هل تقبل صلاة الزاني

كتابة:
هل تقبل صلاة الزاني

هل تقبل صلاة الزاني؟

إن قبول التوبة أمر لا يعلمه إلا الله تعالى، وفيما يتعلق بإجزاء صلاة الزاني من حيث صحة عملها؛ فتعدّ صحيحة إذا توافرت فيها شروط الصلاة وأركانها، ولكونه حديث عهد بذنب، عليه ألا تركها أو يؤخرها عن وقتها،[١] فلا عذر له بترك الصلاة بحجة الإسراف في الذنوب والمعاصي، فالصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر، لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}،[٢] وعلى عظم ذنب الزنا، لم يقل احد أن صلاة الزاني لا تقبل بحجة أنه لا يمكن الجمع ما بين الزنا والصلاة، إنما هو تلبيس من الشيطان.[٣]


هل تقبل توبة الزاني؟

تقبل توبة الزاني عن الذنب، ويُستدل على قبولها بقصة الغامدية، حين رُجمت إقامةً لحد الزنا فسبهاخالد بن الوليد -رضي الله عنه- فسمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنكر عليه شتمه لها، لأنها تابت وغفر لها، فصلّى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنها: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَه ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ".[٤][٥] فدلالة لفظ مكس: أن المكس من أعظم الذنوب والموبقات لكثرة مطالبة الناس له.[٦]


والقول في سقوط حد الزنا عن الزاني التائب: قول المذهب المالكي وأحد قولي الشافعية: لا يسقط حد الزنا، لكن الراجح عند الشافعية؛ القول بسقوط الحد، وذلك لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}،[٧] فاستثنت الآية التائبين،[٦] فباب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فمن تاب لله توبة نصوحة قبل الله تعالى منه ذلك، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.[٨][٩]


هل يقبل دعاء الزاني؟

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ إِلا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٌ"،[١٠] وفي هذا دلالة على عدم قبول الله تعالى لدعوة الزاني الذي يعزم على زناه، فالكبائر من موانع قبول الدعاء.[١١]


هل يعاقب الزاني التائب في الآخرة؟

عن رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قَالَ، وحَوْلَهُ عِصَابَةُ مِن أصْحَابِهِ: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه"،[١٢] يستدل على أن من جاء بالزنا وعوقب على ذنبه فهو كفارة له في الأخرة،[١٣] ومن زنا فستره الله، ثم تاب دون أن يعاقب بحد الزنا، وتاب توبة نصوحة، فالتوبة تجب ما قبلها.[١٤]


هل الزاني التائب يستوي في المنزلة مع غير الزاني؟

اختلف أهل العلم في استواء منزلة المطيع مع منزلة العاصي الذي تاب توبة نصوحة على قولين:

  • رجحت طائفة أن المطيع الذي لم يعص خير من الذي عصى وتاب توبة نصوحة؛ استنادًا على عدة أدلة، منها:[١٥]
    • من لم يعص الله فهو أكمل الخلق.
    • غير العاصي يسبق العاصي بالطاعة أثناء انشغال العاصي بالمعصية.
  • رجحت طائفةُ أخرى تفضيل العاصي التائب توبة نصوحة، مع القول بأن غير العاصي أكثر حسنات مممن عصى وتاب، وذلك استنادًا على عدة أدلة؛ ومنها:[١٦]
    • عبودية التوبة من أحب العبادات لله تعالى.
    • توبة المذنب فيها من الذل والانكسار، وهو أحب لله تعالى من كثير من الأعمال الظاهرة.

المراجع

  1. هيئة كبار علماء المملكة العربية السعودية، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 282. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية:45
  3. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4412. بتصرّف.
  4. رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:1695، صحيح.
  5. الصنعاني، كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير، صفحة 544. بتصرّف.
  6. ^ أ ب الصنعاني، كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير، صفحة 548. بتصرّف.
  7. سورة المائدة، آية:34
  8. سورة الزمر، آية:53
  9. ابن باز، مجموع فتاوى ابن باز، صفحة 364.
  10. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، الصفحة أو الرقم:10/21.
  11. محمد صالح المنجد، كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 84. بتصرّف.
  12. رواه محمد بن اسماعيل البخاري، في صحيح بخاري، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:18، صحيح.
  13. الصنعاني، التحبير لإيضاح معاني التيسير، صفحة 544. بتصرّف.
  14. عبدالمحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 28.
  15. ابن القيم، مدارج السالكين، صفحة 304.
  16. ابن القيم، كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، صفحة 306-307. بتصرّف.
4982 مشاهدة
للأعلى للسفل
×