أحاديث عن فضل العمل
حثَّت الشَّريعة الإسلاميَّة في نصوصها المختلفة على ضرورة العمل ووجوب السَّعي في الأرض لإعمارها، وهو أمرٌ ضروريٌّ لا بدَّ منه لاستمرار الحياة وتيسيرها على المسلمين، وقد وردت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جملةٌ من الأحاديث التي توضِّح فضل العمل، نورد فيما يأتي بعضها:
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها)،[١] والحديث الشَّريف يعني: لو أحسَّ الآدميُّ باقتراب يوم القيامة وقيام السَّاعة، وكان معه فسيلةٌ أي نخلةٌ صغيرةٌ، فعليه أن يقوم بغرسها قبل اقتراب الأجل منه، ممَّا يدلُّ على استحباب العمل حتَّى آخر رمقٍ في الحياة في كلِّ ما يعود بالنَّفع وليس بالزِّراعة والغرس حصراً.[٢]
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزْ)،[٣] وفي الحديث الشَّريف دلالةٌ واضحةٌ على تفضيل المؤمن القويِّ على المؤمن الضَّعيف، والمؤمن القويُّ تكمن قوَّته في كمال إيمانه، وفي قربه من الله -تعالى-، وفي قوَّته الجسديَّة أيضاً؛ لأنَّ مفهوم القوَّة هنا عامٌّ ويشمل عدَّة وجوهٍ، وكما هو معلومٌ أنَّ من يسعى ويعمل ويجتهد خير ممَّن يتقاعس ويتَّكل ولا نفع منه في الدُّنيا ولا الآخرة.[٤]
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم--: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ)،[٥] حيث إنَّ الحديث يشير إلى ضرورة اتِّخاذ عملٍ ولو كان يسيراً، وعدم استحقار أيّ مهنةٍ، حيث إنَّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بيَّن أنَّ جمع الحطب وبيعه خيرٌ من المسألة وحاجة النَّاس.[٦]
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: ({وَأَعِدُّوا لهمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ}، أَلَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ)،[٧] وفيه إشارةٌ إلى ضرورة الإعداد والعمل في شتَّى المجالات، وهو يدلُّ على ضرورة الإعداد للجهاد كلٌّ حسب مقدرته، وخصَّ الرَّمي مع أنَّه أهون أمرٍ في القتال من باب المثال وليس الحصر.[٦]
أحاديث عن فضل عمل الرجل بيده
حثّ الإسلام على ضرورة أن يعتمد المسلم على نفسه بالعمل، وفيما يأتي بعض من الأحاديث الدّالة على ذلك:
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أطِّيبُ الكسبِ عملُ الرجلِ بيدِه، و كلُّ بيعٍ مبرورٍ)،[٨] ما يعني أنَّه ما من شيءٍ أفضل من أن يسعى المسلم جاهداً على الكسب والبحث عن الرِّزق بيده، وأن لا يكون عالةً على النَّاس.[٩]
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ)،[١٠] إذ يمتدح النَّبيُّ مَن أكل من تعبه وعمل جاهداً لذلك، ولم يقبل أن يرتاح ويتقاعس ليصله رزقه دون كلٍّ وتعبٍ، بل عملَ وشقَّ الصِّعاب ليؤمِّن لنفسه ولمن يعول رزقهم، وعفَّ نفسه وأهله من ذلِّ المسألة والحاجة للنَّاس،[١١] وقد أشار النَّبيُّ إلى قدوةٍ حسنةٍ يجب التَّأسِّي بها، ألا وهو نبيُّ الله داود -عليه السّلام-، فقد كان يتعب ويعمل في أصعب المهن ليأكل من كسبه، وهي مهنة الحدادة، مع أنَّه كان نبيّاً مرسلاً.
حديث عن إتقان العمل
إنَّ منظومة التَّعاليم الإسلاميَّة جاءت كلُّها لتصبَّ في مصلحة الفرد والمسلم وما فيه نفعٌ للمجتمع، ولذلك لم يحثَّ الإسلام على العمل فحسب، بل حثَّ على أن يُتقِنَ كلّ فرد فيه عمله، وأن يؤدِّيه كلٌّ منهم على أتمِّ وجهٍ، دون نقصانٍ وهي تربيةٌ عمليَّةٌ تكاد تخلو منها الشَّرائع الدُّنيويَّة الأخرى.[١٢]
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إذا عمِلَ أحدُكم عملًا فلْيتْقِنْه، فإنَّه مما يُسَلِّي بنفسِ المصابِ)،[١٣] وهو حديث ضعيف إلَّا أنَّه يؤخذ به؛ لأنَّه جاء في فضائل الأعمال، ولأنَّ مضمونه يوافق الشَّريعة الإسلاميَّة وتعاليمها من ضرورة إتقان كلِّ فردٍ مسلمٍ للعمل الموكول إليه، ما ينتج عنه مجتمع خالٍ من الفساد والغشِّ.
وقد روي عن بعض الصَّحابة أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال هذا الحديث وهو يجهِّز لَحْد ابنه إبرهيم عند وفاته، ثمَّ رأى خرقاً في لبنةٍ جيء بها لوضعها في اللَّحد، ليحثَّ على ضرورة أن يُحكِم كلُّ فردٍ ما بين يديه من الأعمال، فقد يكون عمله تخفيفاً للمصاب في مصيبته وتسلية لنفسه.[١٤]
المراجع
- ↑ رواه الالباني، في السلسبة الصحيحة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:9، صحيح على شرط مسلم..
- ↑ زين الدين المناوي (1356)، فيض القدير (الطبعة 1)، مصر:المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 30، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2664، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 134. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن الزبير بن العوام، الصفحة أو الرقم:1471، صحيح.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الاسلامية، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:1917، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن رافع بن خديج وعبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1033، صحيح.
- ↑ أحمد الساعاتي، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (الطبعة 2)، صفحة 6، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم:2072، صحيح.
- ↑ شمس الدين البِرْماوي (2012)، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (الطبعة 1)، سوريا:دار النوادر، صفحة 12، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ عاطف السيد، التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في ضعيف الجامع، عن عطاء بن أبي رباح، الصفحة أو الرقم:599، ضعيف.
- ↑ زين الدين المناوي (1356)، فيض القدير (الطبعة 1)، مصر:المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 405، جزء 1. بتصرّف.