آخر أنبياء بني إسرائيل

كتابة:
آخر أنبياء بني إسرائيل

عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل

بُعث لبني إسرائيل عددٌ كبيرٌ من الأنبياء والرُّسل، وقد ذُكر أنَّ آخرهم هو نبيُّ الله -تعالى- عيسى ابن مريم -عليه السلام-، وقد بُعث بشريعةٍ وتعاليم جديدة لم تتغيَّر حتى بُعث محمَّد -صلى الله عليه وسلم- نبيّ آخر الزَّمان برسالة الإسلام، وقد ورد أنَّ خلال الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد -عليهما السلام- كان لا زال هناك أتباعٌ ينشرون ما جاء به عيسى -عليه السلام- من تعاليمٍ وشريعةٍ،[١] ويُستدلُّ بأنَّ عيسى -عليه السلام- هو آخر الرُّسل لبني إسرائيل بعددٍ من آيات القرآن الكريم التي تذكر مجيء عيسى -عليه السلام- جاء بعد عددٍ من الرُّسل، وهو ما أشار إليه لفظ "قفّينا"؛ ولفظ قفيّنا يعني تبعه وجاء بعده، ولم يرد بالآيات أنه جاء بعد عيسى أي رسول آخر، وفيما يأتي ذكر بعض هذه الآيات:[٢]

  • قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ).[٣]
  • قوله -تعالى-: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين).[٤]
  • قوله -تعالى-: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّـهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).[٥]


قصّة ولادة عيسى عليه السلام

تبشير الملائكة لمريم بولادة عيسى

بشَّرت الملائكة مريم -عليها السلام- بوالدتها لنبيِّ الله عيسى -عليه السلام-، وكانوا قد وصفوه لها وأخبروها باسمه وبما سيفعل، كما ورد في قوله -تعالى-: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)،[٦] وكانت قد دُهشت ممَّا سمعت، إلَّا أنَّه أمر الله -عز وجل- يخلق ما يشاء، قال -تعالى-: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ).[٧][٨]


وكانت مريم زاهدةً متفرِّغةً لعبادة الله -تعالى- وحده، فقد كرَّست جهدها ووقتها في خدمة البيت المقدَّس حتى أنَّها اتّخذت سكناً لها فيه، فاختارها الله -تعالى- واصطفاها عن سائر النِّساء وفضّلها وشرَّفها بحملها لرسوله عيسى -عليه السلام-، وقد ورد في فضلها وكمالها عددٌ من الآثار، إذ أخرج البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ)،[٩] وأخرج الترمذي -رحمه الله- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (حُسْبُكَ من نساءِ العالمينَ مَرْيَمُ ابنةُ عِمْرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحَمَّدٍ وآسِيَةُ امرأةُ فِرْعَوْنَ).[١٠][٨]


ولادة مريم لعيسى عليهما السلام

وُلد عيسى -عليه السلام- بمعجزةٍ عظيمةٍ، فقد ولدته أمُّه مريم -عليها السلام- من دون أبٍ، فلمَّا علمت بحملها اعتزلت قومها في مكانٍ شرق المسجد الأقصى، فظهر لها جبريل -عليه السلام- على هيئة رجلٍ وأخبرها بأنَّها ستلدُ، واندهشت ممَّا يقول وتعجَّبت، كما ورد في قول الله -تعالى-: (قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا* قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحمَةً مِنّا وَكانَ أَمرًا مَقضِيًّا)،[١١] وقد طمأنها جبريل -عليه السلام- بأنَّ المولود سيكون رحمةً للنَّاس، وأنّ ولادته بحدِّ ذاتها معجزةٌ ودليلٌ.[١٢]


ولمَّا جاءها المخاض ذهبت الى مكانٍ عند جذع النَّخلة، وفي تلك اللّحظة فكَّرت بما ستكون عليه ردَّة فعل قومها إذا رأوها ومعها مولودٌ لها وهي المعروفة بزُهدها وعفّتها وطهارتها، فتمنَّت الموت كما ورد في قوله -تعالى-: (يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا)،[١٣] ثمّ سمعت صوتاً يُطمئنها ويدلُّها على الطّعام والشَّراب؛ لترتاح من ألم الوِّلادة، وأخبرها إن لقت قومها أن تصوم عن الكلام ولا تُكلِّم أحداً منهم، فقد قال -تبارك وتعالى-: (فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا* وَهُزّي إِلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ تُساقِط عَلَيكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلي وَاشرَبي وَقَرّي عَينًا فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقولي إِنّي نَذَرتُ لِلرَّحمـنِ صَومًا فَلَن أُكَلِّمَ اليَومَ إِنسِيًّا).[١٤][١٢]


وقيل إنَّ هذا الصَّوت لولدها عيسى -عليه السلام-، وقيل إنَّه لجبريل -عليه السلام-، ولمَّا ذهبت بابنها إلى قومها صُعقوا ممَّا رأوا، وأنكروا عليها ما فعلت، وأخبروها أنَّها تنتمي لعائلةٍ عفيفةٍ طاهرةٍ، فلم تكلِّمْهم وأشارت إلى ابنها أن كلِّموه، فتعجَّبوا من فعلها؛ فكيف سيكلِّمون طفلاً كان وُلد الآن، فإذا بهِ يتكلَّم ويخبرهم بأنَّه رسول الله -تعالى- إليهم، وأنَّه بشرٌ مثلهم يحيى ويموت ويُبعث، وأنّ الله -تعالى- وصَّاه بالصَّلاة والزَّكاة، كما ورد في قوله -تعالى-: (قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا* وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا).[١٥][١٢]


دعوة عيسى عليه السلام

جاء عيسى -عليه السلام- إلى بني إسرائيل ليخرجهم من الظُّلُمات إلى النُّور حاملاً معه عقيدة توحيد الله -تعالى- وتنزيهه عن الشَّريك، مِثله مِثل من سبقه من الرُّسل، وهذه هي عقيدة النَّصرانية الحقيقيَّة وليست العقيدة المحرّفة فيما بعد التي أُشرِك بها عيسى أو أمِّه -عليهما السلام- في استحقاق العبوديَّة مع الله -تعالى-، وقد أكَّد نبيُّ الله عيسى -عليه السلام- على قومه أنَّ المستحقَّ الوحيد للعبادة هو الله -تعالى-، إذ قال لهم كما ورد في القرآن الكريم: (إِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ* فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).[١٦][١٧][١٨]


وكان عيسى -عليه السلام- يُحذِّر قومه وينهاهم عن الإشراك بالله -تعالى-، ويُوضِّح لهم ما سينتظرهم من عقابٍ في الآخرة في حالِ شركهم، وقد بيّن الله -تعالى- ذلك في كتابه بقوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ).[١٩][١٧][١٨]


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1225، جزء 1. بتصرّف.
  2. علي الصلابي (2019م)، المسيح عيسى ابن مريم الحقيقة الكاملة (الطبعة الأولى)، صفحة 165-166. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية: 87.
  4. سورة المائدة، آية: 46.
  5. سورة الحديد، آية: 27.
  6. سورة آل عمران، آية: 45.
  7. سورة آل عمران، آية: 47.
  8. ^ أ ب عبدالله المعتاز (1434ه)، أولو العزم من الرسل عيسى ابن مريم عليه السلام، المملكة العربية السعودية - الرياض: دار السلام للنشر والتوزيع، صفحة 9-13. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 3411، صحيح.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3878، صحيح.
  11. سورة مريم، آية: 20-21.
  12. ^ أ ب ت حنان شعبان (2004م)، حياة المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من منظور إسلامي (الطبعة الأولى)، لبنان - بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 20-25. بتصرّف.
  13. سورة مريم، آية: 23.
  14. سورة مريم، آية: 24-26.
  15. سورة مريم، آية: 30-31.
  16. سورة آل عمران، آية: 51-52.
  17. ^ أ ب علي الصلابي (2019م)، المسيح عيسى ابن مريم الحقيقة الكاملة (الطبعة الأولى)، صفحة 166-167. بتصرّف.
  18. ^ أ ب محمد الشعراوي، مريم والمسيح عليهما السلام، مصر - القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، صفحة 65. بتصرّف.
  19. سورة المائدة، آية: 72.
5989 مشاهدة
للأعلى للسفل
×