ما بعد حروب الردة
بعدَ قضاء الخليفة أبي بكر الصديق على المرتدّين بعد وفاة الرسول، وأنهى هذه الفتنة، وبعد أنّ أمّنَ الجبهة الداخليّة، قرّر أنّ يتفرغ للمهمة الأكبر والأهم وهي نشر الدين الإسلامي وبَدْء الحملات الجهادية امتثالًا لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[١]، فالدولة الإسلامية تقع بين أقوى دولتين بالعالم في ذلك الوقت، فدولة الروم الصليبية تحدهم من الشمال الشام والجزيرة العربية، ودولة الفرس المجوسية من الشرق العراق وإيران، كان أبو بكر يفضل لقار الروم على لقاء الفرس، ولكن في النهاية فضل البدء بدولة الفرس لقوتها وشدتها، وأيضًا لكفرها الأصيل، فهي أشد كفرًا من الروم فهم من أهل الكتاب، هكذا تم التمهيد لأحداث معركة كاظمة.[٢]
أحداث معركة كاظمة
معركة كاظمة أو معركة ذات السلاسل هي وقعت في سنة 12هـ بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد والفرس بقيادة هرمز، حيث وقعت المعركة في منطقة كاظمة شمال دولة الكويت حاليًا، وانتهت بانتصار المسلمين[٣]، بعدَ الانتهاء من حروب الردة، أغار المثنى بن حارثة الشيباني على أطراف العراق، علم أبو بكر بذلك فأثنى قيس بن عاصم المنقري على المثنى، ثم قدم المثنى إلى أبي بكر الصديق في المدينة المنورة، فطلب أن يسمح له الخليفة بقتال الفرس المجاورين له، والقيام ببعض الغارات عليهم. فقال له: "يا خليفة رسول، ابعثني على قومي؛ فإن فيهم إسلامًا أقاتل بهم أهل فارس، وأكفيك أهل ناحيتي من العدو"، فأذن له أبو بكر بذلك وكتب له في ذلك عهدًا.[٤]
فقام المثنى بن حارثة الشيباني بشنّ الغارات على جيوش المناطق الجنوبية في فارس، فطلب من أبي بكر المدد ويقول له: "إن أمددتني وسمعت بذلك العرب أسرعوا إليَّ، وأذلَّ الله المشركين، مع أني أخبرك -يا خليفة رسول الله- أن الأعاجم تخافنا وتتقينا"، على إثر ذلك أرسل أبا بكر رسالة لخالد بن الوليد ليمُدّ المثنى ويتابع غزواته، فأمره بأن يجمع الجند في اليمامة وألا يستكره أحدًا منهم "أي أنْ لا يجبرهم"، وكتب إلى المثنى كذلك يأمره بطاعة خالد، فأنطلق خالد إلى العراق في المحرم من سنة 12هـ، بجيش قوامة عشرة آلاف مقاتل، وانضم ثمانية آلاف كانوا مع المثنى، ليصبحَ عدد الجيش ثمانية عشر ألاف مقاتل، هكذا تطوّرت الأمور قبل بدء أحداث معركة كاظمة.[٤]
ومع بَدْء أحداث معركة كاظمة، أرسل خالد بن الوليد إلى هرمز قائد الفرس كتابًا يحذره فقال: "أمَّا بعد، فأَسلِمْ تَسلَمْ، أو اعتقد لنفسك وقومك الذمَّة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلوَمنَّ إلا نفسك؛ فقد جئتك بقوم يُحبون الموت كما تحب الحياة"[٥]، فضل هرمز القتال، وأرسل يطلب المدد من كسرى، فأمدّه بإمدادات كبيرة، فتوجه هرمز إلى منطقة كاظمة حيث يعسكر جيش المسلمين، فقام خالد بن الوليد بمناور فتحرك بجيشه إلى الحفير، وعند وصول هرمز إلى كاظمة وجدها خاوية، فعلم بتوجه المسلمين إلى الحفير ثم لحقهم هرمز، وسبقهم إليها، ثم عاد خالد مجددًا إلى كاظمة، كانت خطة خالد إضعاف الجيش الفارسي من خلال استغلال نقطة ضعفه والتي هي ثقل تسليحه، ما يجعل تحرك الجيش يُجهد أفراده، غضب هرمز لفعل خالد، وتحرك بجيشه نحو كاظمة، والتقى بجيش المسلمين.[٣]
طلب هرمز من جيشه بربط أنفسهم بالسلاسل، وقد ضمَرَ هرمز المكر والغدر لخالد بن الوليد في بداية أحداث معركة كاظمة، حيث وصله أمر قوته وشجاعته، وقوة المسلمين من قوته، فطلب أن يخرج خالد بن الوليد للمبارزة، عندها تواطأ مع فرسانه بأن يهجموا عليه حين يشتبك معه فيقتلوا خالد، قابل خالد هرمز فلم يحتدم القتال بينهم حتى أحاطت حامية من الفرس بهما، فعُدّ هذا الفعل وصمة عار على أصحابه لأنه لم يكن تصرفًا متعارفًا عليه في الحروب، إلا أن ذلك لم يشغل خالد عن قتل هرمز، فبقي يُقاتله حتى قتله على فرسه، وبقي يقاتل ويبارز الحامية التي التفت حوله بسيفين حتى أتى لنجدته القعقاع بن عمرو التميمي فقضوا عليهم.[٤]
في هذه الأثناء اشتدّت أحداث معركة كاظمة والتحم الفريقان واستعَرَ القتال، وكان هجوم المسلمين شرسًا على جيش الفرس، حتى أخذ في نفوس الفرس الرعب خاصة بعد مقتل قائدهم في أول ضربة للمسلمين وكان أول قتيل للفرس قائدهم، فمن لم يقتل فر وكان يجر معه بواقي سلسلته، قتل من الفرس عدد كبير جدًّا، بينما لم يُقتل عددٌ يذكر من المسلمين في هذه الموقعة، فسميت بموقعة ذات السلاسل، وكانت هذه أحداث معركة كاظمة، وأخذ خالد بن الوليد تاج هرمز ويقدر بمائة ألف درهم، وأرسله مع فيل كان في جيش الفرس ضمن خُمس الغنائم إلى المدينة.[٤]
سبب تسمية المعركة بذات السلاسل
وقعت أحداث معركة كاظمة في أرض يُطلق عليها كاظمة تقع في الكويت، تسمى المعركة باسم معركة كاظمة أو معركة ذات السلاسل، الاسم الأول هو لوقوعها في منطقة كاظمة، بينما اطلق عليها ذات السلاسل لأن هرمز قائد الفرس كان رجلًا أهوجًا متكبرًا، لا يستمع لنصائح قادته ومستشاريه، حيث طلب من جنود الفرس أنّ يقيدوا ويربطوا أنفسهم بالسلاسل، وذلك حتى يستميتوا في القتال ولا يفروا من المعركة، والقتال حتى الموت، فبعد مقتل قائد الفرس هرمز، انفرط عقدهم، وولوا الأدبار، وقتل منهم الكثير وقتل المقيدون بالسلاسل عن بكرة أبيهم، فكان هذا سبب تسمية المعركة بذات السلاسل، كانت هذه أحداث معركة كاظمة التي حقق المسلمون فيها انتصارًا ساحقًا وعظيمًا على الفرس، وإنذارًا بهدم دولتهم.[٢]
المراجع
- ↑ سورة التوبة، آية: 123.
- ^ أ ب "معركة ذات السلاسل"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "معركة ذات السلاسل"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "بداية فتوحات العراق"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "موقعة ذات السلاسل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.