هل يجب غسل الفرج قبل الوضوء

كتابة:
هل يجب غسل الفرج قبل الوضوء

هل يجب غسل الفرج قبل الوُضوء

لا يُشترط قبل الوضوء غسلُ الفرج أو ما يُعرف بالاسْتِنجاء* بالمَاء، ولا يعدُّ ذلك رُكناً من أركان الوضوء ولا سُنَّةً من سُننه؛ إذ إنَّ أركان الوضوء تبدأ من المَضمضة إلى ما بعد ذلك، أمَّا كلّ ما يَسبق ذلك فلا يدخُل في أركانِ الوُضوء.[١] كما أنَّه لا يُستنجى من الرِّيح بعد خروجه؛ فمن خرج منه ريحٌ أو استيقظ من نَومه فلا يجب عليه غَسل الفرج قبل الوُضوء، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك.[٢]


وأمَّا في حال خروج النَّجاسات من أحد السبيلين؛ فعندها يكون الاستْنجاء واجبٌ ولا يجبُ بمجرَّد إرادة الوضوء فحسب، بل يجب بتواجد النَّجاسة،[٣] ويُشترط الاستنجاء عند الجمهور في هذه الحالة -أي الحدث الأصغر- ليصحَّ الوضوء؛ سواءً كان ذلك من خلال غسل الفَرج بالماء أو من خلال المَسح بالأحجار أو المناديل وما يحلُّ محلُّها، ودليل ذلك قول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إذا رَأيتَ المذيَ، فاغسلْ ذَكَرَكَ، وتَوضَّأ وضوءَكَ للصَّلاةِ).[٤][٥] ومن أهل العلم من قال باستحباب البَدء بغَسل الفرج ثمُّ إتباع ذلك بالمَسح عند وجود النَّجاسات؛ بحيث يبدأ الشخص بغَسل مَخرج البول، ثم يمسح الأذى بخِرقةٍ أو غيرها، ثمُّ يغسل يده وينقِّيها من النَّجاسات.[١]


حكمُ الاستِنجاء

يجدر بالذكر أنه في حال تواجد النَّجاسات -ولو كانت نادرة مثل الدَّم، والمَذي* والوَدي*-، يكون إزالتها واجب من باب إزالة النجاسة.[٦] وقد تعدّدت آراء الفُقهاء في حُكم الاستنجاء على قولين نذكرهما فيما يأتي:[٧]

  • القول الأوَّل: إأنَّه سنةٌ، وهو رأي الحنفيَّة، وقولٌ عند المالكية، وقد استدلُّوا على ذلك بعدَّة أدلَّةٍ نذكرها فيما يأتي:
    • قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)،[٨] ووجه الدَّلالة إيجابُ غسل هذه الأعضاء على المُحدِث، وأنَّ الصَّلاة لا تُستباح إلا بغسلها، والقول بأنَّ الاستنجاء واجبٌ يتعارض مع ما أشارت إليه الآية من إباحة الصَّلاة بالاقتصار على غسل هذه الأعضاء، فلَم يُشترط معها غسل الفرج، كما أنَّ في تكملة الآية السابقة دليلٌ آخر، فقد قال -تعالى-: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)،[٨] إذ إنَّ الله -سبحانه وتعالى- أباح الصَّلاة على من قام بقضاء الحاجة من خلال إيجاب التَّيمُّم عليه ومن دون إيجاب الاستنجاء؛ فدلَّ ذلك على أنَّ الاستنجاء ليس بفرضٍ.[٧]
    • الدَّليل الثاني: حديث الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما قال: (منِ استَجمر فلْيوتر منْ فعَل فقد أحسن ومنْ لا فلا حرَجَ)،[٩] فنفي الحرج لا يدلّ على أنه فرض، إذ لو كان فرضاً لكان في نفيه حرج.
  • القول الثاني: وهو مذهب الشافعيَّة، والحنابلة، وقولٌ عند المالكيَّة، حيث قالوا بأنَّ حكمه الوُجوب، بدليل قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ذهَبَ أحَدُكم إلى الغائطِ، فليذْهَبْ معه بثلاثةِ أحجارٍ يَستَطيبُ بهِنَّ، فإنَّهُنَّ تُجزئُ عنه).[١٠]


كيفية الاستنجاء

الاستنجاء لا يتحقَّق بمجرَّد المسح باليد المُبلّلة فقط؛ لأنَّ ذلك لا يُطِّهر المخرج ولا يُنقِّيه، والواجبُ في الاستنجاء حتَّى يقع صحيحاً أن يتِمَّ صبّ الماء على المخرج حتَّى يتيقَّن طُهرُه، فبهذا يقع الاستنجاء صحيحاً، إلا إنَّ صُورة الاستنجاء الأفضل هي: البدء بمَسح المخرجِ بمنديلٍ أو ما شابهه من كل يَابسٍ طاهرٍ جافٍّ، يتحقَّق به نَقاءُ المَحلِّ النَّجِس، فيَشرع البَدء بالاستنجاء به، ثمُّ الإتمام بغسل المخرج بالماء بعد ذلك، ولو اقتصر على المسح بالمنديل فقط أو على الغسل بالماء فقط لتحقَّق الاستنجاء وكان صحيحاً، وإذا أراد الشخص أن يتقصر على أحدهما؛ فالاقتصار على الماء أفضل.[١١]


وأورد النووي -رحمه الله- تفصيل؛ فإذا كان الاستنجاء بالمَسح بالجامد مثل المناديل وغيرها عوضاً عن الغَسل بالماء؛ فهنا وجب الإنقاء -أي جعل المخرج مُنقَّياً من خلال إزالة عين النَّجاسة-؛ وهذا يتحصَّل بثلاثِ مسحاتٍ بالمنديل أو ما يقوم مقامه، وهذا هو الحدُّ الأدنى الواجبُ في عدد المَسحات، فحتَّى لو حصل الإنقاء بأقلَّ من ثلاثِ مسحاتٍ وجبت الثَّلاث في حقِّه، ولم يكن الاستنجاء صحيحاً إن لم يتمَّها للثَّلاث، وأمَّا إن لم يتحقَّق الإنقاء بثلاثِ مسحات فهنا وجبت الزَّيادة عليها.[١٢]


ويُستحبُّ الزَّيادة حينها بعددٍ فرديٍّ؛ فلو تحصَّل الإنقاء بالمَسحة الرَّابعة يُستحبُّ الإتيان بمسحةٍ خامسةٍ ولا يَجب ذلك وجوباً، وقد وردت عدَّة كيفيَّاتٍ للاستنجاء بالجامد مثل المنديل، وأصحُّ هذه الكيفيَّات أن يمسح بكلٍ منديلٍ من المناديل المَحلَّ كاملاً؛ فيمسح بالأوَّل والثَّاني والثَّالث جميع المَحلِّ، فيَبدأ وينتهي من المكان نفسه، والكيفيِّة الثَّانية أنْ يمسح بمنديلٍ الجهة اليمنى وبالثَّاني الجهة اليسرى وبالثَّالث الوسط.[١٢]


آداب الاستنجاء

إنّ للاستنجاء آداباً وكيفياتٍ عديدةً، نذكرها فيما يأتي:

  • الاستنجاء بالشِّمال: فقد نهى النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الاستنجاء باليمين، وبعض الفقهاء حمل هذا النَّهي على الكراهة، بدليل حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإذَا أتَى الخَلَاءَ فلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيَمِينِهِ، ولَا يَتَمَسَّحْ بيَمِينِهِ)،[١٣] وهذا في غير حال الحاجة؛ فلو لم يتمكَّن من الاستنجاء بيده الشِّمال جاز له الاستنجاء بيده اليُمنى من غير كراهةٍ، كما يجوز الاستعانة باليد اليُمنى في صبِّ الماء على المخرج؛ لأنَّ المَكروه مُلامسة اليد اليمنى للنَّجاسة وليس مجرَّد الإعانة في عملية الاستنجاء.[١٤]
  • ألَّا يمسَّ الفرجَ بيمنه: فهو منهيٌّ عنه، ودليله الحديث السَّابق نفسه.[١٥]
  • أن يُدلِّك يده بالأرض بعد الانتهاء من الاستنجاء، أو يقوم بغسلها بالصَّابون وغيره، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (انَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أتى الخلاءَ أتيتُه بماءٍ في تَوْرٍ أو رَكوةٍ فاستَنجى ثمَّ مسحَ يدَه على الأرضِ ثمَّ أتيتُه بإناءٍ آخرَ فتوضَّأ).[١٦][١٥]
  • عدم استقبال القِبلة أثناء الاستنجاء؛ لحديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم: (إذَا أتَيْتُمُ الغَائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، ولَا تَسْتَدْبِرُوهَا ولَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا)،[١٧] بحيث يجلس إلى يمين القبلة أو شمالها حتَّى لا يَستقبلها ولا يَستدبرها أثناء الاستنجاء، حيث قال الحنفيَّة بكراهة ذلك، وأجاز الشَّافعية استقبال القبلة أثناء الاستنجاء من غير كراهة؛ لأنَّ النَّهي ورد في استقبال القبلة أثناء التَّبوُّل أو التَّغوُّط فقط.[١٨][١٩]


وهناك شرطان للاستنجاء هما:

  • الاسْتِتار عند الاستنجاء: حيث يتضمّن الاستنجاء كشف العورة، إلَّا أنَّه يَحرُم كشفها للنَّاس سواءً كان ذلك في الاستنجاء أو في غيره، فعليه إيجاد الطَّريقة المناسبة لإتمام عملية الاستنجاء من دون كشف عورته أمام أحدٍ، كما أضاف الحنفيَّة أنَّ من الآداب أن يستر العورة بعد الانتهاء فوراً وبعد تجفيف المحل، حتى وإن كان منفرداً وليس بقربه أحدٌ من النَّاس؛ لأنَّ كشف العورة كان لحاجةٍ وانتهت.[٢٠]
  • التأكّد من زوال النجاسة، والاسْتِبراء؛ ويُقصد به طَلب البَراءة من الخارج، أي التَّأكد من خُلوِّ المَخرج من النَّجاسة من خلال تَتبُّع محلِّ النَّجاسة لاستخراج ما بقيَ منها، ويستمر بفعل ذلك حتَّى يتأكَّد من زوال أثر النَّجاسة.[١٨]


________________________________________

الهامش 

*الاستنجاء: هو إزالة ما يخرج من السّبيلين، سواء بالغَسل أو المسح.[٢١]

*المَذي: الماء الخارج بسبب الشهوة واللذّة الصُّغرى، ويلزم بسببه تطهير المكان والوضوء.[٢٢]

*الوَدي: الماء الأبيض، الخارج عَقْب خروج البَوْل، أو قبله، وفي الغالب عَقْبه، مع الإشارة إلى عدم ارتباطه بالشهوة.[٢٢]


المراجع

  1. ^ أ ب ابن أبي زيد القيرواني (1999)، النوادر والزايدات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (الطبعة الاولى)، لبنان: دار الغرب الإسلامي، صفحة 26، جزء 1. بتصرّف.
  2. كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 89، جزء 1. بتصرّف.
  3. ديبان الديبان (2005)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 18، جزء 2. بتصرّف.
  4. رواه الالباني، في صحيح النسائي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 193، صحيح.
  5. شمس الدين الزركشي (1993)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (الطبعة الاولى)، السعودية: دار العبيكان، صفحة 180، جزء 1. بتصرّف.
  6. عبدالرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الاربعة (الطبعة الثانية)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 83، جزء 1. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ديبان الديبان (2005)، موسوعة أحكام الطهارة (الطبعة الثانية)، السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 17-24، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب سورة المائدة، آية: 6.
  9. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2/300، صحيح.
  10. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 25012، صحيح لغيره.
  11. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 190، جزء 11 . بتصرّف.
  12. ^ أ ب النووي (1991)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (الطبعة الثالثة)، سوريا: المكتب الإسلامي، صفحة 69، جزء 1. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 153، صحيح.
  14. وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 123، جزء 4. بتصرّف.
  15. ^ أ ب كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 90، جزء 1. بتصرّف.
  16. رواه ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1/206، حسن.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 394، صحيح.
  18. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 124، جزء 4. بتصرّف.
  19. عبدالرحمن السعدي (2000)، منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الطبعة الاولى)، السعودية: دار الوطن، صفحة 37. بتصرّف.
  20. مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 124، جزء 4. بتصرّف.
  21. "معنى الاستنجاء والاستبراء والاستجمار. وآداب قضاء الحاجة"، www.islamweb.net، 4-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 9-3-2021. بتصرّف.
  22. ^ أ ب "تعريف الودي والمذي والمني وما يلزم من خروجهم"، www.islamweb.net، 1-1-2001 م، اطّلع عليه بتاريخ 9-3-2021. بتصرّف.
5618 مشاهدة
للأعلى للسفل
×