أحكام صلاة الاستسقاء

كتابة:
أحكام صلاة الاستسقاء

حكم صلاة الاستسقاء

تُعدّ صلاةُ الاستسقاء من السُّنن المؤكدة عن النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويجوزُ للإنسان أن يُصلّيها في أيّ وقتٍ شاء عدا أوقات النّهي، وأفضل أوقاتها هو أن تُصلّى بعد ارتفاع الشمس بِمقدار رُمح*،[١] وتجوز صلاتُها بشكل فردي أوجماعة، والجماعةُ فيها أفضل، وتتأكّد صلاة الاستسقاء عندما يتوقّف المطر، وتجدب الأرض،[٢] وقد قال الشّافعيّةُ إنّ صلاة الاستسقاء مكروهة في أوقات النّهي؛ وذلك لأنّهم أجازوا الصلوات ذات السبب في أوقات النهي، ولم يذكروا منها الاستسقاء، وقد قال ابن قُدامة: إنّ الأصل هو عدم صلاة الاستسقاء في وقت النهي؛ وذلك لأنّ وقتها موسّعٌ فلا يُحتاجُ أداؤها في وقت النهيّ، وهذا هو قول أكثر العُلماء.[٣]


وقال جُمهور الفُقهاء بسُنّية صلاة الاستسقاء، بِخلاف الإمام أبو حنيفة الذي يرى بأنّه ليس في الاستسقاء صلاة، وإنّما يُكتفى فقط بالدُّعاء لا غير،[٤][٥] ولكنّ النّبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- قد صلّى صلاة الاستسقاء؛ وهذا هو الأمر الذي يؤكّد على سُنيّة صلاة الاستسقاء، ويُسنّ للإمام أن يُعلن عن أدائها قبل موعدها بعدّة أيّام، ويحث الناس على التوبة، وإخراج المظالم، والإكثار من الصدقة، وترك المعاصي،[٦] وممّا يؤكّد على سُنيّتها فعل النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- لها، فقد ثبت ذلك في الحديث الشريف المذكور في صحيح البخاري عن الصحابي الجليل عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: (خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلى القِبْلَةِ يَدْعُو وحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِرَاءَةِ).[٧][٨]


الحكمة من مشروعية صلاة الاستسقاء

شرع الإسلام صلاة الاستسقاء للعديد مِنَ الحِكَم، ومنها ما يأتي:[٨]

  • احتباس المطر، وجدب الأرض، وغور مياه الآبار والأنهار، فيخرُج المُسلمون عندها لصلاة الاستسقاء بِكُلّ خُشوعٍ وتذلُّل،[١][٢] كما أنّها تكون عند حاجة الناس إلى الماء، سواءً كان ذلك عند قلّة الماء أو فُقدانه، فيطلبون من الله -تعالى- أن يسقيهم ويسقي زرعهم وحيواناتهم،[٩] ويكون الخُروج لصلاة الاستسقاء من قِبل جميع الناس، سواءً كانوا رِجالاً أم نساءً أم أطفالاً.[١٠]
  • توجيه الإنسان نحو فطرته؛ وهي التجاؤه لله -تعالى- ربّه وخالقه ورازقه، وأن يتّوجه المسلم إليه -سبحانه- عند الحاجة وعند كُلّ ما يُصيبه من مصائب.[١١]


أنواع الاستسقاء

يؤدّي المُسلم صلاة الاستسقاء بإحدى الطُّرق الآتية؛ وذلك إمّا بصلاتها على النحو الذي سنُبّينه في الفقرة اللّاحقة، وهو الأفضل والأكمل، ويُسنُّ خُروج جميع المُسلمين إليها، حتّى النِساء والأطفال، ويخرجون بِخُشوعٍ وخُضوع؛ وذلك لِفعل النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو تكون من خلال الدُّعاء في خُطبة الجُمعة، أو من خلال الدُّعاء فقط من غير خُطبة ولا صلاة،[١٠][١] حيث يجوز الاستسقاء بالدُّعاء وحده والاكتفاء به من غير صلاة، فيدعو الإنسان ربّه في أيّ وقت وأيّ مكان مع رفع يديه.[١٢][١٣]


كيفية صلاة الاستسقاء

الخروج لصلاة الاستسقاء

يُسنّ لمن يُريد القيام بصلاة الاستسقاء الخُروج إليها من غير تزيُّن أو تطيُّب، ويخرج لها بوقارٍ وتواضع؛ وذلك لِفعل النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويقوم الإمامُ بوعظ الناس بما يُليّنُ به قُلوبهم؛ كأمرهم بالتّقوى، والتّوبة، ودفع الزّكاة، والاستغفار، والصيام، وترك الشحناء والبغضاء فيما بينهم، ويحرص الإمام على اختيار أهل الدين والصلاح في الخُروج معه للاستسقاء، وكذلك الأطفال المُميّزين والضّعفاء.[١٤][١٥]


أداء صلاة الاستسقاء

يتقدّم الإمام للصّلاة بالناس من غير أذانٍ أو إقامة، فيُصلّي بهم ركعتين، ويكبّر الإمام في الرّكعة الأولى بسبع تكبيرات، ثُمّ يقرأ بعدها سورة الفاتحة، وسورة أُخرى من القُرآن الكريم، وتكون قراءته جهراً، ثُمّ يركع ويسجد، ثُمّ يقوم الإمام للرّكعة الثانيّة، ويُكبّر فيها بخمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويفعل كما فعل في الرّكعة الأولى، ثُمّ يتشهّد الإمام ويُسلّم بعدها،[١] وتُشبه صلاة الاستسقاء صلاة العيد؛ إلّا أنّ صلاة الاستسقاء ليس لها وقت مُعيّن بخلاف صلاة العيد،[١٦] وقال بعضُ العُلماء: إنّ صلاة الاستسقاء تُصلّى كصلاة العيد من حيث الوقت والكيفيّة؛ وذلك لِفعل النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، فتُصلّى في المُصلى، وتُصلّى ركعتين، وتكون خُطبتها بعد الصلاة.[٨]


خطبة صلاة الاستسقاء

قال بعضُ الفُقهاء: إنّ الخُطبة في صلاة الاستسقاء تكون قبل الصلاة؛ وذلك لِفعل النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما ثبت في الحديث الذي يرويه الصحابي عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-، حيث قال: (خَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَجَعَلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ، يَدْعُو اللَّهَ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)،[١٧] وتكونُ عبارة عن خُطبةٍ واحدة، يُكثرُ الإمام فيها من التكبير والاستغفار، والدُعاء بالغيث والمطر، كقوله: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا".[١٨]


وقد قال الإمام الشافعيّ ومالك وبعض الحنفيّة بأنّ الخُطبة في صلاة الاستسقاء تكون بعد الصلاة، وأمّا من قال بعكس ذلك فقد نقله ابن المُنذر عن أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-،[٤] وتكون الخُطبة عبارة عن تذكير للنّاس بما حلّ بهم من تأخّر المطر، وحثّهم على الدُّعاء، والتّوبة، والصّدقة، وتركهم للمعاصي، ورُجوعهم إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، وحثّهم على أن يكثروا من الدُّعاء بأن يُسقيهم الله -تعالى- المطر.[١٩][٢٠]


ما يُسنّ فعله بعد الخطبة

يُسنُّ بعد الخُطبة أن يقوم الإمام باستقبال القبلة، ثُمّ يدعو، ويحوّلُ رِداءه، بجعل الطّرف الأيمن على الطّرف الأيسر، ويقوم المُصلّون برفع أيديهم عند الدُّعاء،[٢١] ويُكثر الإمام من الدُّعاء في طلب السُقيا؛ وذلك لِفعل النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-،[١٣] ويُسنّ كذلك أن يقول المُسلم عند نُزول المطر: "اللّهم صَيِّباً نافعاً"، أو أن يقول: "مُطرنا بفضل الله -تعالى- ورحمته"، وفي حال كثُر المطر وخاف الناس ضرره، فيُسن قول: "اللّهم حوالينا ولا علينا، اللّهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر"، وهذه الأدعية ثبتت من أقوال النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث صحيحة.[١٣]


_________________________________________

الهامش

*رمح: وهو ما يقدّر بنحو ربع ساعة تقريباً من طلوع الشمس، أو أكثر أو أقل بقليل.[٢٢]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث محمد بن إبراهيم التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 551. بتصرّف.
  2. ^ أ ب خالد بن علي المشيقح، المختصر في فقه العبادات، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 63. بتصرّف.
  3. عيد بن سفر الحجيلي (1993)، تحقيق المقام فيما يتعلق بأوقات النهي عن الصلاة من أحكام، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 273. بتصرّف.
  4. ^ أ ب محمد نعيم ساعي (2007)، موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 240، جزء 1. بتصرّف.
  5. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: الدرر السنية dorar.net، صفحة 189، جزء 1. بتصرّف.
  6. صالح بن غانم السدلان (1425 هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 49-50. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن زيد، الصفحة أو الرقم: 1024، صحيح.
  8. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين (1424 هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 106، جزء 1. بتصرّف.
  9. عبد الرحمن بن محمد الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 325، جزء 1. بتصرّف.
  10. ^ أ ب مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 190، جزء 1. بتصرّف.
  11. صالح بن غانم السدلان (1425 هـ)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 49. بتصرّف.
  12. خالد بن علي المشيقح، المختصر في فقه العبادات، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 65. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين (1424 هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 108، جزء 1. بتصرّف.
  14. سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1442، جزء 3. بتصرّف.
  15. خالد بن علي المشيقح، المختصر في فقه العبادات، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 63-64. بتصرّف.
  16. خالد بن علي المشيقح، المختصر في فقه العبادات، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 64. بتصرّف.
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن زيد، الصفحة أو الرقم: 894، صحيح.
  18. محمد بن إبراهيم التويجري (2011)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 551-553. بتصرّف.
  19. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 192، جزء 1. بتصرّف.
  20. مجموعة من المؤلفين (1424 هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 107، جزء 1. بتصرّف.
  21. محمد بن إبراهيم التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 553. بتصرّف.
  22. "أول وقت الضحى وآخره بحساب الدقائق"، https://www.islamweb.net/ar/fatwa/126653/، 3-9-2009، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2021. بتصرّف.
4080 مشاهدة
للأعلى للسفل
×