هل حواء أغوت سيدنا آدم حتى خرج من الجنة

كتابة:
هل حواء أغوت سيدنا آدم حتى خرج من الجنة

الشيطان سبب خروج آدم من الجنة

وردَ سبب خروج آدم -عليه السّلام- من الجنَّة في قوله -تعالى-: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)،[١] ويَظهر من هذه الآية الكريمة أنَّ الشَّيطان هو من تسبَّب بإخراج كلٍّ من آدم وحوَّاء من الجنَّة لا حوَّاء، ويَظهر ذلك من خلال كلمتيّ: "فأزلَّهما"، و "فأخرجَهما"، بحيث أضاف الله -تعالى- الفِعلين إلى إبليس، ولم يتمَّ إضافتهما إلى حوَّاء.[٢]


ومن المعروف أنَّ الشَّيطان عدوٌّ للإنسان ويُضمر له الشَّر والسُّوء، وقد نبَّه الله -سبحانه وتعالى- بني آدم لهذه العداوة حتّى يأخذوا حذرهم من الشَّيطان، كما ذُكر في قوله -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)،[٣] فالشَّيطان يُوسوس للإنسان لفعل المُنكرات، ولكنَّه لا يَملك أكثر من ذلك على الإنسان، فليس له سُلطانٌ أو سُلطةٌ عليه، وإنَّما تَكمن كلُّ أسلحته في الإغواء والوسوسة، والإنسان بعدها يَختار بكامل إراداته اتِّباع هذه الوساوس، أو الإعراض عنها، وقد بدأت هذه العداوة من الشَّيطان لآدم -عليه السّلام- منذ لحظة خلقه، وكان سبباً في إخراجه من الجنَّة لاحقاً.[٤]


وتجدر الإشارة إلى وجود آيةٍ أخرى تُبيِّنُ أنَّ المقصود من خلق آدم -عليه السّلام- هو الاستخلاف في الأرض، أي أنَّ الله -سبحانه وتعالى- أنزله من الجنَّة ليسكن الأرض بِقصد الاستخلاف وليس الشَّيطان من قام بذلك، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)،[٥] ويُمكن الجمع بين هذه الآية الكريمة والآية التي تُبيِّنُ أنَّ الشَّيطان هو الذي أخرج آدم -عليه السّلام- من خلال معرفة أنَّ الله -سبحانه وتعالى- خلق آدم -عليه السّلام- ليكون خليفةً له في الأرض، وجعل سببَ نُزوله إلى الأرض وإخراجه من الجنَّة سبب وسوسة الشَّيطان له، ووقوعه في الزَّلة.[٦] وقد ساق الله -سبحانه وتعالى- هذه القصَّة للتَّنبيه إلى شدَّة عداوة الشَّيطان لبني آدم، فهو يحاول أن يقع أبناؤهم في ذات الفخّ الذي وقع فيه أبويهم آدم وحوَّاء.[٧]


كيف أخرج الشيطان سيدنا آدم من الجنة

بعد أن خلق الله -سبحانه وتعالى- آدم وحوَّاء، قام بإسكانهما الجنَّة، واخلتف أهل التَّأويل في تحديد هذه الجنَّة؛ فمنهم من قال إنَّها الجنَّة التي يسكنها أهل الإسلام في الآخرة، ومنهم من قال إنَّها جنَّةٌ خُلقت ليسكن آدم فيها في السَّماء ولا نعرف شيئاً عنها،[٨] ومن ثمَّ أباح الله -تعالى- لهما كلَّ خيراتها وثمارها والاستمتاع بها، باستثناء شجرةٍ واحدة حدَّدها لهم وحذّرهما من الأكل منها،[٩] وهنا أيضاً اختلف أهل التَّأويل في طبيعة هذه الشَّجرة؛ فقال بعضهم إنَّها شجرة العلم، وقال آخرون شجرة الحِنطة،[٨] وقد أوضح الله -سبحانه وتعالى- النَّهي عن الأكل من الشَّجرة بصورةٍ واضحةٍ وجازمةٍ، قال -تعالى-: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)،[١٠] ويَظهر من ألف ولام التَّعريف أنَّ الشّجرة كانت واضحةً لهما وتمَّ تحديدها، كما أنَّ الله -سبحانه وتعالى- نهاهُما حتى عن مجرد الاقتراب منها، لِأنَّ الاقتراب من المُحرَّمات يُضعف إرادة الإنسان ويُسهّل الوقوع في الخطأ.[٩]


فبدأ الشيطان بوسوسته وألاعيبه، وبدأ بلقاء آدم -عليه السّلام- والإكثار من التكلَّم معه بما يُشبه كلام العُقلاء والحُكماء الأمينين حتى أنِسَ آدم -عليه السّلام- له، ومن ثمَّ بدأ بتزيين الشَّجرة المُحرَّمة لهما، وإظهارها على شكلٍ أفضل ممَّا هي في الواقع، تماماً كما يفعل مع كلِّ إنسانٍ آخر بتزيين وتجميل المعاصي في عينيه وقلبه، ولكنَّ آدم -عليه السّلام- لم يقع تحت غواية هذه الوساوس، واستمرّ في الابتعاد عن الشَّجرة والأكل ممّا سواها، فدخل له الشَّيطان من مدخلٍ آخر، ومن شهوةٍ كَمينة خُلقت في الإنسان، ألا وهي حُبُّ الخُلود، وغريزة المُلك، قال -تعالى-: (فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطانُ قالَ يا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى)،[١١] وظنَّ آدم وحوَّاء أنَّ في الأكل من هذه الشجرة خيراً كثيراً، ومنه الخُلود والمُلك، ومع ذلك رفضا الأكل منها طاعة لله -تعالى-.[٩]


ومن ثمَّ لجأ أخيراً إلى الحَلف والقَسم لهما كما ذُكر في القرآن الكريم: (وَقاسَمَهُما إِنّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ)،[١٢][١٣] وحلف لهما أنَّه ناصحٌ أمينٌ لهما، وأنَّه خُلق قبلهما وأنَّه أعلم منهما، فتصوَّر آدم -عليه السّلام- أنّه لا أحد يُقسم بالله -تعالى- كذباً، فأطاعه وأكل من الشّجرة، وعندها كشف الله -تعالى- سِتره عنهما فَظهرت عوراتهما، وصارا يَستُرانها بأوراقٍ من شجر الجنَّة، وعرفا خطأهما وطلبا من الله -تعالى- العفو والمغفرة، فغفر الله -تعالى- لهما وتاب عليهما، قال -تعالى-: ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)،[١٤] وأمرهما بالخُروج من الجنَّة والسَّكن في الأرض ليَقوم بحمل مهمَّة الخلافة فيها، ومن ثمَّ توريثها لمن بعده من بني آدم، وهي الغاية التي خُلق من أجلها البشر.[٩]


رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام

طلب الله -سبحانه وتعالى- من الملائكة السُّجود لآدم -عليه السّلام-، وذلك بعد أن ظَهر تفوُّقه في ما علَّمه الله -تعالى- له من الأسماء والتي لم تكن تَعلمها الملائكة، قال -تعالى-: (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ* وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)،[١٥] ولفظُ الملائكة يُطلق على الجنس فلا يَلزم أن يكون الأمر شاملاً لكلِّ الملائكة، بل قد يتعلَّق الأمر فقط بمن كان حاضراً منهم، وقد يشملهم جميعاً.[١٦]


وقد علَّل إبليس رفضه لأمر الله -سبحانه وتعالى- بالسُّجود لآدم بأنَّه أفضل منه خِلقةً؛ إذ إنَّه خُلق من نارٍ وآدم -عليه السّلام- خُلق من طين، كما ذُكر في قوله -تعالى-: (قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ)،[١٧][١٨] وكان استكباره سبباً في طرده ولعنته، وبعدها توسَّل لله -سبحانه وتعالى- وطلب الإمهال ليوم الحساب، فأمهله الله -تعالى-،[١٩] وبعدها توعَّد بالإضلال والغِواية لكلِّ بني آدم، والتَّعرُّض لهم في كلِّ طريق، والتَّرصُّد لهم حتى يُسقطهم في الذنوب والمعاصي والشّرك، وكان ردُّ الله -تعالى- عليه بأنَّ النَّار ستكون مأواه هو وكلُّ من اتَّبعه من الضَّالين، قال -تعالى-: (قالَ اخرُج مِنها مَذءومًا مَدحورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهُم لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُم أَجمَعينَ).[٢٠][١٨]


المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 36.
  2. أبوجعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري (الطبعة الاولى)، مصر: دار هجر للطباعة والنشر، صفحة 560، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة فاطر، آية: 6.
  4. أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 5، جزء 254. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 30.
  6. ابن عادل (1998)، اللباب في علوم الكتاب (الطبعة الاولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 73، جزء 9. بتصرّف.
  7. فخرالدين الرازي (1420)، تفسير الرازي (الطبعة الثالثة)، لبنان: دار إحياء التراث العربي، صفحة 223، جزء 14. بتصرّف.
  8. ^ أ ب أبو منصور الماتريدي (2005)، تفسير الماتريدي (الطبعة الاولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 382-376، جزء 4. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث أحمد غلوش (2002م)، كتاب دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة الاولى)، الاردن: دار الرسالة، صفحة 51-49. بتصرّف.
  10. سورة البقرة، آية: 35.
  11. سورة طه، آية: 120.
  12. سورة الأعراف، آية: 21.
  13. عبدالعظيم المطعني (1992)، خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية (الطبعة الاولى)، مصر: مكتبة وهبة، صفحة 357، جزء 1. بتصرّف.
  14. سورة البقرة، آية: 37.
  15. سورة البقرة، آية: 34،33.
  16. ابن عاشور (1984م)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 38، جزء 8. بتصرّف.
  17. سورة الأعراف، آية: 12.
  18. ^ أ ب سعيد حوى (1424)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1868، جزء 4. بتصرّف.
  19. مجموعة من المؤلفين (1998)، موجز دائرة المعارف الاسلامية (الطبعة الاولى)، الامارات: مركز الشارقة للابداع الفكري، صفحة 104، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الأعراف، آية: 18.
5349 مشاهدة
للأعلى للسفل
×