القرآن الكريم
إنّ القرآن الكريم هو التنزيل العزيز والذِّكر الحقّ والكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وله في اللغة عدّة تفسيرات منها أنّ القرآن الكريم هو اسم لم يُشتقّ من كلمة أخرى، كالتوراة والإنجيل، فهو اسم للكتاب العزيز الذي أنزله الله -تعالى- على آخر الأنبياء والرّسل محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم، ومنها أنّه من القرن؛ وهو جمع الشيء بعضه إلى بعض، وسُمّي بهذا الاسم لأنّه يجمع السور بعضها إلى بعض، وغير ذلك كثير من الأقوال في تفسير المصدر الذي جاء منه القرآن الكريم،[١] وأمّا اصطلاحًا فالتعريف الأشهر له هو: "كلامُ اللهِ –تعالى- المُنزَّل على نبيه مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، المُعْجِز بلفْظه ومعناه، المُتعبَّدُ بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أَوَّلِ سورة الفاتحة إلى آخِرِ سورة الناس"، وسيقف المقال فيما يأتي من فِقراته مع أسماء القرآن الكريم واشتقاقاتها من حيث اللغة.[٢]
أسماء القرآن الكريم واشتقاقها
لقد ورد في فضل القرآن الكريم وتلاوته ما لا يُعَد من الأحاديث والآيات الدالة على فضله، فمنها ما يدل على عظيم الأجر لمن يقرؤه ويتعلمه، ومنها أنّ الذين يتلونه تغشاهم الرحمة، وإلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على فضل القرآن الكريم، ومن ذلك قوله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي ترويه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ"،[٣] فهذا الحديث يدلّ على عِظَم تلاوة القرآن وتعلّمه وإن كان القارئ ليس ماهرًا فيه، وأيضًا من ذلك الحديث الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- ويقول فيه صلّى الله عليه وسلّم: "يَجيءُ القرآنُ يومَ القيامةِ فيَقولُ: يا ربِّ حلِّهِ، فَيلبسُ تاجَ الكَرامةِ، ثمَّ يقولُ: يا رَبِّ زِدهُ، فيلبسُ حلَّةَ الكرامةِ، ثمَّ يقولُ: يا ربِّ ارضَ عنهُ، فيقالُ لَهُ: اقرأْ وارْقَ، وتزادُ بِكُلِّ آيةٍ حسنةً"،[٤] وفي ذلك من الثناء العظيم والمنزلة الرفيعة ما لا ينبغي لغيره،[٥] وللقرآن الكريم أسماء كثيرة أوصلها بعض العلماء إلى ما يزيد على تسعين اسمًا،[٦] كانت مخالفة لما يعرفه العرب من أسماء تنزيهًا للكتاب العزيز وإعلاءً لشأنه،[٧] وستقف الفقرات التالية مع بعض الأسماء المشهورة عن القرآن الكريم من حيث المعنى والاشتقاق.
القرآن
إنّ أوّل اسم للقرآن الكريم هو اسمه المعروف به؛ أي: القرآن، ولقد ورد ذكر هذا الاسم -أي القرآن- في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها ما ورد في سورة الإسراء في قوله تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}،[٨] ومنها كذلك قوله تعالى في السورة نفسها: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}،[٩] وكذلك ما ورد في سورة الزخرف في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}،[١٠] ومن ذلك أيضًا ما جاء في سورة البقرة في قوله تعالى عندما تحدث على شهر رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}،[١١] وللعلماء في تفسير الاسم وجهة اشتقاقه قولان:[١٢]
- الأوّل ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وهو أنّه مُشتقّ من القراءة التي هي التلاوة إذا ما أُضيفت إلى القرآن، فالقرآن والقراءة -كما يرى ابن عباس رضي الله عنهما- شيءٌ واحد، ودليله ما جاء في سورة القيامة في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}؛[١٣] أي: فإذا تلوناه عليك اتّبع تلاوته، فالقرآن إذًا عند ابن عباس يعني التلاوة.
- والثاني ورد عن التابعي الجليل قتادة السدوسي ويرى فيه أنّ القرآن يعني الجمع، وهو مُشتقّ من القرأ وهو الجمع، فيقولون: قرأتُ الماء في الحوض أي جمعته، ويقول الإمام سفيان بن عيينة:" سمي القرآن قرآنًا لأنّ الحروف جُمعت فصارت كلمات، والكلمات جُمعت فصارت آيات، والآيات جُمعت فصارت سورًا، والسور جُمعت فصارت قرآنًا، ثم جُمع فيه علوم الأولين والآخرين"، والخلاصة أنّ الأقوال في القرآن أنّه مشتقّ من التلاوة أو من الجمع، والله أعلم.
الفرقان
وأمّا الاسم الثاني من أسماء القرآن الكريم فهو الفرقان، وقد ورد ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم في أكثر من سورة، منها قوله تعالى في سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}،[١٤] وأيضًا ورد في سورة البقرة في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}،[١٥] وقد اختلف العلماء في سبب تسمية القرآن الكريم بالفرقان، فذهب قسم من العلماء إلى أنّه قد سُمّي بالفرقان لأنّه نزل مُفرّقًا فيما يزيد على عشرين عامًا، ودليلهم قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}،[١٦] بينما نزلت الكتب السابقة للقرآن جملة واحدة، ووجوه الحكمة في نزل القرآن الكريم متفرّقًا مُنجّمًا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كثيرة، منها ما ذكره تعالى في سورة الفرقان في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}،[١٧] وقال آخرون من العلماء إنّه سُمّي فرقانًا لأنّه يفرّق بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، وبين المُجمل والمُبيّن، وبين المُحكم والمؤوّل، وقيل -وهو رأي عكرمة البربري وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي- إنّ الفرقان هو النجاة؛ فالخلق والبشر في الظلمات والضلالات ولم يجدوا النجاة إلّا بالقرآن الكريم وحده، وعلى هذا القول حمل بعض مفسري القرآن قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}،[١٨] والله أعلم.[١٢]
الكتاب
الاسم الثالث من أسماء القرآن الكريم التي ستتوقّف معها هذه الفقرة هو الكتاب، والكتاب قد ورد لفظه في القرآن الكريم في مواضع عدّة، وكلّ موضع له معنى مختلف عن الآخر، فمن معانيه التي جاء فيها في القرآن الكريم معنى الفرض، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}،[١٩] وأيضًا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،[٢٠] وقوله تعالى في سورة النساء: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}،[٢١] ومن معانيه كذلك البرهان، وجاء ذلك في قوله تعالى في سورة الصافات: {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}،[٢٢] والمقصود برهانكم، وكذلك من معانيه التي جاء فيها في القرآن الكريم معنى الأجل، وقد ورد ذلك في سورة الحجر في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ}،[٢٣] وأمّا المعنى الرابع فهو المكاتبة من السيّد إلى العبد أو المولى، وورد ذلك في قوله تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}،[٢٤] والكتاب هنا على وزن فِعال وهو بمعنى المفاعلة، كقولهم جدال وخصام بمعنى المجادلة والمخاصمة،[١٢] وأمّا سبب تسمية القرآن الكريم بالكتاب فقد ذهب بعض العلماء إلى أنّه من الجمع، فيقول الإمام الزركشي: "لأنه يجمع أنواعا من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة"، وكذلك قريب منه يقول الإمام السيوطي: "فأمَّا تسميته كتابا فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه والكتاب لغةً الجمع"،[٢٥] ويؤكّد هذا المعنى ما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}،[٢٦] ومن معانيه كذلك التنزيل، وهو مصدرٌ أُريد به المُنزَل، وذلك في قوله تعالى في سورة فُصّلت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}،[٢٧] والله أعلم.[٢٨]
الذكر
والاسم الأخير الذي تقف معه هذه الفقرة هو الذكر، وقد ورد لفظ الذكر في القرآن الكريم في مواضع عدّة، منها قوله تعالى في سورة الأنبياء: {وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}،[٢٩] وكذلك ما قاله تعالى في سورة الحجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}،[٣٠] وأيضًا من ذلك ما قاله تعالى في سورة الزخرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}،[٣١] وهذه أبرز مواضع ذكره في القرآن الكريم،[١٢] وأمّا عن معانيه التي ذهب إليها المفسّرون والعلماء فأحدها أنّه من الذكر الذي يعني التذكرة؛ وذلك لاشتماله على المواعظ والزواجر، وقيل بل لاشتماله على قصص الأنبياء والأمم السابقة، والثاني أنّه من الذكر الذي يعني الشرف، وعليه تُحمل الآية السابقة في سورة الزخرف، والله أعلم.[٢٨]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى قرآن في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "التعريف بالقرآن الكريم لغة واصطلاحا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:798، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2915، حديث حسن.
- ↑ "فضل القرآن وأهله"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "أشهر أسماء القرآن"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "أسماء القرآن وموارد اشتقاقها"، www.dar-islam.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:9
- ↑ سورة الإسراء، آية:88
- ↑ سورة الزخرف، آية:3
- ↑ سورة البقرة، آية:185
- ^ أ ب ت ث "أسماء القرآن - جمع العلامة فخر الدين الرازي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية:18
- ↑ سورة الفرقان، آية:1
- ↑ سورة البقرة، آية:185
- ↑ سورة الإسراء، آية:106
- ↑ سورة الفرقان، آية:32
- ↑ سورة البقرة، آية:53
- ↑ سورة البقرة، آية:178
- ↑ سورة البقرة، آية:183
- ↑ سورة النساء، آية:103
- ↑ سورة الصافات، آية:157
- ↑ سورة الحجر، آية:4
- ↑ سورة النور، آية:33
- ↑ "(1) أسماء القرآن الكريم"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية:1-2
- ↑ سورة فصلت، آية:41-42
- ^ أ ب "المدخل لدراسة القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:50
- ↑ سورة الحجر، آية:9
- ↑ سورة الزخرف، آية:44