وصية زهير بن جناب

كتابة:
وصية زهير بن جناب

فن الوصايا في العصر الجاهلي

إنّ الوصيّة بمعناها اللغويّ تعني العهد، فيُقال مثلًا: أوصى فلانٌ بنيه إذا عهِدَ لهم بعهد ما، وتُعرّف الوصية أنها قول بليغ مؤثّر يحمل معنًى فيه إصلاح وإرشاد وتوجيه، وتتضمّن حثًّا على سلوك نافع يسمو بالمرء ويرفع شأنه، ويساعده على تجاوز الأزمات عند حدوث الشدائد، وغالبًا تكون موجّهة من أولياء الأمور كالأب والأم أو كبير القوم، وتأتي الوصيّة نتيجة خبرة متطاولة في الحياة[١]، وقد ازدهر فنّ الوصايا في العصر الجاهلي نتيجة ظروف الحياة التي كان يعيشها الجاهليّون، فكانت تدفعهم إلى قول النثر، والتّفنّن في نثره من قبيل إظهار البراعة والموهبة، ومن تلك الوصايا وصية زهير بن جناب الكلبي التي سيتحدّث عنها هذا المقال.[٢]

من هو زهير بن جناب

قبل الوقوف مع وصية زهير بن جناب الكلبي ينبغي الوقوف مع شخصيّة زهير بن جناب، وزهير بن جناب هو زهير بن جناب بن هبل الكلبي من بني كنانة بن بكر، كان خطيب قبيلة قضاعة وسيّدها، وكانوا يسمّونه الكهّانة لشدّة صواب رأية وصحّته، وكان مبعوث قبيلته إلى ملوك الجاهليّة، وعُمِّرَ طويلًا، وقيل إنّه مات سنة 60 قبل الهجرة، وكان مُفرِطًا في شرب الخمر وتشير معظم الروايات إلى أنّه مات مخمورًا.[٣]

وفي حياته شهد نحوَ مئتَيْ معركة، وأشهر وقائعه كانت مع قبيلتي تغلب وبكر أبناء العمومة الذين حدثت بينهما حرب البسوس فيما بعد وأفنوا فيها بعضهم بعضًا؛ إذ تذكر الكتب أنّ أبرهة الحبشي كان مارًّا بنجد فلقيه زهير فولّاه أبرهة على قبيلتي بكر وتغلب، فعندما أصابهم قحط طلب منهم زهير أن يؤدّوا ما عليهم من جزية، فرفضوا فحاربهم، وفي الحرب أصابه فارس منهم إصابة قاتلة، فظنّوا أنّه قد مات، ولكنّه كان يمثّل لينجو، وبعدها هرب سرًّا إلى قومه في اليمن وجمعهم وأغار على تغلب وبكر وقتّلهم وشرّدهم ونكّل بهم تنكيلًا.[٣]

وصية زهير بن جناب

عندما كبر زهير بن جناب الكلبي وصار طاعنًا في السن أوصى بنيه بوصيّة تُعَدّ من عيون النّثر العربيّ في العصر الجاهلي، وما زالت تُدرّس إلى يوم النّاس هذا مثالًا على الكلام المقتضب الذي يلخّص دهرًا طويلًا من الزمن، ويعطي الحكمة بأوجز كلام ممكن، ووصية زهير بن جناب الكلبي هي: يا بَنِيَّ قد كَبُرَتْ سِنِّي، وَبَلَغْتُ حَرْسًا مِن دَهري، فَأَحْكَمَتْنِي التجاربُ، والأمورُ تَجْرِبَةٌ واختبارٌ، فاحفظوا عَنِّي ما أقولُ، وَعُوهُ: إيَّاكم والخَوَرَ عندَ المصائبِ، والتواكلَ عندَ النَّوائبِ؛ فإِنَّ ذلك داعيةٌ لِلغَمِّ، وشَمَاتَةٌ لِلعدوِّ، وسوءٌ ظَنِّ بالرَّبِّ، وإِيَّاكم أَنْ تكونوا بالأحداثِ مُغْتَرِّينَ، ولها آمنينَ، ومنها سَاخرينَ؛ فإِنَّه ما سَخَرَ قومٌ قطُّ إِلاَّ ابتُلُوا؛ ولكنْ تَوَقَّعُوها؛ فإنما الإنسانُ في الدّنيا غَرَضٌ تَعَاوَرَهُ الرُّماةُ، فَمُقَصِّرٌ دونَه، ومُجَاوِزٌ لِمَوضِعِه، وواقِعٌ عن يَمِينِه وشَمَالِهِ، ثم لا بدَّ أنَّه مُصِيْبُهُ.[٤]

المراجع

  1. علي الجندي (1991)، في تاريخ الأدب الجاهلي (الطبعة الأولى)، النجف: دار التراث، صفحة 268. بتصرّف.
  2. علي الجندي (1991)، في تاريخ الأدب الجاهلي (الطبعة الأولى)، النجف: دار التراث، صفحة 259.
  3. ^ أ ب "زهير بن جناب الكلبي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
  4. أحمد زكي صفوت (1933)، جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (الطبعة الأولى)، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الصفحة 126، الجزء الأول. بتصرّف.
7505 مشاهدة
للأعلى للسفل
×