبي الكريم أنه قال: (ليسَ مِنَ الإنْسانِ شيءٌ إلَّا يَبْلَى، إلَّا عَظْمًا واحِدًا وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيامَةِ).[٣][٤]

وفي مسألة شعور الميت بأكل الدود له وتحلُّله ذكر العلماء تفصيلاً لذلك فيما يأتي:[٤]

  • إذا كان الميت من أهل الصلاح

وكان مؤمنًا إيماناً مستقيماً؛ فإنَّه لا يشعر بهذا الألم، ذلك لما فيه من عذاب في التحلُّل وأكل الدود له، وهذا ما يتنافى مع وعد الله ورحمته في ما تناقلته كتب أهل السنة وكتابه الكريم من أنَّ الله لا يُعذِّب المتقين بل يرحمهم، ويخفِّف عليهم، وما هذه إلا أجساد والروح هي من عند الله وحين وفاة الميت تعود هذه الروح إلى الله.

  • إذا كان الميت من أهل الكفر

يمكن أن يشعروا بألم أكل الدود لأجسادهم؛ لما ورد عن أهل العلم أن في القبر حالين من النعيم أو الشقاء، وعليه فيلحق العذاب روح وبدن الطغاة.

متى يبدأ حساب الميت؟

تبدأ مرحلة حساب الميت من اللحظة التي يُسأل فيها، وقد ذكر أهل العلم أن الميت يُسأل عند الدفن، وعليه وجب بيان أنَّ كلَّ ميِّت يُسأل ويشعر بالنعيم والعذاب، سواء دفن أم لم يدفن؛ كأن يتأخر الميت في الثلاجة، أو تأكله السباع والضباع، أو من يموت غرقًا أو حرقًا بالنار، وغيرها من أسباب الوفاة التي لا يُدفن فيها جسم الميت، وقد ثبت عن النبي الكريم أنه قال: (استَغفِروا لأخيكم وسَلُوا له التَّثبيتَ؛ فإنَّه الآنَ يُسأَلُ).[٥][٦]

ما حكم فتح القبر لدفن ميت آخر؟

الصحيح عند العلماء أنَّ الميت إذا دُفن في قبر لا يُفتح عليه قبل أن يبلى عظمه، ولا يشاركه أحد في هذا القبر، ولا يتمُّ النبش في عظامه أو فتح القبر عليه ودفن ميت آخر معه، ولا يجوز دفن الميت مكان ميت آخر في القبر إلا في حالة ألا يبقى أيّ أثر للميت الأول؛ فيجوز حينئذٍ الدفن، بشرط أن تبلى عظام الميت، وأن تكون التربة خالية من كل أثر لهذا الميت.[٧]

وأما إذا استدعى الحال لدفن ميت مع ميت آخر في المقبرة وكانت هنالك عظام من الميت الأول؛ فالأصح أن يتم إعادة التراب وعدم دفن الآخر، أما إذا استدعت الحاجة القصوى ولم يتمّ إيجاد قبر آخر؛ فيجوز دفنه معه.[٧]

ولا يجوز دفن اثنين في قبر واحد وإن اتَّحدا في الجنس، إلا إذا دعت الضرورة التي يقدِّرها أصحاب الخبرة والاختصاص، فيجوز ذلك لضرورة الموقف، قال ابن قدامة: وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ رَمِيمًا، جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ، وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. فَإِنْ حَفَرَ، فَوَجَدَ فِيهَا عِظَامًا دَفَنَهَا، وَحَفَرَ فِي مَكَان آخَرَ.[٧]

متى تبدأ حياة البرزخ وكم مدتها؟

وضح العلماء أن اليوم الآخر يختلف من إنسان لآخر باختلاف موعد الوفاة، وأما يوم البعث فهو للناس كافة في موعد واحد؛ وعليه فعندما تبدأ سكرات الموت ولحظات مفارقة الحياة الدنيا ويتجه الإنسان إلى الآخرة؛ حينها يبدأ اليوم الآخر بالنسبة لكل إنسان.[٨]

حياة البرزخ بالنسبة للمؤمن تتمثل في النعيم ورؤية مقعده في الجنة ويكون مطمئنًا وينال جسده الراحة بلا عذاب ويخلد في الجنة، أمّا الكافر روحه تُعرض على النار وينال جسده نصيباً من العذاب، ويوم البعث تخلد روحه في النار، وتخلد أرواح المؤمنين في الجنة.[٩]

ولا يُعلَم بالضبط مدّة حياة البرزخ فذلك أمر توقيفيّ، وقد وردَ في قوله -تعالى-: (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ* قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)،[١٠] وفسَّر ذلك القرطبي بأنَّ شدَّة العذاب أنستهم مدَّة إقامتهم في القبور.[١١]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:927، صحيح.
  2. ^ أ ب سعيد القحطاني، أحكام الجنائز، صفحة 156، جزء 1. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4935، صحيح.
  4. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1649، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في أحكام الجنائز، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم:198، صحيح.
  6. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 90، جزء 255. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 4556، جزء 5. بتصرّف.
  8. عطية سالم، شرح الأربعين النووية لعطية سالم، صفحة 3، جزء 9. بتصرّف.
  9. ابن باز، فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر، صفحة 322، جزء 4. بتصرّف.
  10. سورة المؤمنون، آية:112-114
  11. شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 155، جزء 12. بتصرّف.
5091 مشاهدة
للأعلى للسفل
×