أجمل ما قال نزار قباني

كتابة:
أجمل ما قال نزار قباني

قصيدة: حبيبتي والمطر

أخاف أن تمطر الدنيا، ولست معي
فمنذ رحت… وعندي عقدة المطر
كان الشتاء يغطيني بمعطفه
فلا أفكر في برد ولا ضجر
و كانت الريح تعوي خلف نافذتي
فتهمسين: تمسك ها هنا شعري
و الآن أجلس.. والأمطار تجلدني
على ذراعي. على وجهي. على ظهري
فمن يدافع عني… يا مسافرة
مثل اليمامة، بين العين والبصر
وكيف أمحوك من أوراق ذاكرتي
و أنت في القلب مثل النقش في الحجر
أنا أحبك يا من تسكنين دمي
إن كنت في الصين، أو إن كنت في القمر
ففيك شيء من المجهول أدخله
و فيك شيء من التاريخ والقدر

قصيدة: كلمات

يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات
يأخذني من تحت ذراعي يزرعني في إحدى الغيمات
والمطر الأسود في عيني يتساقط زخات زخات
يحملني معه يحملني لمساءٍ وردي الشرفات
وأنا كالطفلة في يديه كالريشة تحملها النسمات
يهديني شمسًا يهديني صيفًا وقطيع السنونوات
يخبرني أنّي تحفته وأساوي آلاف النجمات
وبأني كنزٌ وبأني أجمل ما شاهد من لوحات
يروي أشياء تدوّخني تنسيني المرقص والخطوات
كلمات تقلب تاريخي تجعلني امرأة في لحظات
يبني لي قصرًا من وهمٍ لا أسكن فيه سوى لحظات
وأعود لطاولتي لا شيء معي إلا كلمات
كلمات ليست كالكلمات لا شيء معي إلا كلمات

قصيدة: التحديات

أتحدى
من إلى عينيك، يا سيدتي، قد سبقوني
يحملون الشمس في راحاتهم
وعقود الياسمين
أتحدى كل من عاشترتهم
من مجانين، ومفقودين في بحر الحنين
أن يحبوك بأسلوبي، وطيشي، وجنوني
أتحداهم جميعًا
أن يخطوا لك مكتوب هوىً
كمكاتيب غرامي..
أو يجيؤوك –على كثرتهم-
بحروفٍ كحروفي، وكلامٍ ككلامي
أتحداك أنا أن تذكري
رجلًا من بين من أحببتهم
أفرغ الصيف بعينيك.. وفيروز البحور
أتحدى أشجع الفرسان.. يا سيدتي
وبواريد القبيله
أتحدى من أحبوك ومن أحببتهم
منذ ميلادك.. حتى صرت كالنخل العراقي.. طويله
أتحداهم جميعًا..
أن يكونوا قطرةً صغرى ببحري..
أو يكونوا أطفأوا أعمارهم
مثلما أطفأت في عينيك عمري..
أتحداك أنا.. أن تجدي
عاشقًا مثلي..
وعصرًا ذهبيًا.. مثل عصري
فارحلي، حيث تريدين.. ارحلي..
واضحكي،
وابكي،
وجوعي،
فأنا أعرف أن لن تجدي
موطنًا فيه تنامين كصدري..

قصيدة: إلى رجل

متى ستعرف كم أهواك يا رجلًا

أبيع من أجله الدّنيا وما فيها

يا من تحدّيت في حبّي له مدنًا

بحالها وسأمضي في تحدّيها

لو تطلب البحر، في عينيك أسكبه

أو تطلب الشمس، في كفّيك أرميها

أنا أحبّك فوق الغيم أكتبها

وللعصافير، والأشجار، أحكيها

أنا أحبّك فوق الماء أنقشها

وللعناقيد، والأقداح أسقيها

أنا أحبّك يا سيفًا أسال دمي

يا قصةً لست أدري ما أسمّيها

أنا أحبّك حاول أن تساعدني

فإنّ من بدأ المأساة ينهيها

وإنّ من فتح الأبواب يغلقها

وإنّ من أشعل النيران يطفيها

يا من يدخّن في صمتٍ، ويتركني

في البحر، أرفع مرساتي وألقيها

ألا تراني ببحر الحبّ غارقةً

والموج يمضغ آمالي ويرميها

انزل قليلًا عن الأهداب يا رجلًا

ما زال يقتل أحلامي ويحييها

كفاك تلعب دور العاشقين معي

وتنتقي كلماتٍ لست تعنيها

كم اخترعت مكاتيبًا سترسلها

وأسعدتني ورود سوف تهديها

وكم ذهبت لوعد لا وجود له

وكم حلمت بأثواب سأشريها

وكم تمنّيت لو للرّقص تطلبني

وحيرتني ذراعي أين ألقيها؟

ارجع إليّ فإنّ الأرض واقفةٌ

كأنّما الأرض فرت من ثوانيها

ارجع فبعدك لا عقد أعلّقه

ولا لمست عطوري في أوانيها

لمن جمالي؟ لمن شال الحرير؟ لمن ؟

ضفائري من أعوام أربيها؟

ارجع كما أنت صحوًا كنت أم مطرًا

فما حياتي أنا إن لم تكن فيها؟

قصيدة: عيناكِ

عيناكِ كنهريْ أحزانِ
نهريْ موسيقى حَمَلاني لوراء وراء الأزمانِ
نهري موسيقى قد ضاعا سيَّدتي ثمّ أضاعاني
الدمعُ الأسودُ فوقهما يتساقطُ أنغامَ بِيانِ
عيناك وتبغي وكحولي والقدَحُ العاشرُ أعماني
وأنا في المقعد محترقٌ نيراني تأكلُ نيراني
أأقولُ أحبك يا قمري؟ آه لو كان بإمكاني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني
سُفُني في المرفأ باكيةٌ تتمزّقُ فوقَ الخُلْجانِ
ومصيري الأصفرُ حطَّمني
حطّمَ في صدري إيماني
أأسافرُ دوَنكِ لَيْلكَتي؟
يا ظلَّ اللهِ بأجفاني
يا صيفي الأخضرَ يا شمسي
يا أجملَ أجملَ ألواني
هل أرحلُ عنكِ وقصَّتُنا أحلى من عودة نَيْسَانِ
أحلى من زهرة غاردينيا في عتْمة شَعْر إسباني
يا حُبّي الأوحدَ لا تبكي فدموعُكِ تحفرُ وجداني
أنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني
أأقول أحبك يا قَمَري
آه لو كانَ بإمكاني
فأنا إنسانٌ مفقودٌ لا أعرف في الأرض مكاني
ضيَّعَني دربي ضيَّعَني
إسمي! ضيَّعَني عنواني
تاريخي! ما ليَ تاريخٌ إنّي نسْيانُ النِسْيانِ
إنّي مرساةٌ لا ترسو جُرْحٌ بملامح إنسانِ
ماذا أُعطيكِ؟ أجيبيني؟
قَلقَي؟ إلحادي؟ غَثَياني؟
ماذا أعطيكِ سوى قَدَرٍ يرُقصُ في كفّ الشيطانِ؟
أنا ألفُ أحبُّكِ فابتعدي عنّي
عن ناري ودخاني
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني

القصيدة الدمشقية

هذي دمشق وهذي الكأس والراح

إني أحبب وبعـض الحـب ذباح

أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي

لسـال منه عناقيـدٌ وتفـاح

ولو فتحـتم شراييني بمديتكـم

سمعتم في دمي أصوات من راحوا

زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا

وما لقلـبي – إذا أحببـت جـراح

مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني

وللمـآذن كالأشجار أرواح

للياسمـين حقـوقٌ في منازلنـا

وقطة البيت تغفو حيث ترتـاح

طاحونة البن جزءٌ من طفولتنا

فكيف أنسى؟ وعطر الهيل فواح

هذا مكان "أبي المعتز" منتظرٌ

ووجه "فائزةٍ" حلوٌ و لمـاح

هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي

فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟

كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاوره؟

حتى أغازلها والشعـر مفتـاح

أتيت يا شجر الصفصاف معتذر

فهل تسامح هيفاءٌ ووضـاح؟

خمسون عامًا وأجزائي مبعثرةٌ

فوق المحيط وما في الأفق مصباح

تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـاف لها

وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاح

أقاتل القبح في شعري وفي أدبي؟

حتى يفتـح نوارٌ وقـداح

ما للعروبـة تبدو مثل أرملةٍ؟

أليس في كتب التاريخ أفراح؟

والشعر ماذا سيبقى من أصالته؟

إذا تولاه نصـابٌ ومـداح؟

وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟

وكل ثانيـةٍ يأتيـك سـفاح؟

حملت شعري على ظهري فأتعبني

ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟

قصيدة: أُحبك

:أحبك حتى يتم انطفائي

بعينين، مثل اتساع السماء
إلى أن أغيب وريدًا وريدًا
بأعماق منجدلٍ كستنائي
إلى أن أحس بأنّك بعضي
وبعض ظنوني وبعض دمائي
أحبك غيبوبةً لا تفيق
أنا عطشٌ يستحيل ارتوائي
أنا جعدةٌ في مطاوي قميصٍ
عرفت بنفضاته كبريائي
أنا – عفو عينيك – أنت كلانا
ربيع الربيع عطاء العطاء
أحبك لا تسألي أي دعوى
جرحت الشموس أنا بادعائي
إذا ما أحبك نفسي أحب
فنحن الغناء ورجع الغناء
5745 مشاهدة
للأعلى للسفل
×