أسباب الرزق الكثير

كتابة:
أسباب الرزق الكثير

الرّزق

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وتكفّل برزقه، وجعل الرّزق وهو مطلب النّاس جميعهم من الأمور الغيبيّة التي لا يعلمها إلّا هو سُبحانه وتعالى؛ ليسعى الإنسان في طلب رزقه كما أمره الله تعالى، وجعل النّاس مُتفاوِتين في الرّزق؛ فمنهم الغنيّ ومنهم الفقير، ومنهم السّليم ومنهم السّقيم، حيث إنّ الرّزق ليس هو المال فقط، فالصّحة، والعلم، والحكمة، والزّوجة الصّالحة، والأولاد، كلّها رزقٌ من الله تعالى.


وقد وسّع الله -سبحانه وتعالى- على النّاس في طرُق الكسب الحلال، ومن أوجه الكسب الحلال: التّجارة، والزّراعة، والصّناعة، وغيرها، ولكنّ الكثير من النّاس يلجؤون إلى طرق الكسب المُحرَّمة؛ من سرقةٍ، ورباً، وغشٍّ، وأكل أموال النّاس بالباطل، والسّبب في ذلك هو البُعد عن تعاليم الدّين، وعدم الوعي بأنَّ المالك الحقيقيّ للمال هو الله، وأنّ الإنسان مُستخلَفٌ فيه.


تعريف الرّزق

الرّزق لُغةً

يُقَالُ في تعريف الرّزق لُغةً: (رَزَقَ الخَلقَ رَزْقاً ورِزْقاً، فالرَّزق بِفَتْحِ الرَّاءِ، هُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ، والرِّزْقُ الاسْمُ؛ وَيَجُوزُ أَن يُوضَعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. ورزَقَهُ اللَّهُ يرزُقه رِزقاً حَسَنًا: نعَشَهُ. والرَّزْقُ، عَلَى لَفْظِ الْمَصْدَرِ: مَا رَزقه إِيّاه، وَالْجَمْعُ أَرْزاقٌ).[١]


الرّزق اصطِلاحاً

الرّزق اصطلاحاً هو كلّ مالٍ يُنتفَع به ماديّاً أو معنويّاً، ومن الأمثلة على الرّزق الماديّ: الذّهب، والفضّة، والحيوان، والزّروع والثّمار، والعقار، وغير ذلك، أمّا الرّزق المعنويّ فمثل: المعارف، والعلوم، والمنزلة، والجاه، والسُّلطان، والعقل، والذّكاء، وحُسْن الخُلُق، وغير ذلك، وسواءً أكانت هذه المنفعة في الدُّنيا أم في الآخرة فإنّه يُنال بها رضوان الله وثوابه، والفوز في الجنّة.[٢]


مشروعيّة طلب الرّزق

إنّ طلب الرّزق مشروعٌ، وقد استُدِلّ على مشروعيّته بالعديد من الأدلّة، ومنها:

  • القرآن الكريم: لقولة تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)،[٣] وقولة تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور).[٤]
  • السُّنة النبويّة الشّريفة: عَنْ أَنَس بْنِ مَالِك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).[٥]
  • الإِجماع: هناك إجماع على مشروعيّة طاب الرّزق؛ فالعَديدُ من الآياتِ القُرآنيّة والأحاديث النبويّة الشّريفة تدعو إلى العَمَلِ، بالإضافة إلى ما ثبتَ مِن عَمَلِ الأنبياءِ.[٦]


أسباب زيادة الرّزق

أخبر الله -سبحانه وتعالى- أنّ طاعته سبب في جلب الرّزق وتوسِعته، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:[٧]

  • التّقوى: هي الامتثال لأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه، لقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون)؛[٨] أي لو أنّ أهل القُرى تركوا ما نهاهم الله عنه وحرّمه، واتّبعوا رضوانه، لفُتِحت عليهم بركات السّماء وهي المطر، وبركات الأرض وهي النّبات والثّمار والأنعام، ولأمّنهم في ديارهم، ولكنّهم كذّبوا وجَحدوا فأخذهم الله بالقحط والجفاف بما كسبت أيديهم.[٩]
  • الاستغفار والتّوبة الصّادقة إلى الله: وذلك لقوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،[١٠] ويكون الاستغفار بالتضرُّع إلى الله وسؤاله المغفرة، مع النيّة الصّادقة في ذلك.
  • الشُّكر على النِّعم: لقوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)،[١١] والشُّكر هو الاعتراف بنعم الله الكثيرة، وتعظيمه، وتدريب النّفس على الشّكر الدّائم في السرّاء والضرّاء، وفي هذه الآية وعدٌ من الله عزّ وجلّ بزيادة النِّعم للشّاكرين، وهذه النّعم إمّا أن تكون روحانيّةً أو جسمانيّةً.[١٢]
  • الزّواج: لقوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم)،[١٣] وقيل: الغِنى القناعة، وقيل: اجتماع رزق الزّوجين، فغالباً ما يُنفق غير المُتزوّج أمواله ويصرفها دون رُشد، وعندما يتزوّج يُبارك الله له في أمواله، ويرزقه رُشداً وحكمةً في صرفه لأمواله.[١٤]
  • صِلة الرَّحم: عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)،[١٥] ومعنى زيادة العمر وبسط الرّزق هنا أنّ الله عزّ وجلّ يُبارك في عمر الإنسان ورزقه، ويزيدهما.[١٦]
  • الإنفاق في سبيل الله: وذلك لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين)، [١٧] حيث يُبيّن الله -تبارك وتعالى- أنّ الإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته لا يُنقص المال، بل يزيده ويُضاعفه أضعافاً كثيرةً.
  • الدُّعاء، وتعلُّق القلب بالله: عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ)،[١٨] فيجب طلب الرّزق من الله بالدّعاء بالهداية إلى الصّراط المستقيم، وإصلاح القلب، والاستِزادة من العِلم والمعرفة، ودعاء الله بالرّزق الحلال من طعامٍ ولباسٍ ومسكنٍ.[١٩]


كيفيّة زيادة الرّزق

قد يتساءَل البعض: كيف يزيد رزق الإنسان مع أنّ الرّزق مُقدَّرٌ لا يزيد ولا ينقص، فالأجل محدود، والرّزق مكتوب؟ إلّا أنّ الإمام النّوويّ -رحمه الله- أجاب العلماء بعدّة أجوبةٍ، منها:[٢٠]

  • تكون هذه الزّيادة بالبركة في العمر، والتّوفيق إلى أداء الطاعات، واستِثمار الوقت وصيانته من الضّياع بما ينفع الآخرة.
  • أظهر الله -عزّ وجلّ- للملائكة في اللّوح المحفوظ أنّ عمر الإنسان ستّون عاماً إلّا إن وصل رحمه، فإن وصَلَهم زِيد له في عمره، والله -سبحانه- يعلم ما سيقع له من ذلك.
  • يُعدّ بقاء ذِكر الإنسان الجميل وسيرته الحَسَنة بين النّاس إحياءً له؛ وكأنّه لم يمُت.


المراجع

  1. محمد بن منظور، لسان العرب (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار المعارف، صفحة: 1636.
  2. عبد الكريم زيدان (1993)، السُّنَن الإلهيّة في الأمم والجماعات والأفراد (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسّسة الرّسالة، صفحة: 264.
  3. سورة الجمعة، آية: 10.
  4. سورة الملك، آية: 15.
  5. رواه محمد بن أبي يعقوب الكرماني، في صحيح البخاريّ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 56/3.
  6. "مشروعية العمل"، مجلّة البحوث الإسلاميّة، (1421-1422)هـ، العدد: 62، صفحة: 137.
  7. أسماء حموده (2010)، سُنّة الله في تقدير الأرزاق دراسة قرآنيّة (الطبعة الأولى)، فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة: 140.
  8. سورة الأعراف، آية: 96.
  9. محمد الرّازي (1420هـ)، التفسير الكبير (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربيّ، صفحة: 322، جزء: 14.
  10. سورة نوح، آية: 10-12.
  11. سورة إبراهيم، آية: 7.
  12. محمد الرّازي (1420 هـ)، التفسير الكبير (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة: 67، جزء: 19.
  13. سورة النور، آية: 32.
  14. أنور النبراوي (1435هـ)، 30 باباً لجلب الرزق، الرّياض: دار الحقيقة الكونية للنشر والتوزيع، صفحة: 52.
  15. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة: 1982، جزء: 4. بتصرّف.
  16. عبد الرحمن العايد، "صلة الرحم"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2017. بتصرّف.
  17. سورة سبأ، آية: 39.
  18. رواه عبد الله بن عبد الرّحمن بن بهرام الدّارمي، في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ، الصفحة أو الرقم: 4/1994.
  19. أنور النبراوي (1435 هــ)، 30 باباً لجلب الرزق، الرياض: دار الحقيقة الكونية للنشر والتوزيع، صفحة: 50. بتصرّف.
  20. محيي الدين يوسف (1429 هـ)، آداب وأحكام من أحاديث صلة الرّحم (الطبعة الأولى)، دبي: دائرة الشؤون الإسلاميّة والعمل الخيري بدبي إدارة البحوث، صفحة: 45.
5741 مشاهدة
للأعلى للسفل
×