محتويات
مفهوم النية
تُعرَّف النية في اللغة على أنَّها مفرد للجمع نيَّات، وهي من الفعل نوى ينوي، ومعناها قصد الشيء والعزم على أدائه وفعله، أمَّا في الاصطلاح فقد عرَّفها علماء المذاهب الأربعة، فعند الحنفية قال ابن عابدين: "النية: قصد الطاعة والتقرُّب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل"، وعند أتباع المذهب الشافعي قال الماوردي: "هي قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن قصده وتراخَى عنه، فهو عزم"، وقال النووي من الشافعية أيضًا: "النية عزم القلب على عمل فرض أو غيره"، والنية عند أتباع المذهب المالكي هي قصد الشيء الذي كُلِّف به الإنسان، أمَّا عند الحنابلة قال البهوتي: "النية شرعًا: هي عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى"، وفيما يأتي سيتم التفصيل في أقسام وأحكام النية وعلاقة العمل بالعمل والنية في العبادات.[١]
أقسام النية
إنَّ للنية قسمين اثنين في الإسلام، حدَّدها الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- حين قال: "والنيَّة نيَّتان: الأولى: نيَّة العمل، ويتكلَّم عليها الفقهاء -رحمهم الله- أنَّها هي المصحِّحة للعمل، الثانية: نيَّة المعمول له، وهذه يتكلَّم عليها أهل التَّوحيد، وأرباب السلوك؛ لأنَّها تتعلَّق بالإخلاص"، ومعنى نية العمل ونية المعمول له، أي إذا أراد الإنسان المسلم أن يصوم فإنَّه ينوي الصيام، وفي هذه الحالة تكون النية نية العمل، أمَّا إذا أراد المسلم الصيام تُقرُّبًا إلى رب العالمين، ففي هذه الحالة تكون النية نية المعمول له، أي يقصد المسلم في نيته وجه الله تعالى، وينبغي على المسلمين أنَّ يستحضروا نية التقرب من الله تعالى، وألَّا لا يكون أداء العبادات لأنَّها فرض على المسلمين، بل يجب أن تكون العبادات طريقًا يقرِّب العبد من ربِّه، حيث قال تعالى في سورة الرعد: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}،[٢] وقال تعالى في سورة الليل: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}،[٣] وقال تعالى في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}،[٤] فنِيَّة المعمول له هامَّة، ينبغي على المسلم أن يكون فطِنًا لها، فهي أساس العمل الذي يُقرِّب المسلم من الله سبحانه وتعالى.[٥]
أحكام النية
الِّنيَّة -كما مرَّ سابقًا- هي القصد والعزم على فعل الشيء، وقد قال السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر معرِّفًا النِّيَّة: "النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا من جلب نفع أو دفع ضر حالًا أو مآلًا"، وجدير بالذكر إنَّ محلَّ النية هو القلب، فهي تنبع من القلب وتستقر فيه، ثمَّ يصدِّقها العمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن محل النية من الجسم: "نية الطهارة من وضوء أو غسل أو تيمم أو صلاة أو صيام أو كفارات وغير ذلك من العبادات، لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام؛ بل النية محلها القلب باتفاقهم، فلو لفظ بلسانه غلطًا خلاف ما في قلبه فالاعتبار بما ينوي لا بما لفظ"، لذلك ينبغي على المرء أن ينوي بقلبه وأن يصدِّق بعمله، فالنيَّة شرط من شروط صحة العبادة في الإسلام، حيث روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ"،[٦] وهذا الحديث الشريف دليل على أنَّ النيَّة شرط لصحة العبادات،[٧] وللنية شروط عامة شاملة لكلِّ العبادات، وهذه الشروط هي:[٨]
- الإسلام: إنَّ النية التي يترتب عليها الثواب لا تكون إلَّا من المسلم، فالعبادات لا تصح من الكافر.
- التمييز: ومعنى التمييز أن يكون الإنسان بالغًا عاقلًا، فالعبادة لا تصح على الصبي غير المميز، ولا على المجنون غير العاقل، ويرى الشافعية أنَّه يصح للولي أن يوضئ الصبي غير المميز للطواف، ويحلُّ للزوج أن يغسل المجنونة من الحيض، والأفضل له أن ينوي، والله أعلم.
- العلم بالمَنْويِّ: أي أن يعلم الإنسان إذا نوى لأي شيء ينوي، فمن جهل الصلاة مثلًا لم تصح منه صلاته، أمَّا في الحج مثلًا فلا يشترط العلم ولا يشترط فيه تعيين المنوي، فالإحرام ينعقد بالمطلق ثمَّ يكون تعيين النية، والدليل أنَّ علي بن أبي طالب أحرم بما أحرم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصححه رسول الله، فإذا عيّن المسلم النية للحج أو العمرة قبل أن يشرع في الفعل، صحَّ منه، وإنْ شرع قبل التعيين فتعينت عليه العمرة، وفصَّل السيوطي في هذا الشرط من شروط النية في مثال الطلاق قائلًا: "ما لو نطق بكلمة الطلاق بلغة لا يعرفها، وقال: قصدت بها معناها بالعربية، فإنه لا يقع الطلاق في الأصح".
- ألا يأتي بمنافٍ بين النية والمنوي بأن يستصحبها حكمًا: فمن نوى الصلاة أو الصيام أو الحج أو التيمم ثمَّ ارتدَّ عن دينه فقد بَطُلتْ عبادته، ومن صاحب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وارتدَّ ومات على الردَّة بطلتْ صحبته، قال السيوطي: "إنَّ الوضوء أو الغسل لم يبطل بالردة؛ لأنَّ أفعالهما غير مرتبطة ببعضها، ولكن لا يحسب المغسول في زمن الردة"، والله تعالى أعلم.
وجدير بالذكر أيضًا إنَّ نيَّة المعمول له، أي أنَّه ينبغي على المسلم أن يبتغي وجه الله تعالى في أعماله حتَّى يُؤجر عليها، فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ"،[٩] ولا بدَّ أيضًا من الإشارة إلى أنَّه إذا نوى الإنسان المسلم أن يقوم بأي عمل من أعمال الخير، ثمَّ سعى بكلِّ ما أوتي من قوَّة لإنجاز هذا العمل فلم يتمكَّن من إنجازه فإنَّ له أجر العمل بالنِّيَّة التي نواها، أي أنَّ له أجر العمل وحكمه حكم العامل تمامًا، ودليل هذا ما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حين قال: "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ أقْوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وادِيًا إلَّا كانُوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّه، وهُمْ بالمَدِينَةِ؟ قالَ: وهُمْ بالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ"،[١٠] فمن نوى أن يقومَ بعملٍ صالحٍ وسعى إليه، ثمَّ لم يستطع القيام به، كتب الله تعالى أجر هذا العمل بإذنه، وهذا ينطبق على من نوى أن يقوم بذنب أو إثم، أي من نوى الشرَّ وسعى إليه وعجز عنه فقد أثمَ كإثم الفاعل؛ فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث أنَّه قال: "سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا القَاتِلُ، فَما بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: إنَّه كانَ حَرِيصًا علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"،[١١] والله تعالى أعلم.[١٢]
وجاء في أحكام النيَّة أيضًا أنَّ وقت النية في العبادات هو أولها، حيث جاء في الموسوعة الفقهية ما يأتي: "ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ النِّيَّةِ هُوَ أَوَّل الْعِبَادَاتِ، أَوْ أَنَّ الأْصْل أَنَّ أَوَّل وَقْتِهَا أَوَّل الْعِبَادَاتِ"، أمَّا من سها عن النِّيَة أثناء العمل فلا حرج عليه إنِ استحضرها في بدايته شرط ألَّا يرفضها اثناء العمل، وإنْ رفضها بطل عمله، قال العلامة خليل المالكي في شرح هذه المسألة: "وَعُزُوبُهَا ـأَيْ ذَهَابُهَا مِنْ الْقَلْبِ بَعْدَ اسْتِحْضَارِهَا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مُغْتَفَرٌ غَيْرُ مُبْطِلٍ لَهَا وَلَوْ بِتَفَكُّرٍ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ بِخِلَافِ رَفْضِهَا فَمُبْطِلٌ"، والله أعلى وأعلم.[١٣]
حكمة مشروعية النية
إنَّ مما شكَّ فيه ولا تشوبه شائبة هو أنَّ جميع احكام الشريعة الإسلامية وُضعِتْ بحكمة إلهية بالغة من الله عزَّ وجلَّ، فأحرى بالحكيم العليم أن تكون كلِّ أحكامه وتشريعاته موضوعة بحكمة بالغة، أمَّا حكمة مشروعية النِّية فقد أوضحها وبيَّنها الفقهاء في قولهم إنَّ النِّيَّة قد وُجدت وشُرعتْ من أجل التمييز بين العادات وبين العبادات، ولكي يتمَّ التفريق بين العبادات التي يُقصد بها وجه الله تعالى والعبادات التي يقوم بها الإنسان بشكل اعتيادي، فالعبادات لها مراتب أيضًا ويختلف أجرها بقدر ما يظهر الإنسان من قدر وتعظيم لله تعالى، ومن الأمثلة التي تبيِّن الحكمة من مشروعية النِّيَّة عبادة الصيام، التي يمكن أن تكون حمية للجسم ويمكن أن تكون تقرُّبًا إلى الله تعالى، وكذلك الغسل يمكن أن يكون نظافة ويمكن أن يكون عبادة، ويتم التفريق بين هذه الأشياء بالنية فقط،[١٤] وقد جاء في كتاب مواهب الجليل في بيان الحكمة من مشروعية النِّيَّة ما يأتي: "وحكمة ذلك -والله تعالى أعلم- تمييزُ العبادات عن العادات؛ ليتميَّزَ ما هو لله تعالى عما ليس له، أو تتميز مراتب العبادات في أنفسها؛ لتمييز مكافأة العبد على فعله، ويظهر قدر تعظيمه لربِّه، فمثال الأولى: الغسل، يكون عبادة وتبردًا، وحضور المساجد يكون للصلاة وفرجة، والسجود لله أو للصنم"، والله أعلم.[١]
علاقة النية بالعمل
ليس من المفروض أنَّ يتحقق العمل حتَّى يُثاب المسلم عليه، فالنِّية في بعض الأحيان يُثاب عليها المسلم من غير العمل، فثواب أكثر الأعمال يتحقَّق بالنِّيَّة، ولا يُثاب المسلم على أعمال كثير إلَّا إذا نوى، يرجع هذا إلى كون النِّية خاصة بالله تعالى، فإذا نوى المسلم فهو بنيِّته ينصرف بصورة النية ونفسها إلى الله تعالى؛ لذلك يُثاب على النِّية وحدها من غير العمل، أمَّا العمل المنفصل عن النِّية فهو مختلف بين عمل يكون لله تعالى وآخر لغيره، فمن الأعمال ما هي عادات ومنها ما هي عبادات، والعادات لا يُثاب عليها الإنسان لأنَّه لا ينصرف فيها بنفسه إلى الله تعالى، ومثال ذلك الغسل، لأنَّ الغسل قد يكون من أجل النظافة فهو عادة، وقد يكون عبادة، والدليل على أنَ المرء يُثاب على النِّيَّة هو ما رواه أبو الدرداء -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "من أَتَى فِراشَه وهو يَنْوِي أن يقومَ يُصَلِّي من الليلِ فَغَلَبَتْه عينُه حتى يصبحَ كُتِبَ له ما نَوَى، وكان نومُه صدقةً عليه من ربِّه"،[١٥]فالمرء يُثاب على النِّيَّة، ويُثاب أكثر إذا ارتبطتْ هذه النِّيَّة بالعمل، قال أهل العلم: "إِنَّ الْمَرْءَ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ وَحْدَهَا حَسَنَةً وَاحِدَةً، فَإِنِ اتَّصَل بِهَا الْفِعْل أُثِيبَ بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ؛ لأَِنَّ الْفِعْل الْمَنْوِيَّ تَتَحَقَّقُ بِهِ الْمَصَالِحُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَلِذَلِكَ كَانَ أَجْرُهُ -أَيْ مَعَ النِّيَّةِ- أَعْظَمَ وَثَوَابُهُ أَوْفَرَ، وَلأَِنَّ الأَْفْعَال هِيَ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتِ وَسَائِل"، والله تعالى أعلم.[١٦]
النية في العبادات
ترتبط النية بالعبادات كافة ارتباطًا وثيقًا، فالأعمال في الإسلام مرهونة بالنِّية، حيث قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ"،[٦] والنِّية في الأعمال والعبادات هي النقطة الفاصلة بين الأعمال التي تكون خالصة لوجه الله تعالى والأعمال التي تكون لغير الله تعالى، وفيما يأتي سيتم التفصيل في النية في مجموعة من العبادات وهي: الوضوء، التيمم، تطهير النجاسة، الغسل، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج
نية الوضوء
إنَّ من الواجب على المسلم الذي أراد الوضوء أن ينوي قبل الوضوء رفع الحدث أو أن ينوي الوضوء كفريضة، حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه شرح العمدة: "يَعْنِي أَنْ يَقْصِدَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ رَفْعَ حَدَثِهِ، وَهُوَ الْمَانِعُ مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ بِقَصْدٍ، أَوِ اسْتِبَاحَةِ عِبَادَةٍ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالْوُضُوءِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ"، وجاء في كتاب التاج والإكليل عن نية الوضوء: "كيفية النية أن ينوي بها رفع الحدث أو ما لا يستباح إلا بطهارة أو أداء فرض الوضوء".[١٧]
نية التيمم
اتَّفق أهل العلم في المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنَّ التيمم لا يصحُّ إلَّا بالنِّية، وبهذا الرأي قال ابن حزم وأجمع أهل العلم جميعًا، واستدلَّ أهل العلم في هذا القول بالحديث الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ"،[٦] والله أعلم.[١٨]
نية تطهير النجاسة
اتفق أهل العلم على أنَّ تطهير النجاسة لا يُشترط له النية، وخالف هذا الرأي أتباع المذهب المالكي الذين اشترطوا النية في تطهير النجاسة، قال القرافي: "تشترط النية في إزالة كل النجاسات، وهو قول شاذ"، أمَّا دليل أهل العلم في عدم اشتراط النية عند تطهير النجاسة فهو قولهم: "إن الطهارة من الخبث من باب التروك، وهو لا يحتاج إلى نية كترك الزنا والخمر، فلو أن المطر نزل على ثوب نجس، فزالت النجاسة طهر الثوب ولو لم ينو؛ لأن النجاسة عين خبيثة متى زالت زال حكمها".[١٩]
نية الغسل
أجمع أهل العلم على وجوب نية الغسل للطهارة من الحدث أو من الجنابة، جاء في كتاب الإفصاح ما يأتي: "وأجمعوا على وجوب النية في طهارة الحدث والغُسل من الجنابة"، بينما رأي أبو حنيفة أنَّ النية في الغسل من الجنابة وطهارة الحدث لا تجب ويصح الغسل دونها، قال أبو حنيفة: "لا تجب النية فيهما ويَصحَّان مع عدمها، ومحل النية القلب"، والله أعلم.[٢٠]
نية الصلاة
إنَّ نية الصلاة شرط من شروط صحة الصلاة في الإسلام، فإذا لم ينو المسلم قبل صلاته فإنَّ صلاته لا تُقبل ولا تصحّ، قال الشيرازي: "فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً لَزِمَهُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فَيَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا"، وقال ابن رشد: "وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ شَخْصٍ الْعِبَادَةَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الصَّلَاةِ إِنْ عَصْرًا فَعَصْرًا، وَإِنْ ظُهْرًا فَظُهْرًا"، أمَّا في مسألة شك المسلم فيما نوى بعد أنَّ أتمَّ صلاته، فقد قال ابن عثيمين: "فلو أن رجلًا بعد أن صَلَّى الظُّهر قال: لا أدري هل نويتُها ظُهرًا أو عصرًت شكًّا منه؟ فلا عبرة بهذا الشكِّ ما دام أنَّه داخل على أنها الظُّهر فهي الظُّهر، ولا يؤثِّر الشَّكُّ بعد ذلك".[٢١]
نية الصيام
إنَّ نية الصيام شرط أساسي لصحة الصيام، وهذا رأي الحنفية والحنابلة والمالكية، واستدلَّ أصحاب هذا القول بحديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "منْ لمْ يُبَيِّتِ الصيامَ قبلَ طلوعِ الفجرِ، فلا صيامَ لهُ"،[٢٢]فالصوم عبادة محضة كالصلاة، لذلك وجب على الصائم أن ينوي ويبيِّت نية الصيام قبل طلوع الفجر كما جاء في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام.[٢٣]
نية الزكاة
إنَّ الزكاة في الإسلام من العبادات التي يجب على المسلم أن ينوي أداءها؛ فالنية شرط في العبادات الواجبة على المسلم، قال ابن مفلح في كتابه الفروع: "والنية شرط في إخراج الزكاة، فينوي الزكاة والصدقة الواجبة أو صدقة المال والفطر، ولو نوى صدقة مطلقة لم يجزئه ولو تصدق بجميع ماله"، فعلى المسلم أن يحدِّد الزكاة التي يريد إخراجها وعليه نيِّة أدائها، والله أعلم.[٢٤]
نية الحج
إنَّ الحج من العبادات التي تجب فيها النِّية في الإسلام، ونيَّة الدخول في النسك في الحج هي الإحرام، ويكون محل النية القلب، وجدير بالذكر إنَّه إذا لم ينو المسلم بقلبه الدخول في نسك الحج وجاوز الميقات فعليه أن يذبح شاة في مكة المكرمة، وأن يوزعها على الفقراء في الحرم، فالإحرام والذي هو نية الدخول في النسك واجب، أمَّا من ترك لفظ النِّيَّة مع وجود النِّيَّة في القلب فليس عليه شيء لأنَّ محلَّ النية القلب، والله أعلم.[٢٥]
المراجع
- ^ أ ب "النية: (تعريفها، وبيان حكمها، وذكر محلها)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
- ↑ سورة الرعد، آية:22
- ↑ سورة الليل، آية:20
- ↑ سورة الحشر، آية:8
- ↑ "النية روح العبادة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
- ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، حديث صحيح.
- ↑ "النية.. معناها .. ومحلها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:56، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4423، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:6875، حديث صحيح.
- ↑ "من أحكام النية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
- ↑ "من أحكام النية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-23. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:8267، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ "كيفية النية عند الشروع في الوضوء"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ "النِّيَّة"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ "كتاب موسوعة أحكام الطهارة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ "النية في طهارة الحدث والغسل من الجنابة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ " نية الصلاة المعينة شرط في صحة الصلاة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6534، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ "النية الواجبة عند إخراج الزكاة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
- ↑ "محل النية في الحج والعمرة القلب"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.