أساليب الإضحاك في المقامات
المقامة هي فن من فنون الأدب العربي، تتميز بمحاكاتها للفن القصصي، ولكن لها شكلًا وأسلوبًا خاصةً بها، وتميزت المقامات والأشعار في العصور القديمة بوجود ثقافة الترف والرفاهية والضحك فيها، ولكن مع تقدم العصور أصبح الناس يميلون إلى الفكاهة والضحك أكثر في مجالسهم هروبًا من الواقع أو استخدام الفكاهة والضحك للسخرية على الحال،[١] ومن أساليب الإضحاك في المقامات ما يأتي:
الفكاهة والتهكم
إنّ الفكاهة تهدف إلى الإضحاك ودخول السرور على النفس، إذ قد يكون المقصود بها الاستهزاء أو تقليل الشأن أو الوعظ أو غيره، فمثلًا تضمنت مقامات الحريري أساليب كثيرة، أهمها السخرية والفكاهة إلى جانب الوعظ، فقد كانت الفكاهة ركيزة أساسية للهزل، فأهم المقامات الهزلية التي هدفها الفكاهة، هي: الكوفية، الرحبية، الشيرازية، وغيره.[٢]
في ضوء ما سبق، يُحاول التهكم استعراض الحماقة، ليجعل الناس يضحكون عليها، ويكون لها بعد اجتماعي ونفسي، ويتسم بالاستطراد والمجاز، وذلك بهدف إيراد معنى مضاد على غير وجه الشبه، وتُستخدم أيضًا أساليب الاستعارة، فالتهكم يعني بالأصل إخراج الكلام على غير مقتضى الحال بهدف الاستهزاء بالمخاطب.[٣]
ذُكر في المقامة الشيرازية: "حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: مرَرْتُ في تَطْوافي بشِيرازَ. علي نادٍ يستَوقِفُ المُجْتازَ. ولوْ كان على أوْفازٍ. فلمْ أستَطِعْ تعَدّيهِ. ولا خطَتْ قدَمي في تخَطّيهِ. فعُجْتُ إليْهِ لأسْبُكَ سِرَّ جوهَرِهِ. وأنظُرَ كيفَ ثمَرُهُ من زَهَرِهِ. فإذا أهْلُهُ أفْرادٌ. والعائِجُ إلَيْهِمْ مُفادٌ. وبينَما نحنُ في فُكاهَةٍ أطْرَبَ منَ الأغاريدِ. وأطيَبَ منْ حلَبِ العَناقيدِ. إذِ احتَفّ بِنا ذو طِمْرَينِ. قد كاد يُناهِزُالعُمْرَينِ. فحيّا بلِسانٍ طَليقٍ. وأبانَ إبانَةَ مِنطيقٍ...".[٤]
السخرية
إنّ السخرية هو أسلوب هزلي، له أساليب متعددة، والهدف منه النقد اللاذع، فمثلًا كتبَ الهمذاني مقامات في وقت كان يتعرض المجتمع الذي يعيش فيه لظروف سيئة في مجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، حيث كتب مقاماته بأسلوب ساخر وفكاهي، وكان هذا الأسلوب كنوع من مسكن الآلام لأفراد المجتمع.[٥]
في ضوء ما سبق، استخدم الهمذاني مفردات حاول بها خلق إصلاح للانهيارات التي كانت تحدث لمجتَمعه ولأفراد مجتمعه، فمزج الضحك والسخرية بالشعور بالحزن على مجتمعه في آن واحد، كما انتقد الهمذاني سلوك الكدية والاحتيال بطريقة ساخرة، وذلك عبر سخريته من سذاجة الرجل "أبو عبيد" حينما استطاع "عيسى بن هشام" الاحتيال عليه بكل سهولة ووضعه بموقف محرج.[٥]
ذُكر في المقامة البغدادية: "اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ؟....".[٦]
المراجع
- ↑ الدکتورة مهين حاجي زاده، المقامة في الأدب العربي و الآداب العالمية، صفحة 18-25. بتصرّف.
- ↑ أحمد سليم الزول، مظاهر القصدية الكتابية في مقامات الحريري، صفحة 248-249. بتصرّف.
- ↑ أحمد حمد محسن، موسوعة أساليب المجاز في القرآن الكريم، صفحة 635. بتصرّف.
- ↑ الحريري ، كتاب مقامات الحريري، صفحة 369.
- ^ أ ب راضية لرقم، الأنساق المضمرة للسخریة ودلالاتھا في مقامات بدیع الزمان الھمذاني، صفحة 484-488. بتصرّف.
- ↑ بديع الزمان الهمذاني، كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني، صفحة 66.