هل بكتيريا الأمعاء هي المسؤولة عن المزاج العصبي عند الأطفال؟

كتابة:
هل بكتيريا الأمعاء هي المسؤولة عن المزاج العصبي عند الأطفال؟

دراسة حديثة تربط ما بين معدلات بكتيريا الامعاء ومزاج الطفل العصبي، اليكم تفاصيلها:

طرحت بعض مواقع الانترنت منها موقع ميل أونلاين سؤالاً حول "المزاج الغاضب" ومن ثم استطردت قائلة "إن بكتيريا الأمعاء التي يصاب بها طفلك هي السبب وراء سلوكه السيئ". وهذا الأمر يعتمد على نتائج الدراسات التي أظهرت العلاقة ما بين أنواع البكتيريا، في عينات البراز للأطفال البالغين من العمر عامين،  وتغيير مزاجهم.

كما وجهت العديد من الدراسات اهتماماً كبيراً حول علاقة انتشار بكتيريا الأمعاء (المعروفة باسم جراثيم القناة الهضمية) وتأثيرها على الصحة.

فقد ربطت الدراسات ما بين بكتيريا الأمعاء وغيره من الأمراض الأخرى ومنها السمنة والحساسية وأمراض الأمعاء، ويحاول الباحثون الآن معرفة ما إن كانت البكتيريا هي السبب وراء تدهور الحالة النفسية أم لا –ومنها مثلا إصابة الشخص بالقلق والاكتئاب.

لذلك قام الباحثون بأخذ عينات من براز 75 طفل من ولاية أوهايو بالولايات المتحدة وتولت أمهاتهم ملء الاستبيانات الخاصة بحالتهم المزاجية وسلوكهم وكان الهدف من ذلك هو رغبتهم في معرفة العلاقة بين جوانب المزاج لدى الطفل وبكتيريا الأمعاء.

ووجد الباحثون أن كل من الفتيات والأولاد الذين يعانون من بكتيريا الأمعاء هم أكثر عرضة لما يسمى بـ "الاستثارة" – وهو مصطلح يستخدم لوصف مجموعة السلوك المتهور وفرط النشاط. ونظرا لتوصل الدراسات لهذه النتائج أصبح من المستحيل نفي فكرة العلاقة ما بين البكتيريا وسلوك الطفل. وهذا البحث الذي بين أيديكم هو بحث استكشافي لذلك لن نخرج منه بالعديد من الاستنتاجات.

ونحن ننصحك بضرورة تغيير جراثيم القناة الهضمية لطفلك من أجل تحسين سلوكهم، فعليك فقط التركيز على لحظات انفعال طفلك.

من أين تأتي حقيقة القصة؟

وقد أجريت هذه الدراسة من قبل مجموعة من الباحثين في جامعة ولاية أوهايو بالولايات المتحدة وتم تمويله من قبل المنح المقدمة من الجامعات والمعاهد الوطنية للصحة والمركز الوطني للنهوض بالعلوم. وقد تم نشره في أحد المجلات الطبية الموثقة التي تعني بالدماغ والسلوك والجهاز المناعي.

وتجاهلت ميل أونلاين التحذيرات التي ذكرتها الدراسة بشأن علاقة البكتيريا بالتغييرات المزاجية أو السلوكية بزعم أن الدراسة أعلنت عن "وجودة عدد معين من البكتيريا يمكنها أن تؤثر على سلوك الطفل" وأن الآباء والأمهات عليهم دائماً "إلقاء اللوم على البكتيريا" الموجودة بأمعاء الطفل عند تغيير سلوكه.

ولم تهتم الدراسة بالسلوكيات السيئة فحسب بل إنها اهتمت بدراسة مستويات مزاج الطفل والتي توضح مدى فرط النشاط عند الطفل.

ما نوع هذا البحث؟

إن هذا البحث عبارة عن دراسة مقطعية تهدف إلى معرفة العلاقة بين جراثيم القناة الهضمية (عدد وكمية البكتيريا التي تعيش في الأمعاء) ومزاج الطفل.

ولا يمكن للدراسات المقطعية تحديد العوامل التي تأتي في المقدمة –أي أنها لا يمكنها أن تحدد هل البكتيريا تظهر قبل اكتساب الطفل لسلوك ما أو لا. فهذا  النوع من الدراسات لا يمكنهم معرفة العامل الذي يؤثر على الأخر.

علاوة على ذلك، نجد أن الدراسات الرصدية مثل هذه الدراسة لا يمكنها أن تجزم بأن عامل ما هو السبب وراء حدوث الأخر لمجرد أن أحدهما يبدو مرتبط بالأخر. ولكننا مازلنا في حاجة إلى مزيد من الأدلة، بواسطة مجموعة من الدراسات والتصاميم المختلفة، من قبل العلماء حتى يتسنى لنا التأكيد على علاقة السبب بالمسبب.

ما الذي تشتمل عليه هذه الأبحاث؟

لقد قام الباحثون بإرسال استبيانات على الانترنت إلى 79 من الأمهات الذين تطوعوا في الدراسة لتقييم الحالة المزاجية لأطفالهم  والنظام الغذائي وسلوك أطفالهم. وتراوح عمر هؤلاء الأطفال ما بين 18 إلى 27 شهر.

وبعدها قامت الأمهات بجمع عينات من براز أطفالهم من الحفاضات وتم إرسالها للباحثين لتحليلها. كما استخدم الباحثون مجموعة من النماذج الإحصائية للتدرب ومعرفة هل حقاً وفرة البكتيريا أو وجود أي نوع منها قد يؤثر على الحالة المزاجية للطفل أم لا.

ولم يتم تحليل إلا 75 حالة من بين 79 طفل خضعوا للاختبار، ففي حالتين منهم لم يتمكن الباحثون من فحص عينة البراز بالإضافة إلى أنه قد تم استبعاد اثنين من الحالات غير الواضحة وربما يعود رفض الحالات إلى الاستبيانات التي جاءت نتائجها خارج الحدود المتوقعة.

كما اعتمد الباحثون على عدد من التقنيات للبحث عن أنواع البكتيريا المختلفة ومدى شيوع كل نوع من أنواع البكتيريا في العينات، وعدد البكتيريا الموجودة في كل عينة براز ونسبة كل واحدة منهم

واعتمد الباحثون على استخدام العديد من النماذج الإحصائية لتقييم العلاقة بين نتائج عينة البراز ونتائج الاستبيان، وتوصلوا إلى وجود ثلاث جوانب رئيسية من المزاجية لدى الأطفال.

الأولي، وتسمي الوجدان السلبي أو العواطف السلبية، وتشمل مجموعة السمات ومنها الخوف والعبث وعدم الراحة والخجل والحساسية بالبيئة المحيطة وكيفية تهدئة الطفل بسهولة.

والثاني يسمى الاستثارة ويقصد به مجموعة السلوك المتهور وفرط النشاط لدى الطفل وكم المتعة التي يشعر بها الطفل في المواقف المثيرة، وهل هم شخصيات اجتماعية أم لا  ومدى حماسهم بما يتلقون من متعة.

أما النوع الثالث فيسمى بالجُهدية، ويقصد به قدرة الطفل على التوقف ومنع نفسه عن القيام بعمل ما، وتحويل انتباهه من نشاط لآخر والتمتع بالأنشطة المألوفة والتركيز على المهمة الأساسية.

وقد ظهر أن نتائج الاستبيان اختلاف الفتيات عن الفتيان،فالفتيات يملن أكثر إلى الجُهدية في حين أن يميل الفتيان إلى الاستثارة ، وبناءاً على ذلك قام الباحثون بتحليل نتائج الفتيان والفتيات كل على حدة

كيف جاءت النتائج الأساسية؟

كما هو متوقع وجد أن هناك اختلافات بين البنين والبنات في العديد من الاستبيانات المزاجية، ولكن بالرغم من ذلك وجد هناك اختلاف كلي ليس بكثير بسن الأولاد والبنات فيما يتعلق بعدد البكتيريا الموجودة بالأمعاء

كما وجد الباحثون أن الفتيات والفتيان الذين لديهم بكتيريا الأمعاء بكثرة مكثفة هم أكثر عرضة "للاستثارة". وهذا الأمر ظهر بكثرة في الأولاد وظهر ذلك بكثرة عندما نظر الباحثون إلى النتائج الفردية للاجتماعية والفرحة في المواقف الممتعة. ووجدوا أن الفتيات تتمتع بدرجة أقل من تنوع البكتيريا مقارنة مما يؤدي إلى انخفاض نتائج الجُهدية لديهم.

أما وجود تنوع أكثر في البكتيريا يرجع إلى عدة عوامل منها الاجتماعية والسرور في المواقف الممتعة وفرط النشاط ولكن هذا في حالة الفتيان وليس الفتيات، في حين أنهم وجدوا أن الفتيات اللواتي يتمتعون بعدد واحد أو عدد محدد من البكتيريا هم الأكثر عرضة للحصول علي نتائج عالية من درجات الخوف.

وقد حاول الباحثون معرفة ما إن كان النظام الغذائي للأطفال والطريقة التي يرضعون بها يمكنها أن تفسر لنا العلاقة ما بين جراثيم القناة الهضمية والحالة المزاجية للطفل. وبالرغم من أنهم قد وجدوا أنه بعض أنواع الطعام، كمقدار الخضار  واللحوم التي يتناولها الطفل، قد تفسر طبيعة هذه العلاقة إلا أنهم أكدوا أن ذلك ليس كافيا لتفسير العلاقة بين البكتيريا والحالة المزاجية للطفل.

كيف فسر الباحثون النتائج؟

لقد ذكر الباحثون أنهم "غير قادرين" تحديد العلاقة ما بين بكتيريا الأمعاء وتأثيرها على الحالة المزاجية أو كلاهما من الدراسات التي تم تنفيذها. ولكنهم ذكروا أنه إن أثبتت الدراسات مستقبلاً وجود علاقة بين بكتيريا الأمعاء والحالة المزاجية وتغيير السلوك فإن ذلك سوف يسمح للأطباء بفرصة لعلاج الأطفال في وقت مبكر تجنباً لحدوث أي مشاكل صحية فيما بعد بما فيها الصحة العقلية.

الخاتمة:

أظهرت هذه الدراسة وجود علاقة ما بين البكتيريا التي تعيش داخل أمعاء الأطفال وسلوكهم وشخصياتهم. ولا يعنينا كثيراً معرفة السبب وراء هذه العلاقة أو هل أحدهما هو العامل المباشر وراء حدوث الأخر أم لا.

فمثلا نجد أن الأطفال الذين يعانون من فرط النشاط هم أكثر عرضة للبكتيريا وليس العكس فزيادة البكتيريا لا يعني فرط النشاط.

ويشير الباحثون إلى أن هناك عدة تفسيرات مختلفة لهذا الأمر، فمثلا وجد أن هرمون التوتر قد تغيير حموضة الأمعاء مما يؤثر على البكتيريا التي تنمو داخل المعدة. وقد تؤثر بكتيريا الأمعاء علينا عند الإصابة بالأمراض الجسدية مما يؤثر على طريقة تفكيرنا وتعاملنا.

وهذه الدراسة لم تكن دراسة شاملة بل إنها اقتصرت فقط على عينات من البكتيريا التي تعيش داخل القناة الهضمية وتخرج من الجسم عن طريق البراز. وهناك العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش على جدران الأمعاء، وهذه البكتيريا ذات أهمية بالرغم من صعوبة أخذ عينات منها.

واعتمدت الدراسة بشكل كبير على تقييم الأمهات للحالة المزاجية للطفل، وهذا بدوره من الأمور المهمة للغاية فتقييم الآباء والأمهات قد يساعد في تحديد نتائج الطفل بصورة أوضح حيث أن سلوك الطفل يتغير بتغيير المواقف.

وبالرغم من محاولة الباحثون معرفة العوامل التي تؤثر على كل من بكتيريا الأمعاء وسلوك الطفل أو حالته المزاجية (ومنها النظام الغذائي مثلا) إلا أنه لم يثبت وجود علاقة مؤكدة بين هذه العوامل وتغيير السلوك وبكتيريا الأمعاء.

فالعلاقة بين الأمعاء والدماغ تعتبر من المجالات التي تجذب الكثير من اهتمام الباحثين، ولكن بالرغم من ذلك فإن فكرة تأثير بكتيريا الأمعاء على سلوكنا وصحتنا العقلية لم تكن الفكرة الوحيدة التي اكتسبت قبولاً واسعاً. فمازال هناك حاجة ملحة إلى مزيد من البحث قبل الجزم بصحة هذه الفكرة.

4577 مشاهدة
للأعلى للسفل
×