هل يغفر الله الكبائر بعد التوبة

كتابة:
هل يغفر الله الكبائر بعد التوبة

هل كل أنواع الكبائر مغفورة بعد التوبة؟

أنعم الله على عباده بنعمة التوبةِ، فهل يقبل الله التوبة من الكبائر؟ وكيف للمسلم أن يتأكَّد من أنَّ توبته قد قُبلت؟ هذه الأسئلة سيجد القارئ الإجابة عليها في هذا المقال.


إنَّ جميع أنواع الكبائر مهما كانت يغفرها الله -عزَّ وجلَّ- للمسلم إذا تاب منها توبةً نصوحةً صادقةً، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}،[١] وهذه الآية تدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يغفر جميع الذُّنوب إلَّا الشِّرك إذا مات الإنسان عليه.[٢]


كيف أتأكد أن توبتي من الكبائر مقبولة؟

ما هي علامات قبول التوبة من الكبائر؟

لا بدَّ للمسلم أن يثق برحمة الله -عزَّ وجلَّ- وأن يكون على يقينٍ تامٍّ بأنَّ الله توابٌ على من تاب وأناب، وكيف يتحصَّل له الشكُّ في قبول توبته والله -عزَّ وجلَّ- يقول في كتابه المجيد: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)،[٣] وبالرغم من ذلك إلَّا أنَّه لا بأس من ذكر بعض علامات قبول التَّوبة من العبد:[٤]

  • أن يصبح العبدُ بعد توبته من الكبائر أفضل ممَّا كان قبل توبته.
  • أن تكون الخشية من الله -عزَّ وجلَّ- موجودة في قلب العبد التائب.
  • أن يندم التائب على ما فعله ويمتلئ قلبه بالخشية من الله -تعالى-.


رحمة الله -عزّ وجلّ- واسعة، يقبل التوبة من عباده، وعلى المسلم أن يوقن بذلك، ومن علامات قبول التوبة: كون التائب قد ندم ندماً صادقا على ما فعل، وأصبح بعد التوبة أفضل مما كان عليه قبلها.


هل يوجد دعاء أو فعل صالح أواظب عليه بعد توبة الكبائر؟

إنّ الاستغفار والإكثار منه من أفضل دعاء التوبة من الكبائر، وأحسن ما يواظب عليه التَّائب؛ حيث عدَّ بعض العلماء أنَّ التلفظ بالاستغفار شرطٌ من شروط التوبةِ، وحريٌّ للتائب أن يحرص على المواظبةُ على أيِّ عملٍ صالحٍ شاء؛ مثل صلاة النَّافلة، أو صيام الاثنين والخميس، أو الصَّدقة؛ والعلَّة من ذلك أن يُبدِّل الله -عزَّ وجلَّ- سيئاته إلى حسنات.[٥]


ويدلّ على ذلك قول الله -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}،[٦] ومصداقًا لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ).[٧]


كما يُستحبُّ أن يؤدِّي صلاةَ التَّوبةِ، وهي عبارة عن ركعتين يؤديهما العبدُ عند قيامه بذنبٍ ما ثمَّ تاب منه، أمَّا بالنِّسبةِ للدُّعاءِ فيُمكنه أن يدعوَ بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم،[٥] حيث ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ: في سُجُودِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ، وجِلَّهُ، وأَوَّلَهُ وآخِرَهُ وعَلانِيَتَهُ وسِرَّهُ).[٨]


يُشرع للتائب أن يُكثر من الاستغفار، وأن يحرص على الإكثار من الأعمال الصالحة؛ حتى تُبدّل سيئاته حسنات، كما تُشرع له صلاة ركعتيّ التوبة.


هل بعد التوبة من الكبائر حقٌ يقتصه الله من العبد في دنياه؟

لقد قدَّر الله -عزَّ وجلَّ- على بعض الكبائر من الذنوب التي يقوم بها المسلم عقوباتٌ محددةٌ تُقام عليه في دنياه لتمنعه الوقوع في غيرها، وتُسمى هذه العقوبات حدَّاً،[٩] لكن لا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ إقامة الحدِّ ليسَ شرطًا من شروط قبول التَّوبة، بل إذا ستر الله -تعالى- على من ارتكب الكبيرة فالأصل أنَّ من قام بالكبيرة أن يستر على نفسه وأن يتوب فيما بينه وبين ربِّه، من غير إخبار ولاة الأمر ليقيموا الحدَّ عليه، وتوبته بإذن الله تكون مقبولةً.[١٠]


ولا بأس في هذا المقام من ذكر بعضِ الكبائر التي قدَّر الله عليها عقوبةً دنيوية، وفيما يأتي بيان ذلك:[١١]

  • القتل: فالقتل يعدُّ من الذُّنوب التي رتَّب الشَّرع عليها عقوبةً مقدَّرةً، وقد ذُكر ذلك في قوله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَليْكُمْ القِصَاصُ فِي القَتْلى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ}.[١٢]
  • الزنا: معلومٌ أنَّ الزنا يعدُّ من كبائر الذُّنوب، وقد رتَّب الشَّرع على هذه الكبيرة عقوبةً مقدَّرةً، وتختلف هذه العقوبة بين المسلم المحصن والمسلم غير المحصن، وفيما يأتي ذكر حدِّ كلٍ منهما:
    • الزاني المحصن: وحدّه الرَّجم حتى الموت، ودليل ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عباس حيث قال: (قَالَ عُمَرُ: لقَدْ خَشِيتُ أنْ يَطُولَ بالنَّاسِ زَمَانٌ، حتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا اللَّهُ، ألَا وإنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ علَى مَن زَنَى وقدْ أحْصَنَ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أوْ كانَ الحَبَلُ، أوْ الِاعْتِرَافُ -قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا حَفِظْتُ- ألَا وقدْ رَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجَمْنَا بَعْدَهُ).[١٣]
    • الزاني غير المحصن: وحدّه ثمانون جلدةً، وهذا ما نصَّ عليه القرآن الكريم، حيث قال -تعالى-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ}.[١٤]
  • قذف المحصنات: وحدّه ثمانون جلدةً لمن اتَّهمَّ العفيفة أو العفيف في إتيانهما للفاحشة، ودليل ذلك قوله -تعالى-: {وَالذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلا تَقْبَلُوا لهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ}.[١٥]
  • شرب الخمر: حدَّ شرب الخمر هو أربعون جلدةً، وجاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ -قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بثَوْبِهِ- فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: لا تَقُولوا هَكَذَا؛ لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ).[١٦]


هناك بعض الكبائر التي رتّب عليها الشرع عقوبات دنيوية محدّدة يقوم بها وليّ الأمر في حال وصله أمر هذه الكبائر ولم يستر فاعلها على نفسه ويتوب بينه وبين ربّه؛ كالقتل المتعمّد، والزنا، وشرب الخمر، وقذف المحصنات.

المراجع

  1. سورة النساء، آية:48
  2. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 6227، جزء 9. بتصرّف.
  3. سورة الزمر، آية:53
  4. محمد بن جميل زينو (1997)، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة 9)، الرياض - المملكة العربية السعودية:دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 305، جزء 2. بتصرّف.
  5. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4835، جزء 9. بتصرّف.
  6. سورة هود، آية:114
  7. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:5012، حديث حسن.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:483، حديث صحيح.
  9. عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (1397)، حاشية الروض المربع (الطبعة 1)، صفحة 300، جزء 7. بتصرّف.
  10. "ماذا يفعل من أصاب ذنبا فيه حد شرعي في بلد لا تقام فيها الحدود"، موقع الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 13/8/2021. بتصرّف.
  11. عبد الرب بن نواب الدين بن غريب الدين آل نواب (1424)، أساليب دعوة العصاة (الطبعة 36)، صفحة 218. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية:178
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6829، حديث صحيح.
  14. سورة النور، آية:2
  15. سورة النور، آية:4
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6777، حديث صحيح.
5475 مشاهدة
للأعلى للسفل
×