محتويات
القرآن الكريم
كتاب الله -سبحانه وتعالى- وكلامُهُ المعجز، وهو المعجزة الباقية ما بقيتْ السماوات والأرض، أنزله في ليلة مباركة على رسوله الكريم -صلَّى الله عليه وسلَّم- وجعله رحمة للناس أجمعين، وقد جعل اللهُ -عزَّ وجلَّ- قراءةَ القرآن الكريم عبادةً من العبادات العظيمة التي يُؤجر العبد عليها، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث: "من قرَأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول آلم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حَرفٌ وميمٌ حَرفٌ"[١]، وتلاوة القرآن لها أحكام خاصة تتعلَّق بكيفية نطق الحروف ودمجها وإدغامها وغير ذلك، وفيما يأتي سيتم الحديث عن أحكام الراء في التجويد.
علم التجويد
قبل التوغل في أحكام الراء في التجويد يمكن القول إنَّ التجويد لغة هو التحسين وهو تجميل الشيء وتجويده وإتقانه، أمَّا في الاصطلاح فهو علم قراءة القرآن الكريم، ويعني أن يتم إخراج كلِّ حرف من حروف الآيات المقروءة من مخرجه ومكانه الصحيح وبالطريقة السليمة التي تتناسب مع مكان الحرف في الكلام، وقد وضع علماء التجويد أحكامًا وقوانينَ خاصَّة لكلِّ الحالات التي قد يتعرَّض إليها القارئ عند التلاوة، حتَّى يستطيع القارئ أن يعطي كلَّ حرف من حروف كتاب الله -سبحانه وتعالى- حقَّه عند القراءة، وقد ظهر علم التجويد لأول مرة في التاريخ في كتاب جمعه أبو عبيد القاسم بن سلام، وكان هذا في القرن الثالث الهجري، ويُقال إنَّ أول من جمع هذا العلم هو حفص بن عمر الدروبي، ولكنَّ ما هو متفق عليه هو أن علم التجويد والقراءات اشتهر في القرن الرابع الهجري حيث ظهرت قراءات القرآن الكريم السبع المشهورة على يد أبي بكر بن مجاهد البغدادي المتوفى سنة 324 هجرية، ثمَّ اشتهر هذا العلم في القرن الخامس على يد الإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، وفي القرن السادس الهجري اشتهر العالم الأبرز في تاريخ التجويد الذي نظم قصيدة الشاطبية التي تعتبر من المتون التي تفصل في علم التجويد وهو أبو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الأندلسي المتوفى سنة 590 للهجرة، والله أعلم.[٢]
أحكام الراء في التجويد
في الحديث عن أحكام الراء في التجويد وقبل الدخول في تفاصيل أحكام الراء في التجويد لا بدَّ من القول إنَّ الأحكام التي تدور حول حرف الراء في التجويد هي أحكام التفخيم والترقيق فقط، فهو حرف الاستِفال وحروف الاستفال هي الحروف التي ينخفض اللسان عند نطقها أي ينخفض عن الحنك الأعلى عند نطق حرف الراء، والراء تحديدًا دون غيره من حروف الاستفال يأخذ اللسان عند نطقه انحرافًا خاصًّا، أمَّا أحكام الراء في التجويد فتُقسم بين الراء المتحركة والراء الساكنة على الشكل الآتي:[٣]
الراء المتحركة
وتأتي الراء المتحركة في التجويد بحسب حركتها، على الشكل الآتي:
- إذا جاءتِ الراء متحركة بفتحة مثل قوله تعالى في سورة الكهف: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}[٤]، فتكون مفخمة أي حكمها التفخيم.
- إذا كانت الراء متحركة بالضم مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[٥]، فحكمُها التفخيم أيضًا.
- إذا جاءت الراء مكسورة كسرًا أصليًا أو عارضًا فحكمها الترقيق والمثال قوله تعالى في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[٦].
الراء الساكنة
تختلف أحكام الراء في التجويد غذا كانت ساكنة كليًّا عن الراء إذا كانت متحركة، وفيما يأتي حال الراء في التجويد إذا جاءت ساكنة:
- إذا جاءت الراء ساكنة بعد همزة وصل فتكون مفخمة سواء بدأتِ القراءة من الهمزة أو من الكلمة التي قبل الهمزة، مثل قوله تعالى في سورة النور: {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}[٧]، أي حكمها التفخيم.
- إذا كانت الراء ساكنة وسط الكلمة وقبلها حرف مكسورة كسرًا أصليًا ولم يأتِ بعدها حرف استعلاء فتكون مرققة، مثل كلمة: الفردوس، وحروف الاستعلاء هي الحروف التي يرتفع اللسان إلى الحنك الأعلى عند نطقها وهي مجموعة في جملة: "خص ضغط قظ"، فإذا جاءت الراء ساكنة وقبلها حرف مكسور كسرًا أصليًا وبعدها حرف استعلاء فهي مفخمة، مثل: قِرْطَاسٍ.
- إذا جاءت الراء ساكنة في نهاية الكلمة وكان سكونها أصليًا وقبلها حرف مكسور فهي مرققة دون النظر إلى ما بعدها أبدًا، مثال قوله تعالى في سورة لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}[٨].
- إذا كانت الراء ساكنة بسبب الوقف أي ساكنة سكونًا عارضًا وقبلها حرف مكسور متصل بها فهي مرققة، مثل قوله تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ}[٩].
- إذا جاءت الراء ساكنة سكنًا عارضًا بسبب الوقف وقبلها ياء ساكنة فهي مرققة، مثل كلمة: قدير، خير.
- إذا كانت الراء ساكنة في نهاية الكلام وكان سكونها عارضًا بسبب الوقف وجاء قبلها فتح أو ضم أو ألف ساكنة أو واو ساكنة فهي مفخمة، مثل قوله تعالى في سورة القمر: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[١٠]، والله تعالى أعلم.
حكم قراءة القرآن بالتجويد
بعد التفصيل في أحكام الراء في التجويد يمكن القول إنَّ قراءة القرآن الكريم بالتجويد أمر مستحب وليس واجبًا، ففي تجميل الصوت وتحسينه وإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة، وقد جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- أنَّه قال: "زينوا القرآنَ بأصواتِكم؛ فإنَّ الصوتَ الحسنَ يزيدُ القرآنَ حسنًا"[١١]، فمن المستحب أن يتعلَّم الإنسان التجويد ويقرأ به وليس فرضًا على كلِّ مسلم ذلك، فمن لم يعرف التجويد قرأ القرآن الكريم قراءة عادية وله أجر بإذن الله، ومن امتلك نعمة التجويد فيُستحب له أن يقرأ بالتجويد، والله تعالى أعلم.[١٢]
ثواب قراءة القرآن بدون تجويد
لا شكَّ في أنَّ الإسلام دين التيسير وليس التعسير، لذلك لم يفرض الله تعالى على عباده تعلُّم علم التجويد كشرط أساسي حتَّى يكسي الإنسان أجر قراءة القرآن الكريم وثواب التلاوة العظيم الذي خصصه الله تعالى لعباده، على العكس تمامًا فقد ذكر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصحيح أنَّ من قرأ القرآن بصعوبة ومشقة له أجر عظيم عند الله تعالى، روتِ السيدة عائشة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ"[١٣]، فمن قرأ القرآن واشتدَّ عليه وصعب فله أجران من الله، والله لا يضيع أجر عامل من أحسن عملًا، والله تعالى أعلم.[١٤]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1416، صحيح.
- ↑ "تجويد"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "حرف الراء وأحكامه تفخيمًا وترقيقًا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 10.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 160.
- ↑ سورة العصر، آية: 1-2.
- ↑ سورة النور، آية: 28.
- ↑ سورة لقمان، آية: 18.
- ↑ سورة يونس، آية: 81.
- ↑ سورة القمر، آية: 1.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4561، صحيح.
- ↑ "حكم قراءة القرآن بالتجويد"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 19-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 798، صحيح.
- ↑ "حكم قراءة القرآن بدون تجويد لمن لا يعرف ذلك"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 18-05-2019. بتصرّف.