أسطورة طائر العنقاء

كتابة:
أسطورة طائر العنقاء

أصل تسمية طائر العنقاء

إنّ رمز العنقاء أي: طائر العنقاء يعود لطائر خرافي ذكره القدماء في أساطيرهم، وقالوا إنّه يعمّر خمسة قرون ويقوم بحرق نفسه ليعود منبعثًا من جديد من رماده[١]،

وورد ذكر العنقاء في الأساطير العربية القديمة مثل قصص ألف ليلة وليلة، ولا سيما في قصص مغامرات السندباد البحري، فجاءت رمزًا للمستحيل اجتيازه والكائن الذي يصعب قتله.[٢]


أمّا عن أصل تسمية العنقاء في اللغة فقد يرجع أصلها إلى عَنقَاءُ: مؤنث، جمع عُنقٌ، تلَّة عنقاء: مرتفعة طويلة، العنقاء: طائر وهمي ليس له وجود إلا في خيال الإنسان، وقيل: أيقنت أنّ المستحيل ثلاثةٌ: الغولُ والعنقاءُ والخلّ الوفيّ[٣]، وجاء في لسان العرب: سميت بالعنقاء؛ لأنه يوجد بياضٌ كالطوق في عنقها.[٤]


حلَّقت بهِ عَنقاءُ مُغرِبٌ: وهو مثل يضرب لما يئس منه، والعنقاء طائر معروف الاسم مجهول الجسم، أمّا ابن الكلبيّ يتحدث عن طير كانت تحط بأرض نبيّ من أهل الرس يقال له: حنظلة بن صفوان كان لها عنق طويل، وهي من أحسن الطير، فيها الكثير من الألوان، كانت تقع منتصبة، تنقضّ على الطير فتأكله، وقيل إنّها انقضّت على إحدى الجواري فضمّتها إلى جناحيها ثم طارت بها.[٥]


تناول الخليل بن أحمد الفراهيدي مفردة العنقاء في كتابه "العين" فقال: وهي طائر لم يبق في أيدي الناس من صفتها غير اسمها، وقال الفراهيدي: والعنقاء: الداهية وهي أيضًا اسم ملك، كما يُقال: اعتنقت الدابّة إذا وقعت في الوحل فأخرجت أعناقها، وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: سُمّيت عنقاء لأنّه كان في عنقها بياض كالطّوق، ويقال: لطول في عنقها.[٦]


قد تناقل العرب الحديث عن العنقاء بين مكذّب لوجودها ومؤمن به، كما ذكرتها العرب في أشعارها وحكمها وأمثالها فقالوا: "جاء فلان بعنقاء مغرب" يريدون أنّه جاء بالعجب العجاب، أو بالأمر النادر وقوعه، و"حلقت به عنقاء مغرب".[٦]


أسطورة طائر العنقاء في الروايات التاريخية

تعدّدت الروايات حول طائر العنقاء كما هو الحال في جميع الأساطير التي هي من وحي الخيال، فنجد العديد من الحكايات حول موضوع ولادة العنقاء وانبعاثها مرّة ثانية.


أسطورة طائر العنقاء عند هيرودوت

بعد أن زار هيرودوت مصر وشاهد صور هذا الطائر كان مقتنعًا بأن طائر العنقاء أو طائر الفينيق حقيقيًا وليس أسطوريًا؛ لأنه روى قصته خلال حديثه عن طيور القطر المصري، وكتب هيرودوت في القرن الثالث قبل الميلاد أن هناك طائرًا آخر يُدعى فونكس لم يره إلّا مصوّرًا يزور البلاد كل خمسمائة عام عند موت أبيه -على حد قول أهل هليوبوليس-، بعض ريش جناحيه ذهبي وبعضه أحمر وهو يشبه النسر في حجمه وهيئته، أمّا طريقة موت الفونكس فلم يذكرها هيرودوت، وبعض الروايات تذكر أنّ هذا الطائر إذا شعر بقرب موته يجمع الأعشاب ويشعل النار فيها ويجلس فوقها ليحترق معها.[٧]


وبعد أن يحترق يُخلق من الرماد طائر صغير يكبر هذا الطائر ويجمع رفات والده، لتصبح بيضة كبيرة يحملها بين مخلبيه ويطير بها إلى مصر إلى معبد الشمس ويتركها هناك ليقوم الكهنة بأداء الطقوس والشعائر المطلوبة، وفي روايات أخرى يطير هذا الطائر العجوز إلى مصر حيث يموت وتنبعث جثة هذا الطائر الصغير الذي يعيد جمع رفات الطائر الأب والده ليرجع حيث كان، يعد طائر العنقاء على مر العصور المصرية رمزًا للتجديد والشباب، وهذا ما رواه العديد الكتّاب مثل هيرودوت وغيره.[٧]


كتب هيرودوت: "هناك بعيدًا في بلاد الشرق السعيد البعيد تفتح بوابة السماء الضخمة وتسكب الشمس نورها من خلالها، وتوجد خلف البوابة شجرة دائمة الخضرة، مكان كله جمال لا تسكنه أمراض ولا شيخوخة ولا موت، وفي هذا البستان يسكن طائر واحد فقط، العنقاء ذو المنقار الطويل المستقيم، والرأس التي تزينها ريشتان ممتدتان إلى الخلف، وعندما تستيقظ العنقاء تبدأ في ترديد أغنية بصوت رائع.[٧]


وبعد ألف عام، أرادت العنقاء أن تولد ثانية، فتركت موطنها وسعت صوب هذا العالم واتجهت إلى فينيقيا واختارت نخلة شاهقة العلو لها قمة تصل إلى السماء، وبنت لها عشًا، بعد ذلك تموت في النار، ومن رمادها يخرج مخلوق جديد، دودة لها لون كاللبن تتحول إلى شرنقة، وتخرج من هذه الشرنقة عنقاء جديدة تطير عائدة إلى موطنها الأصلي، وتحمل كل بقايا جسدها القديم إلى مذبح الشمس في هليوبوليس بمصر".[٧]


أسطورة طائر العنقاء في الثقافة الفرعونية

يختلف اسم هذا الطائر الأسطوري في المصرية القديمة عن اسمه المعروف بالعربية "العنقاء" فكان يطلق عليه اسم "بنو"، وهو مشتق من فعل أجنبي بمعنى أشرق أو برق أو لمع، كما اشتقت كلمة فونكس من اللفظ المصري "بنو" وهي تعني زاهية متلألئة، والاسم الإغريقي يكاد يحمل معنى الاسم المصري، كان لهذا الطائر قداسة وشهرة واسعة في "هليوبوليس" وكان يُعد صورة لمعبود الشمس رع، فهو يظهر في الصباح في بهاء مضيء كما أنه هو الذي خلق نفسه في وسط المحيط الأزلي، ظهر طائر العنقاء أو كما سميّ عند المصريين القدماء "بنو" على جدران المعابد والمقابر وعلى أركان التوابيت.[٨]


كان هذا الطائر يكتب أو يرسم كطائر صغير في نصوص الأهرام، أما في نصوص التوابيت فقد ظهر هذا الطائر بشكل أكبر وأوضح وكان يمثل كطائر مالك الحزين، تروي بعض الأساطير أنّ لون ريش هذا الطائر كان ذهبيًا أو مائلًا إلى الأرجواني، وكان يظهر أحيانًا على شكل إنسان برأس طائر، أيضًا هذا الطائر لم يكن فقط تمثيلًا لإله الشمس، وإنما كان هو نفسه معبودًا يُعبد، والنصوص المصرية القديمة لا تتفق مع بعضها البعض حول ماهية هذا الطائر.[٨]


شغلت أسطورة العنقاء بعد المصريين القدماء خيال الكثير من شعوب العالم، ومن النادر أن نجد موضوعًا خياليًا تتناوله شعوب وحضارات مختلفة تفصل بينها عصور وأزمنة، وينسب الفضل إلى الإغريق في نقل الأسطورة المصرية إلى العالم الغربي، وكما بالغ الإغريق في هذه المعتقدات وأضفوا عليها ما يتناسب مع مخيلتهم، واعتقدوا كما اعتقد المصريون قبلهم أنّ عودته تنبئ بأحداث مهمّة، وكان المصريون القدماء يقدمون هذا الطائر "العنقاء" قربانًا إلى الإله رع، إله الشمس في الحضارة المصرية القديمة، كما كان بالنسبة لهم رمز على البعث والخلود بعد الموت.[٨]


أسطورة طائر العنقاء في الثقافة الصينية

يعدّ الصينيّون طائر العنقاء رمزًا من رموز الخير والبركة، كما أنّه جالِبًا للحظ السعيد، وعلى الرغم من أنّه طائر أسطوري وخيالي إلّا أنّهم يتّخذونه كوسيلة ورمز للحماية من الشر، وذكره الكثير من الشعراء والكتّاب في قصصهم ورواياتهم، وتُعدّ العنقاء إلى جانب التنين ووحيد القرن الصيني والسلحفاة من الرموز المباركة، كما أنّ العنقاء في الحضارة الصينية تعد رمزًا من رموز الفضيلة والقوة، وقالوا إنّه لم يأكل إلّا قطرات الندى، وألوان أجنحة العنقاء عن الصينيين هي: الأسود والأبيض والأحمر والأخضر والأصفر وهي تُمثّل الفضائل الخمس، فهي تدلّ عندهم على الأخلاق الفاضلة.[٩]


جاء وصف صورة وشكل العنقاء في كتبهم بأنّ لها رأس ديك وعنق أفعى وفم عصفور وظهر سلحفاة وذيل سمكة، ويبلغ طولها حوالي المترين، وبعضهم من يقوم بتزيين منازلهم بصورة العنقاء، كما لقبوا الفيلسوف الكبير كونفوشيوس بالعنقاء، فهي في رأيهم تُمثّل الفضائل الكونفوشيوسية والتي هي الإخلاص والصدق والآداب والعدالة، ومن الكتّاب الصينيين من قال إنّ أصل العنقاء هو الشرق.[٩]


طائر العنقاء في الشعر العربي

إنّ العنقاء في الشعر العربي يعد أسطورة من أبرز الأساطير التي ذكرت في أشعار العرب منذ العصر الجاهلي وحتى الشعر الحديث والمعاصر، فمن سجع الكهان في الجاهلية إلى ألف ليلة وليلة في العصر العباسي -ولا سيما في قصص السندباد البحري- لتكون رمزًا للمستحيل والخيال الخصب في الأدب عامة وفي الأدب الأسطوري خاصة.[١٠]


نالت اهتمام الشعراء فذكرت في العديد من الأبيات -ولا سيما في أبيات محمود درويش- فقد كان انبعاث رمز العنقاء الأسطوري في شعره متصلًا مباشرة بمسار القضية الفلسطينية، وبمسيرته الشعرية أيضًا، فالظهور العارم لمفهوم الرمز في الأدب والذي كان بعد أن خرج من بيروت وتحطم الحلم لديه[١٠]، كان رمز العنقاء قبل 1982م قد ظهر بصورة مباشرة مرة واحدة في ديوانه "أحبك، أو لا أحبك" في قصيدته "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا"، يقول محمود درويش:[١٠]

كل يومٍ نموت، وتحترق الخطوات، وتولد عنقاء
ناقصًة ثم نحيا لنقتل ثانيًة.


  • يقول ابن مكنسة في وفيات الأعيان:[١١]

وإذا السَّعادةُ لاحظَتكَ عُيونُها

نَمْ فالمَخاوِفُ كُلّهنّ أمانُ

واصْطَدْ بَها العنقاءَ فَهِيَ حَبالةٌ

واقتدِ بِهَا الجوزاءَ فهيَ عنانُ.

أرَى العَنقاءَ تَكبُرُ أنْ تُصَادا

فعَانِدْ مَنْ تَطِيقُ لهُ عِنَادَا
  • ومن أبيات الشعر العربي أيضًا في العنقاء قول الشاعر:[١٢]

الجُودُ والغُولُ والعنقاءُ ثالثةٌ

أسماءُ أشياءٍ لمْ توجدْ ولمْ تكنْ.
  • ومن ذلك ما جاء في في "مصرع العنقاء" للشاعر محمود درويش:[١٣]
وفي النار التي نوقدها
عنقاءُ خضراءُ
وفي مرثية العنقاء لم أعرف
رمادي من غبارك.
  • يقول الشنفرى:[١٤]

وَمَرقَبَةٍ عَنقاءَ يَقصُرُ دونَها أَخو

الضِروَةِ الرِجلُ الحَفِيُّ المُخَفَّفُ
  • يقول المكزون السنجاري:[١٥]

أصبَحتُ مِن عَنقاءَ مَغرِبَ أَعجَبا

مَن عاجَ بي يَزدادُ فِيَّ تَعَجُّبا
  • يقول محي الدين بن العربي:[١٦]

أنا عنقاءُ الوجودِ المشترك

قدّستْ ذاتي عن حبسِ الشّرك


المراجع

  1. أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، صفحة 1564.
  2. مجهول، ألف ليلة وليلة، صفحة 111، جزء 3. بتصرّف.
  3. عبد الغني أبو العزم، المعجم الغني، صفحة 280.
  4. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 276، جزء 10.
  5. كمال الخلايلي، معجم الأمثال والحكم، صفحة 1060.
  6. ^ أ ب للفراهيدي، معجم العين، صفحة 168.
  7. ^ أ ب ت ث صدقة موسى علي، دراسات في آثار الوطن العربي، صفحة 569. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت صدقة موسى علي، دراسات في آثار الوطن العربي، صفحة 5. بتصرّف.
  9. ^ أ ب بلال عرابي، علم التراث وتاريخه، صفحة 56_57. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت خالد عبد الرؤوف الجبر، اتحاد الجامعات العربية للآداب، صفحة 1137، جزء 9.
  11. ابن مكنسة إسماعيل بن محمد بن الحسين القرشي الإسكندري، وفيات الأعيان، صفحة 161، جزء 3.
  12. ^ أ ب الدميري، حياة الحيوان، صفحة 252، جزء 3.
  13. "مصرع العنقاء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/4/2021.
  14. "ومرقبة عنقاء يقصر دونها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/4/2021.
  15. "أصبحت من عنقاء مغرب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/4/2021.
  16. "أنا عنقاء الوجود المشترك"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/4/2021.
12353 مشاهدة
للأعلى للسفل
×