أسلوب العلاج الوجودي

كتابة:
أسلوب العلاج الوجودي

أساليب العلاج

إنّ العلاج النفسي هو استخدام التقنيات النفسية للعلاج، ولا سيّما عندما تقوم على التفاعل الشخصيّ المنتظم، لمساعدة الشخص علىتغيير السلوك والتغلب على المشاكل بالطّرق المطلوبة، ومن أهداف العلاج النفسي تحسين الصحة النفسية للفرد، وإلى زيادة أو تخفيف السلوكيّات والمُعتقدات والدّوافع، والأفكار، أو الانفعالات، وتحسين العلاقات والمهارات الاجتماعيّة، وهناك أيضًا مجموعة من العلاجات النفسيّة المصمّمة للأطفال والمراهقين، والتي تتضمن عادةً اللعب، مثل اللعب الرمليّ، وتعدّ بعض العلاجات النفسية علاجاتٍ خاصّة، إذ إنّها قائمة على الأدلّة الموجودة لعلاج بعض الاضطرابات النفسية المشخّصة، وقد يستخدم بعض المُعالجين أساليب خادعة وغير علميّة، هناك أكثر من ألف تقنية علاج نفسي مختلفة، ويعتمد المعالجون على مفاهيم مختلفة جدًا في علم النفس، وكذلك معايير مختلفة من الأخلاقيّات وأنواع مختلفة من التقنيات، ومعظمها يشمل جلسات فردية، بين الفرد والمعالج، ويتم في بعض الأحيان إجراء العلاجات داخل مجموعات أو عائلات. [١]

أسلوب العلاج الوجودي

إنّ أسلوب العلاج الوجودي هو أسلوب علاج نفسي يركّز على حالة الإنسان بشكلٍ عامّ، ويستخدم العلاج النفسي الوجودي منهجًا إيجابيًّا يشدد على القدرات والتطلّعات البشرية، مع الاعتراف في الوقت نفسه بالقيود البشريّة، وللعلاج النفسي الوجودي تشابهاتٌ عديدة مع العلاج النفسي الإنساني، والعلاج النفسي التجريبي، والعلاج النفسي الانفعالي، وقد تم تطوير العديد من أساليب العلاج الوجودي عبر العديد من نظريّات الفلسفة.[٢]

قد يكون تطوير العلاج الوجودي قائمًا على فلسفات فريدريك نيتشه، وسورين كيركيغارد؛ كونهم من الفلاسفة الوجوديين الأوائل، إذ افترض كيركيغراد أن السخط البشري لا يمكن التغلّب عليه إلا من خلال الحكمة الداخلية، وفي وقت لاحق، طور نيتشه نظريته الوجودية باستخدام مفاهيم مثل إرادة السلطة والمسؤولية الشخصية، وفي أوائل القرن العشرين، بدأ الفلاسفة -مثل مارتن هايدغر وجان بول سارتر- باستكشافِ دَوْر التحقيق والتفسير في عملية الشفاء، وعلى مدى العقود التالية، بدأ الفلاسفة المعاصرون الآخرون في الاعتراف بأهميّة التجربة فيما يتعلّق بالفَهم، كطريقة لتحقيق العافية والتوازن النفسيّ، وكان أوتو رانك من بين أول المعالجين الوجوديّين الذين تابعوا الانضباط بنشاط.[٢]

ويعتمد العلاج النفسي الوجودي على الاعتقاد الأساسي بأن كل الناس يعانون من صراع داخل النفس بسبب تفاعلهم مع ظروف معيّنة متأصلة في الوجود البشري، والتي تُعرف باسم المعطيات، وتعترف النظريات بما لا يقل عن أربعة معطيات وجودية أساسية، وهي الحرية والمسؤولية المرتبطة بها، والموت، والعزلة، والأحداث التي بلا معنى، وتعدّ المواجهة مع أيٍّ من المُعطيات المذكورة أعلاه، أو الشروط، عاملًا يملأ الفرد بنوع من الرهبة، والتي عبر عنها الفيلسوف سارتر باسم القلق الوجودي، ويُعتقَد أن هذا القلق يقلل من الوعي الجسدي والنفسي والاجتماعي للشخص، مما قد يؤدي إلى عواقب كبيرة على المدى الطويل.[٣]

نشأة العلاج الوجودي

تمتدّ جذور أسلوب العلاج الوجودي في الفلسفة إلى القرن التاسع عشر، وإلى مجموعة من الفلاسفة الذين شمل عملهم التعامل مع الوجود البشري، ومن الفلاسفة الأكثر ارتباطًا بالعلاج الوجودي سورين كيركجارد وفريدريك نيتشه، فبينما كان المفكّران المؤثّران في صراع بشأن إيديولوجيات عصرهما، وكانا ملتزمين باستكشاف الواقع وكيف تم تجربته، افترض كيركجارد أن السخط البشري لا يمكن التغلب عليه إلا من خلال الحكمة الداخلية، بينما قدم نيتشه فكرة الإرادة الحرة والمسؤولية الشخصية، وبحلول عام 1900، بدأ الفلاسفة مثل سارتر وهايدجر استكشاف دور التفسير والتحقيق في عملية العلاج الوجودي، وعلى مدى العقود القليلة المقبلة، بدأ المعاصرون الآخرون في الاعتراف بأهمية التجربة من حيث تحقيق أهداف واضحة في أسلوب العلاج الوجودي.[٤]

وبحلول منتصف القرن العشرين، أدخل علماء النفس بول تيليش ورولو ماي، العلاج الوجودي في التيار الرّئيس للعلاجات النفسية من خلال كتاباتهم وتعاليمهم، كذلك فعل إرفين يالوم بعدهم، وبدأ هذا المنهج بالتأثير على نظريّات أخرى، بما في ذلك نظريات العلاج المنطقي، الذي طوره فيكتور فرانكل عالم النفس الإنسانيّ، في الوقت نفسه، وسّع الفلاسفة البريطانيون العلاج الوجودي بشكل أكبر مع تأسيس جمعية فيلادلفيا، وهي منظمة مكرسة لمساعدة الناس على إدارة مشاكلهم النفسية باستعمال العلاجات التجريبية، وتشمل المؤسسات الأخرى التي تجسد نظرية الوجودية جمعية التحليل الوجودي، التي تأسّست في عام 1988، والمجتمع الدولي للمستشارين الوجوديين، الذي تم إنشاؤه في عام 2006.[٥]

أهداف العلاج الوجودي

يعدّ أسلوب العلاج الوجودي، طريقة سهلة للإجابة عن مجموعة من الأسئلة الوجودية، لذلك فالعلاج الوجودي هو أكثر طريقة تفكير محدد مقارنة مع التقنيات المحددة الاخرى، إنه منهج فلسفي للعلاج، يفترض أن الأفراد أحرار في الاختيار ومسؤولون عن خياراتهم، ويطرح أسلوب العلاج الوجودي أسئلة مثل: لماذا أنا هنا؟ ما هو هدفي؟ ومن أنا؟ ويتعامل العلاج الوجودي عادةً مع الأشخاص ما يسمونهم المعالجون بالأفراد المقيّدين، وهذا يعني أن لديهم وعيًا محدودًا بأنفسهم وبطبيعة مشاكلهم، وغالبًا ما يرون خيارات قليلة متاحة لهم، والهدف من العلاج الوجودي هو فَهم العالم الذاتي للفرد ومساعدة الفرد على التوصل إلى تفاهمات وخيارات جديدة، ومن أجل القيام بذلك، يجب على المعالِج أن يدرك تمامًا مشاعر الأفراد وأفعالهم في أثناء فترات العلاج، وأن يواجه قلقهم، وأن يقيم علاقة حقيقية معهم ومع العالم مِن حولَهم.[٤]

وهناك العديد من نقاط القوّة لهذا المنهج، أولاً، يمكن تطبيقه على مجموعة متنوعة من الأفراد، مثل: العلاج الفردي، والعلاج الجماعي، وعلاج الأسرة أو الأزواج، وحتى تطبيقات التواصل مع المجتمع، وهناك نقطة قوة أخرى هي الجودة الشخصية للعلاقة العلاجية، إذ يعد المعالج هو المحور الرئيس للعلاج، ويتم منحه حرية التصرف والاختيار والمسؤولية في مراقبة الأفراد. لكن وبالرغم من ذلك، يتم انتقاد العلاج الوجودي لافتقاره إلى منهج منظم ومحدّد، كذلك يتم انتقاده لأنه يجب أن يتم تطبيق الفلسفة الذاتية من قبل معالج ناضج وخبير ومدرب جيدًا، كما أدى عدم وجود منهج منظم إلى صعوبة دراسة وقياس فعالية العلاج الوجودي.[٥]

آلية العلاج الوجودي

يعدّ أسلوب العلاج الوجودي، غير مناسب لكل فرد أو لكل موقف، مثل جميع أشكال العلاج الأخرى، وهناك ظروف يكون فيها هذا العلاج أكثر فعالية، وهناك ظروف أخرى يُنصح فيها بنوع آخر من العلاج، ويعد العلاج الوجودي هو طريقة ممتازة لعلاج الاضطرابات النفسية والانفعالية أو الاختلالات التي تنبع القلق الأساسي للحياة الشخصية، وقلق الحرية والمسؤولية، وقلق الموت، والعزلة، ويمكن أن يشمل ذلك الاكتئاب و بعض انواع الفوبيا، وتعاطي المخدرات والإدمان، واضطراب ما بعد الصدمة.[٦]

ويكون هذا العلاج ملائمًا بشكل خاصّ بالنسبة للأشخاص المنفتحين والمستعدّين لاستكشاف المواقف الأسوأ في حياتهم، وكذلك لأولئك الذين يبحثون ويكافحون للعثور على معنى الحياة، ونظرًا الطبيعة الوجودية لهذا العلاج، فمن المرجح أن يساعد العلاج الوجودي الأفراد على إحداث تغيير دائم في وجهات نظرهم، بدلًا من تشجيع الجهد قصير المدى الذي قد يفقد الفرد الدافع للاستمرار به بمجرد انتهاء الجلسات، لكن وبالرغم من ذلك فإن تركيز العلاج الوجودي على المخاوف الرّئيسة للحياة البشريّة قد تؤدّي إلى مخاوف أكثر أو جهل بالمشاكل الأساسية التي يواجهها العميل، وكل ما هو جيّد لمساعدة الفرد على التغلب على خوفه من المصاعب التي يواجهها.[٧]

وقد يكون هذا النوع من العلاج ضارًا أيضًا لأولئك الذين لا يرغبون في الخوض في الأعماق الوجوديّة، وخاصة أولئك الذين يتجنّبون عن عمدٍ مواجهة هذه الأفكار، وبالرغم من أن من مصلحة كل فرد أن يتصالح مع هذه الحتميات، فليس كل فرد مستعدًّا لتبني الأفكار الوجودية في أي لحظة، بالنسبة لبعض الأفراد، قد يؤدي دفعهم إلى تقبُّل الموت والعزلة وعدم المعنى إلى عواقب غير مقصودة، بما في ذلك الاكتئاب العميق أو الأفكار الانتحارية أو حتى السلوكيات الانتحارية, وبالمثل، لذلك فإنّ الشخص الذي يبحث فقط عن حل سريع لتحدياته الحالية قد لا يكون مستعدًا أو راغبًا في الغوص في مثل هذا الشكل أو البحث عن أسلوب العلاج الوجودي.[٨]

تأثير العلاج الوجودي

أسلوب العلاج الوجودي، مثل الأشكال الأخرى للعلاج النفسي، يساعد في تخفيف القلق والخجل والذنب والانفعالات الصعبة الأخرى من خلال التقييم الذاتي الصادق، وفي الوقت نفسه، يواجه هذا المنهج بصراحة الحقائق الحياتية مثل: الموت، واللامعنى، والخسارة والمعاناة، ويعمل على تعزيز التجارب والعلاقات والعواطف الإيجابية، وبشكل أكثر تحديدًا، يشجع العلاج الوجودي المرضى على تقييم قيمهم ومعتقداتهم ووضعهم، والاعتراف بالقيود والامكانيات في حياتهم، وإيجاد المعنى والهدف في حياتهم، وتطوير طرق أكثر فاعلية للتواصل.[٩]

ويمكن أن يكون العلاج الوجودي فعالاً للغاية للشباب والبالغين الذين يكافحون من أجل اتخاذ قرارات صحية للحياة، وقبول نتائج هذه الخيارات، وقد يشمل ذلك الأفراد الذين يعانون من الإدمان والقلق والاكتئاب ومجموعة واسعة من المشكلات النفسية والسلوكية، وكما هو الحال مع معظم أشكال العلاج الاخرى، يكون العلاج الوجودي مفيدًا للغاية للفرد الذي يرغب في المشاركة في التقييم الذاتي لأفعاله، اما الأفراد الذين يترددون في البحث عن المعنى، أو الذين يفضلون الحصول على راحة فورية من أعراض مشاكلهم، فقد لا يكونوا مناسبين للعلاج الوجودي.[١٠]

المراجع

  1. "Psychotherapy", en.wikipedia.org, Retrieved 2020-05-18.
  2. ^ أ ب "existential-psychotherapy", www.goodtherapy.org, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  3. "what is existential therapy", www.crchealth.com, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  4. ^ أ ب "existential-therapy-goals-techniques", study.com, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  5. ^ أ ب "existential-therapy", www.counselling-directory.org.uk, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  6. "Existential-Humanistic_Therapy", www.academia.edu, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  7. "COHHAT", philpapers.org, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  8. "Existential Psychotherapy", books.google.com, Retrieved 2020-05-18. Edited.
  9. Hoffman, Vallejos, Cleare-Hoffman (2015-05-03), "Emotion, relationship, and meaning as core existential practice, Evidence-based foundations", Journal of Contemporary Psychotherapy, Issue 45, Folder 1, Page 11. Edited.
  10. "Practising existential therapy", books.google.com, Retrieved 2020-05-18. Edited.
4338 مشاهدة
للأعلى للسفل
×