آية تحريم الخمر في القرآن
لا يخفى أنّ تحريم الخمر بشكلٍ قطعيّ مرّ بعدّة مراحل انتهاءً بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)؛[١] وسنبيّن سبب نزول الآية ودلالتها على حكم تحريم الخمر فيما يأتي:
سبب النزول
ثبت في سبب نزول آية تحريم الخمر ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال: (أَتَيْتُ علَى نَفَرٍ مِنَ الأنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقالوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِكَ خَمْرًا، وَذلكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الخَمْرُ، قالَ: فأتَيْتُهُمْ في حَشٍّ -وَالْحَشُّ البُسْتَانُ- فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِن خَمْرٍ...).[٢][٣]
(قالَ: فأكَلْتُ وَشَرِبْتُ معهُمْ، قالَ: فَذَكَرْتُ الأنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ. فَقُلتُ: المُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الأنْصَارِ، قالَ: فأخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ، فَضَرَبَنِي به، فَجَرَحَ بأَنْفِي، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فأخْبَرْتُهُ، فأنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيَّ -يَعْنِي نَفْسَهُ- شَأْنَ الخَمْرِ: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).[٢][٣]
تفسير الآية
نصّت الآية الكريمة على تحريم الله -تعالى- للخمر من وجهين اثنين سنبيّنهما فيما يأتي:[٤]
- قوله -تعالى-: (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)
يُقصد بالرجس: الشيء المستقذر النجس، وهو اسم في الشرع لكل ما يلزم تحريمه، ووصف الله -تعالى- للخمر بأنّه رجس في الآية أوجب تحريمه والابتعاد عنه، وهو لفظٌ يدل على التنفير والزجر الشديد.[٥]
- قوله -تعالى-: (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
لفظ الاجتناب يدلّ على التحريم القطعيّ، فالاجتناب أقوى في الدلالة على التحريم من لفظ "لا تشربوها"؛ لأن الاجتناب يقتضي تحريم شرب الخمر وتحريم كل أمرٍ متعلقٍ بها؛ كالجلوس مع شاربي الخمر، أو المرور والجلوس بأماكن بيعها، أو بيعها وتداولها بين الناس.[٦]
آيات التدرج في تحريم الخمر
قامت الشريعة الإسلامية بمراعاة أحوال الناس وطباعهم؛ فتدرّجت بإظهار حكم تحريم الخمر حتى يسهل على الناس اجتنابه، وسنذكر الآيات التي يظهر فيها التدرج في حكم تحريم الخمر فيما يأتي:[٧]
- (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).[٨]
- (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).[٩]
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا).[١٠]
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).[١١]
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية:90
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:1748 ، صحيح.
- ^ أ ب موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 554، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الجصاص، أحكام القرآن للجصاص، صفحة 577- 578، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ "الرد على من أنكر تحريم الخمر"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 25/9/2022. بتصرّف.
- ↑ أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 2364، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 245- 248. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:97
- ↑ سورة البقرة، آية:214
- ↑ سورة النساء، آية:43
- ↑ سورة المائدة، آية:90- 92